عزيزي القارئ تنويه هام.. هذا المقال ليس به من الاستفادة ما تتوقعه فهو مجرد كلمات عبثية قد تصيبك بالاكتئاب؛ لذا لا تقل أني لم أحذرك، وإذا قبلت التحدي فأرجو منك أن تتمتع ببعض الصبر لتكمل تلك الكلمات العبثية..
لا أدري حقاً لماذا توقفت عن الكتابة وطالما أحببتها، فقد كنت أجد فيها ملاذي وهروبي من هذا العالم البائس غير العادل من وجهة نظري، ولكن فقداني القدرة على الكتابة يؤرقني وبشدة.
أتذكر أنني بدأت أكتب منذ كنت في العاشرة من عمري، فورثت حب الكتابة من أبي، ذاك الذي أورثني كل شيء، فمن يعرفنا جيداً يدرك أنني مصغَّرته فلم أترك صفة ولا طبعاً لم أرثه منه، وكان ذلك كافياً بأن تظن أمي وأخواتي أننا حزب.
فأول ما كتبت، كتبه له رسائل بخط أقل ما يقال عنه إنه سيئ فلم أحظَ بخط حلو يوماً، كعادة العباقرة دوماً، فحرصت على وضع رسائل سرية في قمصانه دون أن يدري ليتفاجأ بها عندما يرتديها في أثناء سفره، فأبي دائم السفر، وأرهقني ذلك كثيراً، فأنا أحبه فهو أب دائماً ما أصفه بالاستثنائي فكل شيء به استثناء.
أتدري يا أبي أنني مررت الفترات السابقة بتجارب وخبرات عديدة جعلت مني شخصاً آخر، فلم أعد تلك الطفلة الحالمة التي تلون أحلامها بالوردي، وهذه الأحداث كانت جديرة بالتوثيق ومهمة لأن أدوّنها كما عوَّدتني.
وعلى الرغم من ذلك لم أتمكن من أن أحمل قلماً وأكتب، وكم أنا سعيدة الآن لأني عدت أدراجي وبتُّ أكتب من جديد، لكن أتعلم يا أبي بتُّ أدرك الآن كم أصبحت تخفيني الكتابة؛ ففيها مواجهة للذات وعصف ذهني ليس له مثيل، مما يصيبني بصداع أنا في غنى عنه، لا أدري كم أصبحت مستسلمة لفكرة ألا أفكر بأي شيء، فقط أدع الأمور تحدث ولا ألقي لها بالاً.
يا إلهي لماذا أصبحت هذا الشخص؟! فقط أريد أن أسترجعني وأن أعود كسابق عهدي فتاة حالمة مليئة بالقوة والنشاط والبراءة.
أخبروني أن الجامعة هي أحلى أيام حياتي، ولكنني لم أستطِع أن أحب الجامعة بكل القدر الذي يتحاكى به الناس، ولكنني أحببت مساحة الحرية التي حصلت عليها منذ دخولي الجامعة وابتدأت بالعمل.
فأمس اكتشفت أنني أصبحت أمتلك حرية كبيرة، أبسطها أن أمي لم يعد يضايقها ارتدائي الملابس الصيفية في فصل الشتاء، وفوجئت بأختي التي لم تتجاوز سنها الـ7 سنوات تصرخ في أمي: ها قد انتهى الشتاء أريد أن أرتدي ملابس الصيف، وتتعجب الصغيرة من أن أمي لم تمنعني من ارتداء ما أرغب، ولكنها لا تدري أنني كنت مكانها يوماً.. ففهمت حينها أنني كبرت.
أتذكر أن اليوم الدراسي بمدرستي كان ينتهي في الثانية ظهراً وفي الثانية والنصف أكون بالبيت، وإذا تأخرت عن الثانية والنصف، تكاد تقوم القيامة في بيتنا، والآن بسبب طبيعة عملي قد أعود في التاسعة مساء، فلم تعد تقوم القيامة لتأخيري.. لقد كبرت.
دعني أعترف لك بشيء آخر يا أبي، أنا شخص شديد الرومانسية، فقد حلمت يوماً بفارس أبيض وحصان وقصة نهايتها سعيدة لم أكن أدري بأنني عندما أكبر سأجد الوضع مختلفاً، لم تنبهني لذلك ولم تذكرها لي في حكايات ما قبل النوم التي أشتاق إليها اليوم أكثر من أي وقت آخر.
سأجد ما يسمى بحب الطرف الواحد الذي يتعذب به طرف آخر فقط لأن الطرف الآخر لا يرى أنه الشخص المناسب، وأني سأجد المحببين في صمت من يخشون الاعتراف بحبهم وتكفيهم ابتسامة المحبوب وهم والله من المعذبين في الأرض، ومن لا يدرك قيمة الحب فأخذ يلهو بتلك ويتلاعب بقلب تلك، وهو أشد الحيارى في الأرض، فأدركت أن الحب -يا عزيزي- ليس بتلك السهولة، فإما طرف يحب والآخر لا يدركه، وإما أن الطرفين يجمعهما الحب وتفرقهما الظروف وكثرة المشكلات.
وأدركت أيضاً أن الحب ليس كل شيء، ولكن التوافق هو الشيء كله، فحب دون وفاق علاقة محكوم عليها بالانتهاء قبل بدايتها.
يا إلهي كم كبرت! يا أبي أدرك معاني كبيرة في الحياة وأنت تظنني ما زلت فتاتك التي لم تتجاوز الخامسة.
أتدري عزيزي القارئ الذي لا أعرفه أن عمري لم يتجاوز العشرين بعد؟ ويتعجب الكثيرون من كوني أشعر بأنني كبرت!
لا أدري ما يحمله لي الزمان وقد حمله لمن قبلي يجعلهم يؤكدون لي أنني لم أرَ شيئاً بعد.. تُرى ما الذي أنا مقبلة عليه؟!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.