العبرة بالنتائج وليست بالأرقام.. صراع الكم أم الكيف؟!‎

إن حياة كثير من الناس ليست سوى يوم واحد متكرر، برنامجهم في الحياة ما بين الأكل والشرب والتحدث في الهاتف، يتخللها أحياناً التخطيط لغد أفضل أو لصلة الرحم أو لممارسة العشق الممنوع، وفي هذه الحالة يكون أمسهم كيومهم ويومهم كغَدِهم.

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/08 الساعة 03:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/08 الساعة 03:48 بتوقيت غرينتش

إن حياة كثير من الناس ليست سوى يوم واحد متكرر، برنامجهم في الحياة ما بين الأكل والشرب والتحدث في الهاتف، يتخللها أحياناً التخطيط لغد أفضل أو لصلة الرحم أو لممارسة العشق الممنوع، وفي هذه الحالة يكون أمسهم كيومهم ويومهم كغَدِهم.

هؤلاء لا قيمة للزمن عندهم، فلو عمر الواحد منهم قارب على الأربعين، فكأنه عاش يوماً واحداً، فعمر الإنسان لا يقاس بعدد السنوات التي عاشها في الحياة، وإنما يقاس بما أنجز من أعمال، وما قدَّم من خدمات، وما ترك خلفه من آثار تدل على وجوده، فقد يوفق المفكر في لحظة من يومه إلى فكرة تسعد الناس من بعده أجيالاً، وقد ينجز المرء عملاً جليلاً في بعض سنوات عمره يسعد آلاف البشر، وقد يهتدي القائد في لحظة إلى طريقة تنقذ جنوده من الهزيمة وتدفع بجيشه إلى النصر، فالحياة بالنسبة لهؤلاء وإن قصرت تساوي عمر أمة، فالعبرة ليست بعدد السنوات التي عاشها الإنسان، وإنما بالكيفية التي أمضى بها حياته.

لقد مر الإنسان في بلادنا بمراحل زمنية تم فيها خداعه بالكم على حساب الكيف، فعلق في ذهنه تقدير الكم، ولم يستطِع الفكاك من هذا الوهم، الراسخ في اللاشعور، ألا ترانا أحياناً نرى الرجل حسن الهيئة جميل الطلعة فنمنحه الاحترام والتقدير، حتى لو لم نعرف شخصيته؟ لأن تقويمنا قد بُني على أساس المظهر لأعلى أساس الجوهر، حتى يثبت العكس، وفي الوقت نفسه قد نحتقر رجلاً ذا هيئة وضيعة مع أنه في حقيقية ذو منزله رفيعة عند الله، وفي الحديث الشريف: "ربَّ رجل أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره"، وليس ذلك إلا من خداع الكم.

وهناك أمثلة كثيرة من الحياة تظهر مدى اهتمام الناس بالكم لا بالكيف، فالصحف كثيراً ما تتباهى بكثرة التوزيع، وكثيراً ما تفخر بزيادة صفحاتها أو بعدد أخبارها، مع أن محتوى الصحيفة لا قيمة له، وبعض المتعلمين كثيراً ما يتباهون بشهاداتهم العلمية، في حين أن حصيلتهم العلمية ضحلة، وبعض المؤسسات كثيراً ما تعلن عن تحقيق بعض المنجزات من الناحية الكمية، أما من الناحية النوعية فلا قيمة لتلك المنجزات، وبعض الموظفين أو العاملين قد يمضون في الخدمة عشرات السنين، ولكن خبرتهم الحقيقية سنة واحدة مكررة، وبعض الكتاب يتباهون بكثرة المؤلفات التي ألفوها، في حين أن معظمها تفتقر إلى الإتقان، وبعض الشعراء يتباهون بكثرة الدواوين التي صدرت لهم، مع أن واحداً منها لم يقرأ، ومناهج التعليم تعنى بحشد أذهان التلاميذ بمعلومات جافة ولا تُعنى بنوعية المادة التعليمية، ونظام التعليم يُعنى بكثرة المدارس وأعداد الطلاب، ولا يُعنى بتحسين نوعية مخرجات التعليم.

وهكذا في سائر شؤون الحياة، فالكم يغلب على الكيف، مع أن الكيف هو معيار الجودة والإتقان، حتى في العبادة، فركعتان بخشوع خير من عشر ركعات بلا خشوع، وصدقة جارية خير من صدقة يتبعها أذى، وعلم ينتفع به خير من علم يتباهى به صاحبه، وولد صالح خير من عشرة أولاد لا فائدة منهم.. وهكذا. وصدق رسول الله القائل: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له"، وهي أعمال دائم ثوابها.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد