أكد مندوب بريطانيا لدى مجلس الأمن عدم وجود أي أدلة على ادعاءات روسيا أن المعارضة مسؤولة عن الهجوم الكيماوي في خان شيخون بمحافظة إدلب (شمال سوريا) الذي أودى بحياة نحو 100 مدني اختناقاً.
جاء ذلك في اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي الأربعاء 5 أبريل/نيسان 2017، وزعت خلاله الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا مسودة قرار بشأن الهجوم بالغازات السامة في إدلب.
وكانت روسيا قد وصفت، قبيل ساعات من الجلسة، المشروع بأنه "غير مقبول".
وحذر المندوب البريطاني في الجلسة من أنه إذا لم تغير روسيا سلوكها فسيظل مجلس الأمن مشلولاً.
من جانبه، اعتبر مندوب فرنسا عدم معاقبة الأسد يعني إفلاته من العقاب مستقبلاً، داعياً لمعاقبة المسؤولين عن الهجوم.
بينما قال مندوب روسيا، إن منظمة حظر الأسلحة الكيماوية قالت إن جبهة النصرة وداعش لديهما أسلحة كيماوية ويمكنهما استخدامها.
وأضاف مندوب فرنسا أنه سبق أن حاول المجلس محاسبة نظام الأسد على خنق شعبه بالأسلحة الكيماوية ومنع الاتحاد الروسي ذلك وتحدى ضمير العالم.
وقال إن هناك حقيقة وهي أن الأسد وروسيا وإيران لا يهتمون بالسلام، ونظام الأسد غير الشرعي قال إنه غير مهتم بعملية سلام ذات معنى، وتساءل: كم سيموت من أطفال في سوريا قبل أن يتم التحرك لوقف ذلك؟!
واعتبر مندوب روسيا أن بلاده لا ترى حاجة لاعتماد مشروع القرار المقدم، وإذا كان أعضاء المجلس يريدون مشروعاً جديداً، فيجب أن يكون بشكل مختلف بحيث يتضمن مطالبةً بتحقيق شامل لمعرفة ما حدث.
وقالت مندوبة الولايات المتحدة إن الآلية المشتركة سبق أن أقرها المجلس وإن الحكومة السورية سبق أن استخدمت الأسلحة الكيماوية 3 مرات.
وأثار الهجوم تنديداً دولياً في وقت تحدثت الأمم المتحدة عن "جريمة حرب".
وبدأ مجلس الأمن الدولي اجتماعاً طارئاً الأربعاء 5 أبريل 2017 يتمحور حول هجوم خان شيخون الذي يعد ثاني أكبر اعتداء ب"مواد كيماوية" تشهده سوريا منذ بدء النزاع الذي دخل عامه السابع.
وقدمت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا مشروع قرار يدين الهجوم ويطالب منظمة حظر الأسلحة الكيماوية بإجراء تحقيق في أسرع وقت ممكن.
ويطلب المشروع من دمشق ان يتسلّم المحققون خطط الطيران وكل المعلومات المتعلقة بالعمليات العسكرية التي كان يقوم بها حينها.
كما يهدد مشروع القرار بفرض عقوبات بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
وقال وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون: "أعتقد أنه لا يمكن لأحد أن يعارض منطقياً قراراً مماثلاً بوعيه الكامل".
إلا أن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، اعتبرت "النص المطروح غير مقبول على الإطلاق"، مضيفة أنه "يستبق نتائج التحقيق ويشير بشكل مباشر إلى المذنبين".
"غازات أعصاب"
وأدانت طهران "بشدة، أي استخدام للسلاح الكيماوي، أياً كان المنفذون أو الضحايا".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيراني بهرام قاسمي إنه بعد "نزع السلاح الكيماوي من الحكومة السورية، فإن تجاهل الحاجة إلى نزع السلاح الكيماوي من الجماعات المسلحة الإرهابية يسيء إلى آلية نزع سلاح سوريا".
وارتفعت حصيلة قتلى "القصف الجوي بالغازات السامة" في خان شيخون، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، إلى 72 مدنياً، بينهم 20 طفلاً، فضلاً عن 160 مصاباً على الأقل.
وتحدثت منظمة الصحة العالمية، الأربعاء، في جنيف، عن "مؤشرات تتناسب مع التعرض لمواد عضوية فوسفورية، وهي فئة من المواد الكيماوية تشمل غازات أعصاب سامة".
