"من كان منكم بلا خطيئة فليرمه بحجر.. الرحمة يا ناس كلنا ممكن نضعف ونخطئ… أنت تبت إلى الله لتقابل ربنا نظيف؟.. الحكم ده بتاع ربنا". بتلك الكلمات، أغضب المستشار مختار مختار شلبي الرأي العام المصري عندما أدلى بها في حديثه بالجلسة الأولى لمحاكمة متهم أطلق الإعلام المصري عليه مغتصب "طفلة البامبرز" أمام الدائرة الحادية عشرة بمحكمة جنايات مدينة المنصورة شرق الدلتا (شمال مصر).
وأثارت كلمات القاضي وطريقة نطقها الاستياء بعد نشر تسجيل مصور لها.
وخلال المحاكمة اعترف المتهم إبراهيم، البالغ من العمر 35 عاماً، بأنه أنهى صلاة الجمعة، ثم خطف الطفلة جنا (20 شهراً) وأدخلها إلى قنّ للدجاج أو ما يعرف لدى المصريين بـ"العشة" ونزع حفاضها واغتصبها.
وقال المتهم إن ما حدث ليس إلا "ساعة شيطان وأنا نادم"، ليرد القاضي عليه بالرد السابق، ما أثار ضجة كبيرة وتخوّفاً من صدور حكم مخفف غير الإعدام في جلسة النطق بالحكم كما تطالب قطاعات من الرأي العام.
وخلال المحاكمة طالب محمد المرسي، محامي المتهم، بالدفع ببطلان إجراءات ضبط المتهم؛ لعدم حضور محامٍ معه، كما دفع ببطلان اعتراف المتهم؛ لكونه تعرض للاعتداء وأصبح غير متزن، وأن ذلك مثبت في محضر النيابة.
والقضية التي أثارت الرأي العام مؤخراً؛ نظراً لطبيعة الجريمة وسنّ الضحية، دفعت الجميع للبحث عن تفسير كلمات القاضي وتاريخ أحكامه.
قاضي إعدامات المغتصبين
وعند البحث في تاريخ قضايا المستشار مختار مختار شلبي، فقد ارتبط اسم الرجل بقضية شهيرة أصدر بها حكماً بالإعدام على 10 متهمين في حكم أثار جدلاً لدى الرأي العام عند صدوره في 2009.
واللافت للنظر أنّ القضية التي كان يحاكَم بها هؤلاء المتهمون هي قضايا اغتصاب أيضاً، حيث بدأت وقائع القضية مع قيام المتهمين العشرة باغتصاب جماعي لفتاة بعد اختطافها عنوة من وسط فرح بمحافظة كفر الشيخ في 2006، وهي القضية التي حكم فيها المستشار مختار بالإعدام للمتهمين العشرة.
وبالفعل، تم تنفيذ الحكم على 4 من المتهمين في 2016 بعد استنفاد جميع درجات التقاضي على الحكم، فيما لم تنتهِ بعدُ درجات التقاضي على المتهمين الـ6 الآخرين، ولم يصدر حكم نهائي بشأن التهم المنسوبة إليهم.
وكذلك، أصدر المستشار مختار شلبي حكماً بالمؤبد على مواطن قبطي أحيل إلى المحاكمة بتهمة اغتصاب فتاة مسلمة، وهي القضية التي أخذت اهتماماً أيضاً لدى الرأي العام؛ لما بها من تفاصيل تتعلق بديانة المتهم، وهو الأمر الذي يشير إلى ارتباط اسم المستشار بالقضايا الجنائية المثيرة للجدل.
القاضي يمهّد لهذا الحكم
من جهته، اعتبر المحامي الحقوقي عزت غنيم، مدير التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، أنه من الطبيعي ألا يفصح القاضي عن نيته، ولكن هناك بعض القضاة يكون لديه بعض التعبيرات التي يقولوها من منطلق ديني، مثل أن يطلب من المتهم أن يتوب ويستغفر عن جرمه.
