طاقات مهدورة.. توجيه غائب.. وسلوكيات سلبية

وإذا ما بحثنا في مسببات هذه الظاهرة، فسنجدها لا تعد ولا تحصى؛ بل إننا نشهد كل يوم ظهور مسببات وسلوكيات جديدة تعمل على تعميقها وتثبيتها وتوسيع نطاقها؛ بل وتفاقم تداعياتها، وكأنها إنجاز عظيم نفخر به ونسعى إلى تنميته بشتى الوسائل.

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/08 الساعة 03:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/08 الساعة 03:49 بتوقيت غرينتش

في وقت يمر فيه العالم أجمع بأزمات اقتصادية وسياسية متلاحقة وخانقة، لا تزال نسب البطالة في الدول العربية ودول العالم الثالث في ارتفاع متسارع وغير مسبوق، تاركةً وراءها طاقات وكوادر ومؤهلات شبابية تتأرجح بين اليأس والانحراف والتطرف.

لعل التطرق إلى هذا الموضوع لم يعد بالأمر الجديد، فقد شهدنا على مر العقود الماضية آلاف الدراسات التي تناولته من مختلف جوانبه، والتي خرجت بآلاف التداعيات لهذه الظاهرة ومختلف التوصيات والحلول المقترحة لها، ولكن الشيء الوحيد الذي تشابه فيها أنها بقيت حبراً على الورق.

وإذا ما بحثنا في مسببات هذه الظاهرة، فسنجدها لا تعد ولا تحصى؛ بل إننا نشهد كل يوم ظهور مسببات وسلوكيات جديدة تعمل على تعميقها وتثبيتها وتوسيع نطاقها؛ بل وتفاقم تداعياتها، وكأنها إنجاز عظيم نفخر به ونسعى إلى تنميته بشتى الوسائل.

هنا، ألاحظ أن هذه الظاهرة تبدأ في مرحلة مبكرة جداً، تسبق بكثير مرحلة سعي الخريجين للدخول في سوق العمل أو حتى التحاقهم بالجامعات أو الكليات العلمية والمهنية. فهذه الظاهرة برأيي تبدأ بغياب التوجيه الأكاديمي للطلاب والشباب. فكما نعلم أن سوق العمل تختلف احتياجاتها ومتطلباتها من دولة لأخرى ومن قطاع لآخر.

فبمجرد حصول الطلاب على شهادة الثانوية العامة (التوجيهي)، يسعى كل منهم إلى الالتحاق بكليات معينة بناء على معدله أو ميولاته أو طموحات وتطلعات أهله (يا ولدي، بدي أشوفك دكتور أو باشمهندس قدّ الدنيا)، دون أن نلحظ تنسيقاً بين وزارات العمل أو الجهات المعنية بتوظيف الكوادر الشبابية والجامعات والكليات الأكاديمية والمهنية؛ بهدف توجيه وتحفيز هؤلاء الطلاب على الالتحاق بالتخصصات التي تحتاجها سوق العمل فعلاً.

هذا بالإضافة إلى محدودية، وأحياناً غياب تدريبهم عملياً ومهنياً قبل تخريجهم من الجامعات وحصولهم على الدرجات الأكاديمية المختلفة، ما يعمق الفجوة بين ما يتعلمه ويتوقعه الطلاب في أثناء دراستهم وما يواجهونه من تحديات ومعوقات للحصول على وظائف فور تخرجهم.

أما بالنسبة لسوق العمل والقطاع الخاص والعام، فما زلنا نشهد بعض السلوكيات المريضة
والملتوية وغير المنطقية من قِبل الكثير من أصحاب ومديري الشركات والمسؤولين عن
التوظيف والموارد البشرية خلال عملية التوظيف أو التعيين؛ منها على سبيل المثال لا
الحصر:

– دخول المحسوبية والوساطة في عملية اختيار الموظفين.
– التمييز بناء على الأصل أو العرق أو الجنسية.

– التمييز بناء على الجنس حيث يشترط بعضهم أن يكون المتقدمون للوظيفة من الإناث فقط رغم أن المتطلبات الوظيفية مناسبة للجنسين؛ وذلك لأسباب وأهداف مريضة وغير أخلاقية.

– تجنّب تعيين أصحاب المؤهلات العلمية العليا؛ رغبةً في التقنين والتخفيض من الرواتب المقدمة لهم أو بسبب خوفهم غير المبرر من أن يستولي أو ينافسهم أصحاب هذه المؤهلات العليا على مناصبهم أو أن يحلوا محلهم في المستقبل.

– تعيين كوادر في وظائف معينة لا تتمتع بالمؤهلات العلمية المناسبة لها (مهندس اتصالات يعمل مذيعاً أو معدّ برامج، وصيدلانياً يعمل مسؤول خدمة عملاء…).

– تفضيل المهارات الأجنبية أو حاملي الجنسيات الغربية على المهارات العربية؛ بل والوطنية أحياناً، والاستعداد التام لدفع رواتب خيالية أو مبالغ فيها للمتقدمين من جنسيات أوروبية أو غربية والتي لا يفكرون في دفع نصفها لو كان المتقدم للعمل من الكفاءات الوطنية أو العربية، أو يشترطون خبرة عملية لا تقل عن 5 سنوات في وظيفة من المفترض أنها مقدمة للخريجين الجدد!

هذا، فضلاً عن أساليب الإذلال والتعالي والتصرفات اللاأخلاقية التي تسيطر وتتفشى في الكثير من مقابلات العمل.

ومع استمرار مثل هذه السلوكيات التي لا يسعني إلا أن أسميها السلبية والمتأخرة، لا
يدرك أصحاب الشركات ومسؤولو التوظيف أنهم لا يضرون فقط بالباحثين عن عمل؛ بل هم
يتسببون في تأخر وخسارة شركاتهم ومؤسساتهم، كما أنهم يهدرون فرصاً لتطوير أعمالهم
وتحقيق أرباح ونجاحات جديدة. فما الذي يضرهم بجنسية أو جنس أو أصل الباحث عن العمل
إن كان يتمتع بالمؤهلات والمهارات الأنسب للوظيفة؟!

أليس من المفترض أن عالم المال والأعمال يهدف بالدرجة الأولى إلى تحقيق الأرباح والإنجازات والمحافظة على الاستمرارية والديمومة والتطور المستمر بشتى الوسائل؟! فكيف لهم أن يحققوا ذلك وهم بأنفسهم يُهدرون الكفاءات ويغرقون في مستنقع المحسوبية والوساطة والتمييز والتملق والمزاجية والعنصرية أحياناً؟!

في النهاية، فإن مجتمعات العالم الثالث تتشابه إلى حد كبير في التحديات والمشكلات والمعوقات التي تواجهها. كما أن تطوير المجتمع واجب وطني وأخلاقي على كل فرد في المجتمع. فأن تكون في موقع مسؤول يفرض عليك مسؤوليات وواجبات أخلاقية في أن تتخذ القرارات السليمة والصحيحة التي تسهم في تحقيق المصلحة العامة. ففي النهاية، نحن جميعاً نبحر في مركب واحد، وإن لم ندرك أو نستوعب ذلك بعد ونحن في عام 2017.

فالأفضل لنا ألا نتباكى أو نشتكي من تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار".

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد