ضع نفسك مكاني

لا شك أن العلاقة بين الطبيب والمريض معقدة، لكنها ترتكز على الثقة والاحترام المتبادلين، وهي أشبه ما تكون بعلاقة المدرب بالفريق الرياضي الذي يدربه؛ إذ يقوم بإعداده بدنياً ونفسياً، ويمده بالمعرفة الضرورية والخطط والنصائح المناسبة، لكنه لا يمكن أن يحل مكانه في الملعب.

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/10 الساعة 02:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/10 الساعة 02:35 بتوقيت غرينتش

كثيراً ما يواجه زملائي الأطباء سؤالاً يطرحه المرضى أو بعض أهليهم، هو: "ماذا كنت ستفعل لو كنت مكاني؟"، وهو سؤال عادة ما يطرح بين يدي قرارات تحتمل اجتهادات متعددة، قد تتعلق بتناول دواء معين تصحبه أعراض جانبية، أو الخضوع لإجراء يحتمل مخاطر حقيقية، أو التوقف عن أخذ علاج ما؛ إذ إن اجتهادات الطبيب العلاجية تُبنى على أرقام ونسب تُستقى من الدراسات السريرية، وهذه الأرقام لا تُعنى بالنتائج الشخصية للفرد، وإنما لمجموعة الأفراد الذين أجريت عليهم هذه الدراسات.

وهو سؤال تصعب الإجابة عنه؛ إذ لا يمكن لإنسان أن يضع نفسه مكان آخر، فنحن مختلفون في تركيبتنا النفسية، ومدى تقبلنا للاحتمالات المختلفة، وكذلك مدى قبولنا للمخاطرة، واستعدادنا لقبول نتائجها.

غالباً ما يكون السؤال للاستئناس بالرأي، لكنه أيضاً يحمل في طياته طلباً للمشاركة في تحمل المسؤولية، ورفع بعض العبء عن كاهل المريض، وتحت وطأة المرض، يجد الإنسان نفسه مضطراً للتخلي عن سيطرته على كثير من أموره الحياتية، التي لم يكن ليسمح لأحد بالتدخل فيها في ظرف آخر.

فهو يعتمد على الطبيب في القرارات الطبية، وعلى الأهل والأصدقاء في الدعم المعنوي، وربما المادي، كما يعتمد على زملاء العمل في سد الفراغ الذي يتركه غيابه المتكرر، فحياته التي كانت بين يديه يتخلى عن الكثير من جوانبها طوعاً للآخرين.

قد يكون الجواب عن هذا السؤال بأنني سأحاول استكشاف الاحتمالات كافة، ودراسة إيجابياتها وسلبياتها؛ لأوازن بين الفوائد والخسائر المترتبة على كل منها.

وبعد إشباع الموضوع بحثاً، سيبقى هناك احتمال بأن لا أجد جواباً شافياً، عندها سأتخذ القرار الذي أظنه مناسباً، لكن الفرق هنا أني لن ألوم نفسي لاحقاً فيما لو تبين أن قراري لم يكن في مكانه.

معظم القرارات الطبية، وخاصة تلك التي تحمل بين طياتها توابع جدية، لا يمكن اتخاذها بناء على المعلومات والخبرة الطبية فقط، وإنما يجب الأخذ بعين الاعتبار معتقدات المريض وقيمه، ووضعه النفسي والجسدي؛ لأن معظم هذه القرارات تحتمل الموازنة بين ما نطمح إلى تحقيقه، ونسبة المخاطرة التي قد نقبل بها، أو الثمن الذي نرتضي دفعه مقابل نتائج غير مضمونة.

ورغم ما يحمله هذا السؤال من ثقة بالطبيب واعتباره شريكاً في عملية العلاج، فإنه في الوقت نفسه يحمل خطورة اتخاذ القرار بالنيابة عن شخص مختلف تماماً، قد نجهل الكثير من خباياه؛ لذا يتوجب علينا التعامل مع الإجابة بحذر وعدم الاستخفاف بها.

لا شك أن العلاقة بين الطبيب والمريض معقدة، لكنها ترتكز على الثقة والاحترام المتبادلين، وهي أشبه ما تكون بعلاقة المدرب بالفريق الرياضي الذي يدربه؛ إذ يقوم بإعداده بدنياً ونفسياً، ويمده بالمعرفة الضرورية والخطط والنصائح المناسبة، لكنه لا يمكن أن يحل مكانه في الملعب.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد