البحث عن الحرية

"كل شيء قابل للتغيير" هذه العبارة التي نرددها نحن وتحوم حولنا دائماً، لكنها تظل كضيف غير مرغوب فيه، نكره استقباله في قرارة أنفسنا، ومع ذلك لا نتردد عن ذكره في نقاشاتنا اليومية.

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/12 الساعة 04:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/12 الساعة 04:37 بتوقيت غرينتش

"كل شيء قابل للتغيير" هذه العبارة التي نرددها نحن وتحوم حولنا دائماً، لكنها تظل كضيف غير مرغوب فيه، نكره استقباله في قرارة أنفسنا، ومع ذلك لا نتردد عن ذكره في نقاشاتنا اليومية.

إنها دخيلة موضوعاتنا، شأنها شأن رشة الملح التي نضيفها لأطباقنا قصد تعديل النكهات، فهي تضفي نوعاً من السلام المفتعل، خلفه قوة تمويهية نستعين بها أمام الغير، والأعنف من ذلك أمام ذواتنا، لكنها لا تتعدى اللسان، فهي ضعيفة إلى حد العجز عن اختراق أعماقنا؛ لتبعث فينا السكينة المشتهاة، كإعلان لحجزها مكاناً داخل اللاوعي.

ما سر هذا التضارب وهذا الاصطدام ما بين فكرة ثبوت هذه العبارة وتمني حدوث نقيضتها، عاصفة القليل منا من أدرك وجودها ورأى أطراف تلك الوغى، لا أقول إنها الفئة الرابحة، إلا أنهم في مرحلة تشخيص للمرض، مما يبعث فيهم أمل التعرف على الحقيقة وإيجاد ترياق مناسب، أما الفئة الأخرى فمعداتها ما زالت عاجزة على التقاط إنذار بحدوث العاصفة.

محو هذا التناقض يستدعي أولاً البحث عن الأسباب القابعة وراءه، إنه الخوف من المجهول، كخوفنا من تغيير منصب أو مجال عمل أو مكان إقامة أو حتى مظهرنا الخارجي، أو خوفنا من موت أحدهم، الذي يعتبر أحياناً أقل درجة من ذلك الذي يرتبط بفقدان شخص نعلم جيداً أنه يتنفس لكنه لن يشاركنا نفس الأكسجين.

لنبحر نحو الأعمق، فالمراد أن نرى أكثر، أن نتعلم أكثر، أن نفهم أكثر؛ لهذا يجب أن نحلل أكثر، لعلنا نصل إلى ما يستحق البحث فنجد طريق النجاة من قبضة أفكارنا وننعم بحرية مطلقة، تحلو معها الحياة، ونستشعر بها حلاوة ترقب الجديد.

إن هذه المخاوف التي ذكرتها هي فقط ما يطفو على السطح، إنها وليدة خوف أكبر، رهبة عدم القدرة على التأقلم مع أوضاع لم نعهدها من قبل، هذا هو الأصل الذي يجب أن يقتلع من الجذور، ونوقف عنه الغذاء الذي نتكبد عناء تزويده به، أثناء كل لحظة تفكير تتخللها عبارة غير قادر صريحة جاءت أم مخبأة بين ثنايا الكلام.

هذا ليس بسهل، أعي جيداً أننا نخاف الالتفات إلى أنفسنا لكي لا تستفيق ذاكرتنا على صوت ضعفنا، فأصعب حرب هي تلك التي نخوضها ضد حواسنا، نعم هي كذلك إنها لحرب، سنقرر أن نخوضها فجأة أو بعد تردد طويل أو ربما سنموت هرباً من تفاصيلها، إنها تتطلب شجاعة اتخاذ القرار وقوة الإصرار على بلوغ الهدف، هذه القوى التي لا أجد لها منبعاً غير ذواتنا، هي فقط القادرة على محو وهم التعلق بالأشياء، التي نسينا أننا نحن من وضعنا لها اسماً ولقباً، واحتفلنا بولادتها على طريقتنا الخاصة، وجعلنا لها مكاناً بالقرب منا وكسوناها برداء يجعلها مألوفة، ورششنا عليها من عطرنا المفضل.

هل تحسب أن ما فعلناه ليس بصحيح؟ لا بتاتاً بل إنه عين الصواب، فنحن لا نستطيع العيش مع أشياء لا نعرفها؛ لهذا وجب طلاؤها بلون ترتاح له أكثر أعيننا، لكن الخطأ يكمن في تلك الروابط التساهمية التي أسسناها بين أعماقنا وبينها، دون تقييم قوتها وكمية الطاقة التي سنتدبر توفيرها إذا ما استدعت الضرورة كسرها يوماً.

لست في محاولة مني لإلقاء اللوم على الذات فالهدف لم يكن ولن يكون رمي النفس بين قبضتي أحد القتلة الثلاثة بل هو أسمى من ذلك، ومن ثم فإنني أؤكد أن هذا الارتباط العاطفي أيضاً له سبب وجيه، إنه الإحساس بعدم الاستقرار كذات مستقلة، عن كل ما يحوم حولها، وبالتالي فإن رحلة البحث الحقيقة ما هي إلا سعي إلى أن نكون كذرة الهيليوم.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد