في رحلة البحث عن الشهادة الجامعية

صديقي الذي كان برنامج مذاكرته اليومية يصل إلى 8 ساعات، والذي حرم نفسه من اللعب والنوم والسفر، وقراءة الكتب الأخرى، ما زال يدرس دبلومات صغيرة، لكي تناسب مؤهلاته أدنى مواصفات التوظيف، بعد أن حصل على الترتيب الأول على دفعته، من الدفعة التي تخرج منها أربعة طلاب أوائل يعملون سكرتارية مكاتب عادية

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/05 الساعة 04:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/05 الساعة 04:09 بتوقيت غرينتش

صديقي الذي كان برنامج مذاكرته اليومية يصل إلى 8 ساعات، والذي حرم نفسه من اللعب والنوم والسفر، وقراءة الكتب الأخرى، ما زال يدرس دبلومات صغيرة، لكي تناسب مؤهلاته أدنى مواصفات التوظيف، بعد أن حصل على الترتيب الأول على دفعته، من الدفعة التي تخرج منها أربعة طلاب أوائل يعملون سكرتارية مكاتب عادية.

صديقي الآخر أيضاً حصل على الترتيب الأول طوال سنوات الدراسة، وحين تخرج في الجامعة كان مشروع تخرجه لا يحتوي على الجانب التنفيذي للمشروع، ولم يعرف حتى كيف يقوم بذلك، غير أنه قدم وثيقة مكتوبة للمشروع لا غير.

أربع سنوات قضيتها بين الجامعة والسكن، ناهيك عن المبالغ الكبيرة التي أنفقها أخي الأكبر من أجل المعيشة والرسوم الدراسية، في حين أن أخي كان يعاني ألم الاغتراب عن أهله وبلاده، وعناء العمل الشاق، ناهيك أيضاً عن فراقي لأمي وأهلي وحياة العزوبية الطويلة التي عشتها منتظراً لحظة التخرج، وحين تخرجت كنت كالضائع الذي غاصت أقدامه في مكان موحل، لا يستطيع الحراك، لا أعرف ما الذي أُجيد عمله، ولا ما الذي يجب أن أصنعه، من أين أبدأ؟ لا أعلم.
وكأني لم أدرس يوماً!
80% من الجانب النظري في مرحلة الدراسة الجامعية، جلها يتكلم عن مقدمات لكل علم ندرسه، ولكل مادة نأخذها، حتى طريقة تقديم ذلك الكم الهائل من الجانب النظري، كان يقتصر على طريقة السرد والحفظ، ثم الاختبار وإعلان النتيجة، والـ20% الأخرى من الجانب العملي تقتصر على التهيئة الأساسية لبعض البرامج البسيطة، دون الخوض والتطرق لما يخص مجال التخصص، وما تحتاجه سوق العمل.

ثلاث سنوات من التخرج، وما زلت حتى الآن لا أعلم لماذا دخلت الجامعة من الأساس؟ سوى أنني كنت فيما مضى أبحث عن الراتب، الذي لم أجده حتى اليوم.

يؤسفني القول: إن الالتحاق بغالبية الجامعات العربية اليوم يعد من وجهة نظري نوعاً من تأجيل الفشل والضياع، وإهداراً للوقت، وقتل روح الإبداع والتفكير، الالتحاق بالجامعات بمستواها التعليمي الحالي يعد كمن يضع القيد في أرجله، ويغفل عقله عن التفكير.

جامعات اليوم لا تسعى لبناء مخرجات تؤسس أعمالاً خاصة وناجحة، ولا لتأسيس مخرجات ذات بعد علمي متخصص، يسعى نحو الاختراع والابتكار، والتجديد والبحث، يتخرج الطالب في الجامعة ليضاف رقماً جديداً يزيد من نسبة البطالة والتعليم الوهمي، وحين أقول التعليم الوهمي، أقصد بذلك أن يصبح الشخص متعلماً بالشهادة فقط، غير أنه لا يعي ويفهم مما درس شيئاً، ناهيك عن أن ما درسه لا يعد شيئاً ذا نفع، في عالم يتطور في كل ثانية تمر.

ليس ذلك فحسب، بل تطور الأمر ليشمل ذلك الدراسات العليا أيضاً، ففي المدينة التي أقيم فيها، الكثير من طلاب الدراسات العليا يحصلون على الماجستير والدكتوراه، دون بذل جهد يذكر، فقط يعرف الطالب الجامعة حين يسجل بداية العام، وحين يقدم مشروع بحثه الذي اشتراه بمبلغ مالي، والذي في الأساس لا يعرف ما كتب فيه، إلا ما ندر، والنادر لا حكم له في مقدار الكم الهائل من الذين يحصلون على شهادات الدراسات العليا.

لا تُصنع نهضة الأمم بعدد الدارسين، والحاصلين على الشهادات والترقيات، وإنما تقاس بالكيفية والمحتوى، والقدرات والمهارة، ولذلك فإن الكم الكبير من مخرجات الجامعات يعيشون كهوامش جل همها رواتب تغطي أقصى أساسيات العيش.

لو تعود بي الأيام إلى الوراء، وأنَّى لي بذلك طبعاً، لما التحقت بأي جامعة، من وجهة نظري يقتصر الأمر على دبلوم صغير في المجال الذي تطمح إليه، ثم بعد ذلك تعيش ذلك الطموح بشكل عملي، الاشتغال على النفس بدروس عملية، هو من يصنع النجاح ويفتح المدارك ويطرق الأبواب، يجعلك تعيش التجربة بين الفشل مرة والنجاح تارة أخرى، حتى تصبح ما تريد، الخروج إلى حيث يعمل الآخرون، هو من يجعلك تحدد وجهتك في الحياة، وما هو المجال الذي ترى أنك تصلح له.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد