تختلف نظرة الناس إلى النجاح، فمنهم من يرى أنه بمساعدة الآخرين، وآخر بتوسيع أعماله، وثالث في الفوز بمسابقة ما، ولكن جميعها تشترك بوجوب شرط لتحقيقها، ألا وهو التوازن!
ولا يعدّ التوازن من شروط النجاح فقط، وإنما انعدامه سيكون سبباً للكثير من المشاكل، ففي كتابه (من العادي إلى الاستثنائي)، بيّن الكاتب باتيل بعض الأمثلة عما يحدث عند الخلل في التوازن، تحدث الزلازل مثلاً نتيجة الاضطراب في التوازن بين صفائح الأرض، وينتج الاحتباس الحراري بسبب الخلل في نسبة غاز الكربون في الجو، وتحصل الأمراض في جسم الإنسان لفشله في التوازن في مأكله ومشربه.
كما تفشل العلاقات الاجتماعية نتيجة انعدام التوازن فيها، كالاستغلال وعدم تبادل الاهتمام والتعاون وغيرها، وكان أن ذكر الله تعالى شكل التوازن على الأرض بقوله: "وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ" (الحجر: 19).
وتعني هذه الآية التوازن بين الأكسجين الذي يحتاجه الإنسان وما يطلقه النبات، وثاني أكسيد الكربون الذي يخرجه الإنسان ويحتاجه النبات، ولو زادت أي نسبة من تلك الغازين لتضررت الأرض.
وفي سورة الرحمن، بيّن الله تعالى أن العالم قائم على التوازن، بقوله: "وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ "، فالسماء وما فيها من كواكب ونجوم وأجرام سماوية أخرى تملك توازناً في حركتها، والذي لو اختل لحصلت مختلف الانصدامات وهلك الكون.
كما بيّنت الآية أنه في اختلال الميزان بين القوى في العالم لاختلّ أمنه وسلامه باندلاع مختلف الحروب المدمرة للإنسان وللشجر وللحجر، وهذا ما نشهده للأسف الآن باستقواء دولة على أخرى، وبطغيان حاكم على شعبه.
ويتمّثل التوازن في الإنسان، فهو عبارة عن جسد وروح، وعليه أن يلبي احتياجات كل منهما بتوازن؛ ليتمكّن من العيش بصحة وعافية، فمثلاً، عليه أن يلبي احتياجات الروح من تأمل وصلاة وتفكّر ومطالعة، مما سيساعده في التفكير السليم ووضع أهداف واقعية، ومواجهة المشاكل دون خوف أو وجل، كما عليه أن يأكل دون إسراف أو تقتير لتجنّب الكسل والمرض والخمول.
قال الرسول صلى الله عليه وسلّم: "ما ملأ آدميٌّ وعاءً شرّاً من بطن بحسب ابن آدم لُقَيْمَات يُقِمْن صلبه".
وأضاف باتيل أن من أسباب فشل الإنسان في تحقيقه النجاح إضافة إلى عدم موازنته في أولوياته بين الجدّ واللهو، التساهل مع العادات السيئة التي من شأنها أن تخل بالتوازن العقلي والنفسي له، والذي يتمثّل بالاكتئاب والقلق ومختلف الأمراض النفسية والجسدية؛ إذ على الإنسان التخلّص من التدخين وتناول مختلف المسكرات من الكحول والمخدرات، إضافة إلى المقامرة وغيرها التي من شأنها أن تدمّره وتمنعه من تحقيق أي نجاح.
وهذه كلها قد حرّمها الإسلام بقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ" (المائدة).
ولذلك يعدّ الإسلام آخر الأديان وصالحاً لكل زمان ومكان؛ لما فيه من وسطية وتوازن، وعدم إنكاره لفطرة الإنسان واحتياجاتها، فمثلاً، لم يفرض الصوم الكامل الذي يضر بالجسد، ولم يأمر بالتهجّد طوال الليل ولم يدعُ إلى الرهبنة، وإنما كافة تكاليفه هي لصحة ولصالح الإنسان؛ لذلك نجد أنّ من يتبّع الشريعة الإسلامية بشكل صحيح يتمتّع بالصحة والسعادة، والنجاح.
أمّا لتحقيق الثراء، فعلى الإنسان أن يوازن بما يكسب وبما ينفق، وهذا ما حققه الإسلام بفرض الزكاة والحثّ على الصدقة، قال تعالى: "وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" سورة النور، وقال الرسول -صلى الله عليه وسلّم- في الحثّ الصدقة: "لا ينقص مال من صدقة فتصدقوا"، "داووا مرضاكم بالصدقة".
وكان أن أفاد أنتوني روبنز -مدرّب الحياة الشهير- في إحدى المقابلات بأن سبب تضاعف ثروته في إحدى السنوات ليس لزيادة مهارته أو خبرته، وإنما لأنه كان ينفق من ماله على الآخرين، وحثّ كل من يريد تحقيق الثراء على أن يعمل على الإنفاق ومساعدة الآخرين، وبصورة دائمة.
في النهاية، جعل الله -تعالى- الإنسان خليفته على الأرض؛ ليتمكّن من إعمارها بنشر الخير وبصدّ الشر، ولن يتحقق ذلك دون أن يخشى الله تعالى، وأن يعمل ويتعلّم ويطوّر نفسه ويساعد الآخرين ويتعاون معهم في ذلك، قال تعالى: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" المائدة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.