حكايات موصلية حزينة

يشتدُّ الحصار على أهلنا المحاصرين ويصبح أزيز الرصاص يأتي من كل حدبٍ وصوب؛ ليقتات من أرواح الناس ودمائهم، أو ليحدث خراباً في منازلهم، تلتجئ العائلة لأمن حجرة في المنزل، التي يجدونها أكثر أماناً، هنا ينطق الطفل صارخاً:

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/10 الساعة 05:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/10 الساعة 05:46 بتوقيت غرينتش

"1"

بعد أن قضوا ليالي مرعبة في سردابهم المظلم والقذائف تتطاير من فوقهم، يخطئ المتحاربون في قصفهم، فتسقط على بيتهم قذيفة هاون، يخرجُ الأهل سالمين، يهرعون إلى الخارج فيرون المسلحين (المتطرفين) يودون حرق سيارتهم، يدخل الأهل بجدال معهم؛ لينتهي الأمر بحرق المنزل والسيارة، ويقف الأهل مكتوفي الأيدي؛ ليصبحوا بعدها بلا مأوى.

"2"

يذهب الأب وأولاده ليطمئنوا على أخيه الذي يسكن في الحي المجاور لهم؛ لأن قذيفة سقطت عليهم بالوهم، ولا أدري كم نسبة هذا الوهم، خرجوا سالمين، رجعوا إلى دارهم ولم يكن بمعلومهم هذه المرة أن القذيفة ستسقط عليهم لتحيل ثلاثة إلى شهداء، ويسقط الذين يطمئنون على عمهم جرحى؛ ليبقوا شاهدين على وقاحة هذه الحرب، وجرائم المتطرفين الذين يخوضون حربهم المقدسة لبقاء وهمهم ودولتهم المزعومة.

"3"

يشتدُّ الحصار على أهلنا المحاصرين ويصبح أزيز الرصاص يأتي من كل حدبٍ وصوب؛ ليقتات من أرواح الناس ودمائهم، أو ليحدث خراباً في منازلهم، تلتجئ العائلة لأمن حجرة في المنزل، التي يجدونها أكثر أماناً، هنا ينطق الطفل صارخاً:

أمي أود النوم بحجرتنا الكبيرة فهذه الحجرة صغيرة جداً؟
تجيبه أمه: يا ولدي لكن الطائرات لا تزال تقصف حولنا.. ألست خائفاً؟
يجيبها قائلاً: إذا كنتُ بمفردي سأكون خائفاً، ولكنّي لستُ خائفاً من قصف الطائرات، ما عاد يشعر أن هذا الصوت يهددُ حياتَهُ.

"4"

لم يبقَ كل أهلنا في المدينة، خرج البعضُ مُضطراً للعمل أو خوفاً على نفسه أن تطاله يدُ الإجرام، اليوم ينتظر على أحرّ من الجمر أن يخرجَ أهله سالمين من الحرب، ينقطع التواصل معهم، وبعد مدة من الزمن يأتيه اتصالٌ منهم؛ ليسمع أن أخاه الأصغر، يتساءل، يقول: يا أمي إذا تحررنا سنعود لنأكل بيضاً وفاكهة مرةً أخرى أم سنبقى هكذا؟ سؤالٌ مؤلمٌ بينما أطفال العالم في هذه الفترة يكونون في أسعد لحظات حياتهم، يكون أطفال مدينتنا تحت القصف، يتساءلون عن المشرب والطعام.

"5"

بعد أن شعر رب الأسرةِ بأن الحصار قد طال عليهم، وأن وابل الرصاص قد اشتد، أخذ يفكر بخروج من وسط هذا المعترك؛ ليفك القيدَ عن نفسه وعن أسرته، قرروا الخروج ليلاً مع مجموعة من العوائل المجاورة، قطعوا المسافة التي يقطعها الإنسان في الظروف الطبيعية، بساعة من الزمن، قطعوا الطريق مشياً على الأقدام في ثماني ساعات، بعد أن نزلوا في بركة مياه وتبللت ملابسهم، وجلسوا بعض الأحيان خوفاً من أن يقعوا في مصيدةِ أبناء دولة الخلافة، فأنت حرامٌ عليك أن تخرج منها.

المؤلم في القصة ما زال الطفل الصغير يتساءل:
لماذا خرجنا ليلاً يا أمي؟ لماذا تبللت ملابسنا؟ لماذا كانوا يطلقون علينا الرصاص؟ لماذا كل هذا يا أمي؟

وأخيراً:
تذكَّر كلما صلَّيت ليلاً
ملايين تلوك الصخرَ خُبزا
على جسر الجراح مشت وتمشي
وتلبسُ جلدها وتموتُ عزَّا
تذكَّر قبل أن تغفو على أي وسادة
أينام الليل من ذبحوا بلاده؟
أنا إن مِتُّ عزيزاً إنما موتي ولادة
قلبي على جُرحِ الملائكةِ النوارس
إني أراهم عائدين من المدارس
باست جبينهم المآذن والكنائس
كتبوا لكم هذا النداء
وطني جريحٌ خلف قضبان الحصار
في كل يومٍ يسقط العشرات من أطفالنا
إلى متى هذا الدمار؟
جفَّت ضمائركم ما هزَّكم هذا النداء؟!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد