في ذكرى ثانوية مولاي الطيب العلوي “2”

وبالحديث عن حصة الرياضة، فلم أكن من أشد المعجبين بها، لا لسبب إلا عدم اهتمام الأستاذ بتأطيرنا نحن الذكور، كان يلقي لنا كرة يد، أو كرة سلة أو كرة قدم، ثم ينصرف للانشغال بالفتيات، يحضر لهن زرابي "الجمناستيك" المبطنة، ثم يحثهن على الإتيان بمجموعة حركات، تحلو له المشاهدة وهن يقُمن بها.

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/05 الساعة 01:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/05 الساعة 01:55 بتوقيت غرينتش

وبالحديث عن حصة الرياضة، فلم أكن من أشد المعجبين بها، لا لسبب إلا عدم اهتمام الأستاذ بتأطيرنا نحن الذكور، كان يلقي لنا كرة يد، أو كرة سلة أو كرة قدم، ثم ينصرف للانشغال بالفتيات، يحضر لهن زرابي "الجمناستيك" المبطنة، ثم يحثهن على الإتيان بمجموعة حركات، تحلو له المشاهدة وهن يقُمن بها.

كانت المتحفظات من زميلات القسم يرفضن أداء تلك التمارين، ولو انعكس ذلك سلباً على نقطة المادة؛ لأنهن عرفن وقاحة وسوء نية ذلك الأستاذ، فهو يبادر في كثير من المرات إلى إمساك هذه التلميذة أو تلك ليريها كيفية إتقان حركة معينة، ما يسبب إحراجاً لكثير منهن، لكنهن يفضلن الكتمان وعدم إبداء الامتعاض خوفاً على ضياع النقطة التي قد تعوض نقصاً في مادة أخرى.

لم يكن فضاء الرياضة يتوافر على مكان للاستحمام، كل ما كان بوسعنا فعله هو تغيير الملابس ثم التوجه للصنابير من أجل غسل الأطراف، الغالبية كانوا يكتفون بإنعاش أوجههم بالماء البارد قبل ولوج الحصة الموالية، التي تمر عذاباً على الأستاذ والتلاميذ أيضاً؛ لأن عدداً ليس بيسير يلج القاعة بحذاء الرياضة المشبع برائحة العرق الفوَّاحة، فتهم بعض الفتيات بمحاولة جادة لتعطير القسم برش مزيل العرق في الأجواء، بينما يكتفي الأستاذ بفتح النوافذ، فمعاناته تكون أقل؛ نظراً لقبوع مكتبه بعيداً نسبياً عن الطاولات.

كنت أتعجب من التوزيع العشوائي للحصص على "جدول الزمن" كما كنا نسميه، فأنت تطوي صفحة الرياضة مرهقاً تعباً؛ لتجد نفسك تدرس الرياضيات أو الجغرافيا، الأدهى والأمر، أن تنتهي من الحصص الصباحية في منتصف النهار، ثم تعود إلى المنزل وتنتظر حصة مسائية تفتتح في الرابعة بعد الزوال، هذا ما ألفنا الاصطلاح عليه بـ"الساعات المثقوبة".

على العموم، كانت جودة التعليم بالثانوية أفضل من نظيراتها، فقد عرفت بصرامة الهيئة التدريسية، لكن ذلك لا يمنع وجود بعض الأساتذة الكسالى، كأستاذ مادة الإنكليزية الذي يطلب منا إنجاز تمرين بسيط على مدى ساعة من الزمن، بينما يأخذ غفوة يرتاح فيها من إعياء دروس التقويم والدعم التي يلقيها بمعاهد خاصة يشتغل فيها بالموازاة مع عمله الرسمي، حسب ما تناقلته الألسن.

كنت أشعر بالأسى لأستاذ لغة عربية طيب القلب، يمضي وقت الحصة في الخروج من القاعة والدخول إليها، وذلك لتدخين السجائر، كان إدمانه شديداً، فالتهامه السريع للفائف التبغ كأنه في سباق مع الحياة، لطالما أثار عندنا العجب والذهول.

قصص الثانوية الغريبة لا أكاد أستطيع لها حصراً، وتبقى إحدى الوقائع التي أتذكرها جيداً، عندما كنت واقفاً مع رفيقين لي في زقاق حي مجاور ننتظر جرس الدخول المسائي، إذا بشاب مفتول العضلات يمر قبالتنا رفقة فتاة يبدو أنها خليلته، فصاح به أحدنا بعد أن بلغا نهاية الشارع: "طلق الدجاجة لمواليها"، سمعه الشاب فاستدار وأراد القدوم للفتك بمن سبه، فمنعته الفتاة قائلة: "خليهم، هادوك غير براهش"، مضيا في طريقهما، وظننا أننا نجونا من الموقف.

بعد فترة وجيزة، إذا بنفس الشاب يعود من نفس الطريق وحيداً هذه المرة، اتجه صوبنا، لم نفكر في الهرب فنحن عصبة، اقترب من صديقي وتفوه بكلام نابيّ قبل أن يمسك بهما ويضرب بعضهما ببعض كما في برامج المصارعة، استمتعت بثوانٍ قليلة من المشهد السينمائي، قبل أن أتحرك ببطء متنائياً عن الأنظار، وعند وصولي لزاوية الشارع، أطلقت سيقاني للريح.

ترددت في الذهاب إلى حصة المساء، لكني أذعنت في نهاية الأمر، كانت فرائصي ترتعد، وأسفت لما لحق برفيقي من أذى، الطريف أنهما التحقا بالحصة أيضاً، وجدتهما جالسين يتمازحان، وقالا لي بنبرة ساخرة: "كلينا تفرشيخة ديال العصا أخاي أسامة، رآه حلف علينا"، كنا نخشى عودته للانتقام في المساء، لكن الأمور مرت بسلام، وحمدنا الله كثيراً على ذلك.

كلما مررت قرب الثانوية اليوم، رغم ندرة المناسبات التي أفعل فيها ذلك، تجتاحني نوبة من النوستالجيا و"البكاء على الأطلال"، جملة لصقت بذهني من حصص اللغة العربية عندما كنا نقطع بيوت الشعر ونحللها، وكيفما كان الحال، تبقى ثانوية مولاي الطيب العلوي تجربة حياتية معقدة وغريبة، أقدرها بحلوها ومرها، ولعل التلاميذ القدامى سيكونون أدرى من غيرهم بما يعتريني من أحاسيس عند التفكير في تلك الفترة الحساسة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد