أن تمشي بقفاك كما يمشي السرطان

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/08 الساعة 03:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/08 الساعة 03:50 بتوقيت غرينتش

ألهى بني تغلب عن كل مكرمة ** قصيدة قالها عمرو بن كلثوم
يروونها أبداً مذ كان أوَّلُهم ** يا للرّجال لشعر غير مسؤوم

أبيات قالها أحد شعراء "بكر بن وائل" يهجو بها بني تغلب، لما عرفوا به من طربهم الشديد لهذه القصيدة، وحفظهم وتكرارهم الكثير لها، حتى كانت سبباً في صرفهم عن المكارم، والقعود بهم عن السعي لنيل المفاخر، وحقيقة الأمر فإن هذا الداء العضال ليس حصراً على التغلبيين وحدهم؛ بل هو صفة لازمة للعرب.

العقل العربي عقل مستبد، وذاكرة العربي ذاكرة مستبدة، يعيش عقل العربي وذاكرته أسير ماضيه، بل ليس ماضيه فحسب، بل ماضيه وماضي أجداده، فالعرب دائماً يسيرون في الطرق التي طرقوها من قبل، فهم عادة يمشون بأقفيتهم كما يمشي السرطان، رافضين التجديد والتغيير، متسمرين في مكانهم كنائم يركبه كابوس.

أليست من الأسباب الرئيسية التي حملت العرب على رفض الدين الجديد، الذي جاءهم على لسان ابن جلدتهم، وأمينهم، والصادق فيهم، كونه مخالفاً لما كان عليه آباؤهم: "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إلى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ" (المائدة: 104).

أبو طالب عم النبي -صلى الله عليه وسلم- وحاميه، ومصدقه، ولم يكن أحد يذود عن حوض النبي كما فعل، وعندما أدركه الموت، وكان النبي بين يديه يرجوه أن يتلفظ بالشهادة، بكلمة تجعل بينه وبين النار ساتراً، فيأبى أن يخلع ثياب الشرك، مخافة أن يخذل دين عبد المطلب، ويخون إيلاف هاشم.

وها كم الأزهر، كان منارة للعلم، وملاذاً للضعفاء، وسراجاً منيراً يقشع ظلام الناس الحالك، نصب له أهل المكر شركاً، وجردوه مما كان له من مكانة في قلوب الناس، وها هم يستخدمونه كحجر مؤقت يستخدم للصعود عليه، ثم لا يلقي له أحد بالاً، ولمَ لا؟ فبعد الوصول عادة ما يستغنى عن الدليل.

أما أهله فمستبدون بمكانته القديمة، ومآثره التليدة، مستبدون بمجد لم يصنعوه، ولم يكونوا شهوداً عليه، يحيطون أنفسهم بسياج من الحجج، لا يرحبون بأي نقد، ويتهمون قائله بذات النغمة الممجوجة، والمزحة التي لا تضحك أحداً، وبكلام معبأ بأدخنة الدجل، وأتربة الخرافة، بأنه يريد أن ينال من مكانة مؤسستهم، والتي أضحت لا يعبأ بها أحد، سواء كان عدواً أو صديقاً!

هؤلاء أصبحوا خارج الزمن، لا يدركون أن الطبيعة لا تقبل الفراغ، والزمن لا يتوقف، وما ينبغي له، ومن لا يشغل نفسه بأمر الناس لا ينشغل به الناس فيصير نسياً منسياً، ويتآكل وهو لا يدري.

متى يعلمون أن مَن يسد المنافذ بينه وبين العالم يفقد السمع والبصر؟ متى يدركون أن رخاوة الخاصرة يجب ألا تعميهم عن رؤية السكين تنغرز فيها؟ متى ومتى؟! ولكنك تشكو إلى غير منصت.

وها هو حزب "الوفد"، حزب من أعرق الأحزاب وأقدمها في الشرق وفي بلاد العرب، كان بيتاً للأمة، والحزب الجماهيري الكبير، تجده عالقاً في شباك تاريخ مضى عليه عصور وأزمان، والآن أصبحوا ديكوراً، وشيئاً لا يضر غيابه، وإذا قيل لهم: أين أنتم؟ انتفخوا انتفاخ الضفادع، قائلين: نحن كنا وكنا.. حسناً كنتم وكنتم، أين أنتم الآن؟!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد