أثارت الأدلة حول استخدام غاز الأعصاب السارين في الهجوم الكيماوي، الذي قتل أكثر من 80 شخصاً وأصاب مئات آخرين في محافظة إدلب شمالي سوريا الأسبوع الماضي، تساؤلاتٍ مُحرجة للحكومة البريطانية بشأن الدور الذي لعبته المملكة المتحدة في تطوير برنامج الأسلحة الكيماوية الخاص بنظام الأسد.
وسلَّطت مجموعات حقوق الإنسان ونشطاء الحد من التسلُّح الضوء على اعتراف الحكومة بأنَّ المملكة المتحدة قد صدَّرت المواد الكيماوية اللازمة لإنتاج غاز السارين إلى النظام السوري في الثمانينيات. وباعت المملكة المتحدة أيضاً معدات متخصِّصة بعد عام 2000 والتي يبدو الآن أنَّها تحوَّلت إلى برنامج أسلحة كيماوية، حسبما نشرت صحيفة الغارديان البريطانية.
وكانت الادِّعاءات بشأن إمداد المملكة المتحدة سوريا بمواد كيمياوية مميتة قد جرى التحقيق فيها من قِبَل لجان مراقبة تصدير الأسلحة التي كتبت في عام 2013 إلى وزير الأعمال البريطاني آنذاك، فينس كيبل، وطلبت منه الكشف عن أسماء الشركات التي مُنِحت موافقةً ترخيصية بين عامي 2004 و2012 لتصدير المواد الكيماوية التي يمكن استخدامها في تصنيع الأسلحة الكيماوية إلى سوريا. وانتقدت اللجان كيبل لرفضه الكشف عن أسماء تلك الشركات.
وقال السير جون ستانلي، رئيس لجان مراقبة تصدير الأسلحة: "إنَّ تأثير رفض وزير الأعمال الكشف عن أسماء الشركات سيمنع اللجان من الحصول على الأدلة منها. إنَّ تلك مسألةٌ خطيرة لكلٍ من اللجان الأربع التي تُشكِّل لجان مراقبة تصدير الأسلحة ولمجلس العموم ككل. ولذا كتبتُ إلى وزير الأعمال أطلب منه إعادة النظر في قراره".
ولا تُقدِّم البيانات التي جمعتها "حملة ضد تجارة السلاح"، والتي تعود إلى عام 2008، أي دليلٍ على تقديم أية مواد كيمياوية إلى سوريا على مدار الأعوام التسعة الأخيرة.
بريطانيا صدرت لدمشق مواد كيماوية
ومع ذلك، في يوليو/تموز 2014، أكَّد وزير الخارجية البريطاني آنذاك، ويليام هيغ، للبرلمان أنَّ المملكة المتحدة بالفعل قد صدَّرت مواد كيمياوية "من المُحتَمَل أنَّها حُوِّلت من أجل استخدامها في البرنامج السوري".
وكشف هيغ عن أنَّ الصادرات شملت عدة مئات من الأطنان من مادة ثنائي ميثيل الفوسفات عام 1983، ثُمَّ صادرات أخرى تبلغ عدَّة مئات من الأطنان من المادة نفسها عام 1985، وعدة مئات من الأطنان من مادة ثلاثي ميثيل الفوسفات عام 1986، وكمية من فلوريد الهيدروجين عام 1986 عبر بلدٍ ثالث.
وقال هيغ للبرلمان: "كل تلك المواد الكيماوية لها استخدامات شرعية، في تصنيع البلاستيك والصناعات الدوائية على سبيل المثال. ومع ذلك، يمكن كذلك أن تُستَخدَم في إنتاج السارين. ويمكن أن تُستخدم مادتا ثنائي ميثيل الفوسفات وثلاثي ميثيل الفوسفات أيضاً في إنتاج غاز الأعصاب VX. وهذا هو السبب في أنَّ تصدير مواد كتلك محظورٌ بصرامة بموجب نظام التصدير البريطاني الذي بدأ منذ الثمانينيات وجرى تعزيزه تدريجياً منذ ذلك الحين".
وأضاف: "من المعلومات التي لدينا، نقضي على الأرجح بأنَّ هذه الصادرات الكيماوية من قِبَل الشركات البريطانية استخدمتها سوريا لاحقاً في برامجها لإنتاج غازات الأعصاب، بما في ذلك السارين". واعترف هيغ بأنَّ مراجعةً أُجرِيَت قد أكَّدت كذلك تصدير الشركات البريطانية لمراوح تهوية إلى سوريا في 2003. ويبدو أنَّ النظام السوري قد حوَّل المراوح لاستخدامها في مرافق الأسلحة الكيماوية.
وقال أندرو سميث، عضو حملة "ضد تجارة الأسلحة"، إنَّ "عُمر السلاح غالباً ما يكون أطول من عُمر الحكومة أو الوضع السياسي الذي يُباع فيه. وحينما تُباع الأسلحة أو المكوِّنات الكيماوية، لا تكون هناك أية طريقةٍ لمعرفة متى أو ضد مَن قد ستُستخدم. وباعتراف الحكومة البريطانية، فإنَّها قد باعت مكوناتٍ يمكن استخدامها في إنتاج الأسلحة الكيماوية إلى سوريا. ولابد الآن من أن تجري تحقيقاً كاملاً لتحديد ما إذا جرى استخدامها في هذه الهجمات المُريعة، ونشر قائمةٍ بالأنظمة والحكومات الأخرى التي بيعت إليها مثل هذه المكوِّنات".
وأشار خبيرٌ كيميائي يُسدي النُصح لمنظمة العفو الدولية، طلب عدم الكشف عن هُويته، إلى أنَّه سيكون من الصعب الحفاظ على أي غاز سارين صُنِّع قبل عقد: "إنَّ الإنتاج الآمن لغاز السارين النقي، عالي الجودة الذي لن يتحلَّل ويفقد جودته بسرعةٍ بعد إنتاجه أمرٌ صعب. فهو يتطلَّب مُعدَّاتٍ مُتخصِّصة ومُتخصِّصين، بالإضافة إلى بعض المعلومات الحديثة الخاصة التي لا تُوجَد عادةً على شبكة الإنترنت أو في المكتبات".
وقال آلن هوغارث، رئيس الشؤون السياسية والحكومية في فرع منظمة العفو الدولية في المملكة المتحدة، إنَّ استخدام نظام الأسد المزعوم للأسلحة الكيماوية كان تذكِرةً في وقتٍ مناسب للمملكة المتحدة بأنَّها تحتاج إلى أن تكون مُتيقِّظة بشأن ما ولمن تُصدِّر: "حتى لو ثبت أنَّه من المستحيل تحديد أصول المواد الكيماوية التي استُخدِمت في هجوم خان شيخون المُروِّع، فمن الضروري أن نحافظ على ضوابط واضحة لا لبس فيها تماماً بشأن أي المواد الكيماوية نُصدِّرها ولمن".
وأضاف: "في الماضي، كانت المملكة المتحدة متساهلة جداً في تلك المسائل، وهو الشيء الذي تحسَّن عبر تطبيق التدابير الأوروبية والتدابير الدولية الأخرى. ويجب على المملكة المتحدة أن تضمن عدم تعرُّض تلك المعايير للخطر عند إجرائها للصفقات التجارية بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، وأن يجري الحفاظ على كافة الضوابط ذات الصلة وتشديدها بصورةٍ أكبر".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.