مفاهيم ومصطلحات إعلامية مشوهة واستغراق في التاريخ

في بعض القنوات الفضائية العربية، يسجل المشاهد أن حجم التباين في المفاهيم والصور الذهنية بين المتحاورين والأحكام المسبقة للحوار هي الطاغي على المشهد، قد ينتهي النقاش المعنون بعناوين المناظرة أو الرأي والرأي الآخر بين المتحاورين، وفِي كثير من الأحيان، إلى العراك بالأيدي أو الركل بالأرجل أو الشتم، أو استخدام كل أنواع أسلحة الترهيب والوعيد أو تقاذف الأحذية، أو بكوكتيل من كل ما ذكر.

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/05 الساعة 03:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/05 الساعة 03:31 بتوقيت غرينتش

كل من شاهد برامج Cross Fire على قناة السي إن إن الأميركية التلفزيونية، Hard Talk في إذاعة البي بي سي البريطانية العريقة، قد يلاحظ مدى تأصل ثقافة النقاش الذي يدفع به المحاور لأفق أبعد، وفوائد أكثر للمستمع وللبلاد والعباد.

إلا أن المستمع أو المشاهد قد يصطدم بحجم التباين في المفاهيم والصور الذهنية لدى كلا الطرفين من أقطاب الحوار أو النقاش التلفزيوني، ولكن في المحصلة لا يخرج النقاش عن احترام الذوق العام وأدبيات الحوار، وإن اشتد تارة أو أخرى، وقد جنى المستمع معلومة أو رجح رأياً أو محص ادعاء أو كشف زاوية جديدة.

في بعض القنوات الفضائية العربية، يسجل المشاهد أن حجم التباين في المفاهيم والصور الذهنية بين المتحاورين والأحكام المسبقة للحوار هي الطاغي على المشهد، قد ينتهي النقاش المعنون بعناوين المناظرة أو الرأي والرأي الآخر بين المتحاورين، وفِي كثير من الأحيان، إلى العراك بالأيدي أو الركل بالأرجل أو الشتم، أو استخدام كل أنواع أسلحة الترهيب والوعيد أو تقاذف الأحذية، أو بكوكتيل من كل ما ذكر.

كمشاهد ومتابع مهتم برصد الآراء وغور المنتجات السلوكية لتلكم الآراء وذاك الحراك الثقافي، لاحظت كما لاحظ عدد جيد من المتابعين أن المفاهيم والمصطلحات قد شوهت من قِبل بعض أطراف المتحاورين، وذلك لأهداف هم أعلم بها أو هم إحدى ضحاياها !

فمثلاً، مفهوم الحرية كمفهوم صار يقدمها لنا بعض الثقافات، والمسوق لها بعض القنوات على أن الحرية لون من ألوان الفتنة والفوضى وانحلال للأخلاق ودمار للمجتمع، وبالنتيجة أصبح الاحتماء بقيم الخنوع والعبودية والاستسلام هو الخيار الوحيد المتاح كما في مخيلة صاحب هذا الرأي، وحسب طرحه المحدود.

مفهوم الديمقراطية هو الآخر شوّه في عقول الكثير من الناس، بينما تلاحظ أن الديمقراطية التي فهمتها شعوب العالم على أنها الأداة المجربة والأكثر كفاءة لتفعيل مشاركة المجتمع في تدبير أموره وإدارة نفسه.

تسوق الديمقراطية في بعض الثقافات من خلال بعض الإذاعات والفضائيات على أنها مهرجان لتكريس تبعية أناس لأشخاص محددين، وبالتالي فليس من المستغرب أن تتحول الانتخابات في بعض المجتمعات إلى أشكال مشوهة ونماذج خاوية من مشاركة المجتمع في صناعة القرار.

مفهوم الإدارة كمفهوم يرتبط بتنسيق الجهود والتخطيط للمستقبل والاستخدام الأمثل للموارد، صار بحسب التسويق المشوه لثقافات مخربة تُمارس الإدارة على أنها سيطرة وتسلطن وامتيازات خاصة وفرصة للإثراء غير المشروع للبعض والبعض فقط.