بدورها، أكدت منظمة أطباء بلا حدود، الأربعاء، أن أعراض بعض الضحايا "تُظهر التعرض لعنصر سام من نوع غاز السارين" على غرار "حريق في العيون وتشنج في العضلات وقيء".
وأشارت إلى أن فريقها "تمكن أيضاً من الوصول إلى مستشفيات أخرى تولت أمر الضحايا، ولاحظ أن رائحة كلور قوية تتصاعد منهم، ما يوحي بأنهم تعرضوا لهذا العنصر السام".
وأعلنت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة حول حقوق الإنسان في سوريا، الثلاثاء، أنها "تحقق" في الهجوم.
وفي أحد مستشفيات خان شيخون، ارتمى المصابون، وبينهم أطفال، على الأَسرّة وهم يتنفسون بواسطة أجهزة أكسجين.
وذكرت وكالة الأنباء الروسية أن مراسلها شاهد مسعفين يحاولان إنقاذ طفلة من دون جدوى قبل أن يغلق أحدهما عينيها، ليحملها والدها ويقبِّل جبينها ويخرج بها من المستشفى.
وقال أحد أفراد الطاقم الطبي إن أعراض المصابين تضمنت "حدقات دبوسية واختلاجات وخروج اللعاب من الفم وارتفاعا في النبض".
"فظاعات"
وغداة الهجوم، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن "الطيران السوري قصف مستودعاً إرهابياً كبيراً بالقرب من خان شيخون" كان يحتوي على "مشغل لصنع القنابل اليدوية بواسطة مواد سامة".
ونفى الجيش السوري "نفياً قاطعاً، استخدام أي مواد كيماوية أو سامة في بلدة خان شيخون".
إلا أن دولاً عدة، أبرزها فرنسا وبريطانيا، وجهت أصابع الاتهام إلى دمشق.
ووصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأربعاء، الرئيس السوري بشار الأسد بأنه "قاتِل"، محملاً إياه مسؤولية الهجوم.
وغداة اتهامه النظام السوري بـ"مهاجمة المدنيين"، قال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، إن "ما طالبت به فرنسا هو أن يكون هناك مشروع قرار بمجلس الأمن في الساعات المقبلة من أجل إجراء تحقيق. وعقب هذا التحقيق، يجب أن تُتخذ عقوبات بحق النظام السوري".
كما اعتبر رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، "النظام السوري هو المسؤول الرئيسي عن الفظاعات، ومن يدعمونه يتقاسمون المسؤولية".
ووافقت الحكومة السورية في عام 2013 على تفكيك ترسانتها الكيماوية، بعد اتفاق روسي-أميركي في أعقاب تعرض منطقة الغوطة الشرقية، أبرز معاقل المعارضة قرب دمشق، لهجوم بغاز السارين في 21 أغسطس/آب 2013 وتسبب في مقتل المئات.
وتم التوصل إلى الاتفاق بعد تهديد واشنطن بشن ضربات على دمشق.
ووصف البيت الأبيض، الثلاثاء 4 أبريل 2017، "العمل المروع من جانب نظام بشار الأسد" في خان شيخون بـ"المشين".
وقال المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر، إن "من مصلحة" السوريين عدم بقاء الأسد.
وبدا أن واشنطن اتخذت موقفاً أكثر حزماً من الأسد الثلاثاء، بعد أيام من تصريحات أميركية اعتبرت رحيله لم يعد أولوية لواشنطن التي ستركز على مكافحة تنظيم داعش.
إلا أن نائب رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، اعتبر الأربعاء تلك التصريحات "تعطي فسحة للنظام لارتكاب مزيد من الجرائم".
وقال عبد الحكيم بشار، خلال مؤتمر صحفي في أنقرة: "حتى الآن، هذه الإدارة لم تفعل شيئاً؛ بل بقيت متفرجة".
واعتبرت المعارضة السورية الهجوم في خان شيخون الذي اتُّهمت قوات النظام بتنفيذه يضع مفاوضات السلام في "مهب الريح".
وقال القيادي في جيش الإسلام، أبرز الفصائل المعارضة بريف دمشق، محمد علوش، إن "الحل الحقيقي في سوريا، هو وضع بشار الأسد الكيماوي في المحكمة وليس على طاولة المفاوضات".
ووجه رئيس الائتلاف السوري المعارض، أنس العبدة، مذكرة إلى 26 دولة ومنظمة دولية، اعتبر فيها أنه بات لدى النظام السوري "الجرأة لتكرار استخدام هذه الأسلحة؛ بسبب عدم وجود أي تحرك دولي ضده وغياب المحاسبة أيضاً".