وأضاف غنيم لـ"عربي بوست" عبر الهاتف أنه من واقع خبرته بالمحاكم في مثل تلك القضايا، فإن القاضي يميل إلى تشديد العقوبة لحدها الأقصى، وهو الإعدام وأنه من الواضح أن القاضي لم يأخذ بدفاع محامي المتهم من أن منفذ الجريمة مختلّ عقلياً، ولم يُحلْه إلى الطب الشرعي لتوقيع الكشف الطبي اللازم في مثل تلك المسألة.
ولفت إلى أن طريقة حديث القاضي وحجز القضية للحكم وعدم إحالته إلى الطب الشرعي، تشير إلى اطمئنان القاضي إلى اعترافات المتهم وصحتها وأنه كقاضٍ كوّن عقيدته الداخلية في الحكم المنتظر الإعلان عنه بالجلسة المقبلة في 2 مايو/أيار المقبل.
نقاش تحت مبدأ "حتى يطمئن قلبه"
الدكتور شوقي السيد، الفقيه القانوني، رأى أن القاضي ليس مكلفاً بالحصول على اعترافات من المتهم؛ فهو شخص محايد، ولكن يناقش المتهم حتى يطمئن قلبه إلى الحكم الذي سيصدره عليه.
وأكمل السيد حديثه لـ"عربي بوست" عبر الهاتف، قائلاً إن "القاضي يسعى للتأكد من أدلة الثبوت والاتهام، وبعد ذلك يحاول أن يطمئن إلى الحكم بعد دراسة القضية بحيادية من خلال كلام المتهمين أحياناً، وهذا نهج عدد كبير من القضاة، خصوصاً في قضية رأي عام كبيرة مثل التي يحكم بها الآن".
ومع هذا، يعتقد السيد أنه "لا أحد يمكنه التخمين باتجاه المحكمة، فالمحكمة نفسها أحياناً تكوّن رأياً وحكماً مبدئياً، ولكن في المداولة والمباحثات قد تغير هذا الحكم نهائياً وتصدر غيره، وهذا شهدناه كثيراً داخل المحاكم، خصوصاً أن حديث القاضي مع المتهم ليس نهاية مرحلة المحاكمة، حيث تليها دراسة القضية من جوانبها كافة بين أعضاء هيئة المحكمة".
قد يؤدي إلى نقض الحكم
في حين قال المستشار محمد نور الدين الفقيه الدستوري، إن ما قام به القاضي والحوار الذي أجراه مع المتهم قد يستغله فريق دفاع المتهم لتفسيره بأن القاضي أفصح عما يدور بداخله من حكم في أثناء المحاكمة أياً كان الحكم الذي سوف يصدره في الجلسة المقبلة، وهو الأمر الذي قد يجعل قبول الطعن على الحكم المنتظر أمراً وارداً بنسبة كبيرة.
نور الدين، شرح وجهة نظره في حديثه مع "عربي بوست" عبر الهاتف، وقال: "كان يجب على القاضي ألا يدخل في نقاش خارج إطار الأسئلة المعتادة في مثل تلك المحاكمات، خصوصاً أن تلك القضية هي قضية رأي عام، والجميع تحدث عن إمكانية صدور حكم الإعدام قبل انعقاد الجلسات، ومع تسجيل حديث القاضي بالفيديو بالتأكيد سوف يكون محل اهتمام وسائل الإعلام الآن، وكذلك عقب صدور الحكم، وجميع تلك الأمور ليست ضرراً بالمتهم فقط، ولكنها ضرر بالضحية أيضاً؛ لكون إطالة أمد التقاضي عبر الطعن تشكل ضرراً نفسياً على الضحية".
ولفت الفقيه الدستوري إلى أن عدم تنفيذ القاضي طلبات الدفاع وعدم الاستجابة لدفعه بأن المتهم مختلّ عقلياً يعدان أحد الدوافع التي تأخذ بها محكمة النقض عند نظر الطعن على الحكم المنتظر صدوره، وهي أمور تشير بقوة إلى أن القضية لن تنتهي في الجلسة المقبلة مع نطق الحكم.