أوصل هذا الخلل الكبير في الممارسة والتسويق المشوه وجعل الإدارة في نظر الغالبية من الناس في العالم الثالث على أنها ممارسة منحطة وغير أخلاقية، ولا يسعى لها ولا يحظى بها إلا من هو مرتش أو راشٍ أو أناني أو شيء من هذا وذاك.

هذا في مجال تشويه المفاهيم والمصطلحات الحضارية الحديثة، ومن جهة أخرى يرصد المتابع وجود صراع مفاهيم من نوع آخر، وهو صراع الإسقاط التاريخي لبعض الأحداث أو الرموز، وعلى هذا الأساس وجه البعض جهدهم وطاقتهم لجزء من الجدل البيزنطي الديني ليمطوه علَّهم يسترون بذلك البعض به على البون الشاسع الواقعي عن الركب الإنتاجي والحضاري للأمم الأخرى.
فكانت ولا تزال طاقات وأموال استهلكت او أُهدرت من غير مردود إنتاجي أو خلق نهضة أخلاقية أو إطلاق برامج إنسانية كبرى، ولعل المحزن المبكي في أحد مفاصل هذا الباب هو نسيان ذلك البعض للأجزاء الأخرى من الدين والحب والسماحة والتعاون والمؤاخاة وحسن الجوار والتكافل.

وكانت النتيجة أن صار بين أيدي البعض دين يوازي الدين الأصلي محشو بمواد مختلفة من مواد الكراهية والدعوة للبطش والقتل للآخر، وخلق التبريرات باستنطاق الأحداث التاريخية المتناقضة لأفعال البعض، والتقديس لكل ما هو تاريخي من دون أي تمحيص أو غربلة، وهذا الدين السردي أو القهري المصطنع في أذهان البعض أضحى موازياً للأديان السماوية ممارسة وادعاء.

من اللطيف أنه أُثير نفس الموضوع مع بعض الأكاديميين قبل عدة أيام، وكان جزء من هذا المقال هو رشحة من رشحات بعض هذه المشاركات، لا سيما بعض مثاقفات د. هاشم وأ. حسن لتلاقي بعض الأفكار في هذا المضمار.

هنا وقبل أن أختم المقال وددت أن أطرح أسئلة بريئة للإخوة القراء:

هل يهتم الناس بالفهم الصحيح للمصطلحات أم أن نظام المفاهيم المعلبة للمصطلحات طغى والتسطيح الثقافي غلب؟
هل تعيش بعض المجتمعات أو جزء منها مرحلة احتضار الثقافة القديمة ورواج ثقافة التسطيح الفكري نتيجة للعولمة؟

هل لكثرة برامج صراع الديكة على القنوات الفضائية وبعناوين مختلفة علاقة بمرحلة مخاض الصراع بين التجهيل والتنوير وبين الاختطاف الثقافي والتمحيص العلمي وبين السرديات الإنشائية والنقد الأدبي وبين الترهيب الأيديولوجي ومقاومة الشطب؟!

يقال إن الجرعة الزائدة تُميت، فهل أبناء الشرق الأوسط أخذوا جرعة زائدة من كل شيء، لا سيما الدين والتاريخ ولكنهم عطشى في مجال الحرية الحقيقية والعدل المنصف والكرامة أم أن البعض استهوى جلد الذات حتى الرمق الأخير؟!

يتفاعل ذاك البعض المشرف على بعض القنوات الفضائية المروجة للإقصاء، بأنباء حظر السفر لأميركا، ويطلقون العنان لوصم الآخر بالعنصرية والعرقية والطائفية وينسون أنفسهم، بماذا تعتقد يعلل هذا السلوك من هذا البعض المستحوذ على بعض الفضائيات في الازدواجية للمعايير؟!

إنها مجرد أسئلة، أرجو ممن يجد الأجوبة الشافية المساهمة بنشر أجوبته من خلال كتابة مقال مفيد، أو تبنّي ندوة علمية ذات معالجات هادفة، أو المشاركة في إنشاء نادٍ علمي رصين يحفز العقل ويحترم البناء الفكري السليم أو التواصل مع أصحاب النضج الديني المتزن لوضع طوبة بناء ويخدم القادم من الأجيال ويرفع روح الأمل في الجيل الحالي.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد