تحديات التغير المناخي بالمغرب.. بين السياسات الوطنية وذهن المواطن البسيط!

بالإضافة إلى مشكلة البطالة التي سيخلفها تفاقم التصحر وانخفاض المحاصيل الزراعية، واختفاء بعض الزراعات؛ حيث ستصبح الكثير من العائلات التي كانت تنشط بالقطاع الفلاحي نفسها دون مورد رزق، مما سيشكل عبئاً إضافياً على كاهل الدولة

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/05 الساعة 03:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/05 الساعة 03:57 بتوقيت غرينتش

يعتبر المغرب بشهادة المجتمع الدولي أحد أنجع النماذج الإقليمية في التصدي لمعضلة التغير المناخي التي أصبحت تشكل تهديداً حقيقياً للعالم كله، والعربي منه بصفة خاصة، وترجع هذه الإشادة التي يحظى بها المغرب إلى العديد من السياسات الملكية والحكومية التي باشرها، سواء للتخفيف من آثار هذه الظاهرة أو التكيف معها.

وهنا نريد أن نطرح عدة إشكاليات لتقييم وتحليل ونقد التجربة المغربية في المجال البيئي باعتبارها مثالاً للدول النامية، ولعل أبرزها ماهية التحديات البيئية التي سيواجهها المغرب مستقبلاً، ومدى نجاعة السياسات الوطنية التي تم نهجها للحد من آثار هذه المشكلة، وهل هناك أي مشاريع ملموسة ساهمت أو ستساهم في الوصول للأهداف المسطرة أم أن سياسة التسويف ظلت رهينة القطاع البيئي أيضاً؟ وأخيراً ما هي أفق التنمية وفرص التعاون المطروحة أمام المغرب بهذا المجال؟

المغرب والتحديات البيئية
تجمع كل التقارير الدولية أو الوطنية على أن المنطقة العربية بصفة عامة ستكون في طليعة الدول المهددة بتأثيرات تغير المناخ؛ حيث سيتمثل أهمها في تقلص الموارد المائية، وتفاقم التصحر، وارتفاع مستوى البحر، الشيء الذي سيكون له تداعيات جد خطيرة على الجانب الاقتصادي، والاجتماعي والإنساني.

فبخصوص الشق الاقتصادي فالقطاعات المتضررة من آثار التغير المناخي تعتبر من المجالات الحيوية للاقتصاد المغربي، ولعل أهمها الفلاحة، والصيد البحري والسياحة؛ حيث تشير الدراسات إلى أنه مع ازدياد قسوة الجفاف وتوسعه ستنخفض المحاصيل الزراعية إلى النصف، خصوصاً أن الفلاحة المغربية تعتمد في الجزء الأكبر منها على التساقطات المطرية، أما ارتفاع مستوى البحر فستكون له تداعيات سلبية على الثروة السمكية من جهة، وعلى السياحة الساحلية؛ حيث سيتسبب ارتفاع منسوب المياه في إزاحة العديد من الشواطئ التي كانت بالأمس القريب منتجعات يقصدها السياح، كما سيكون لارتفاع درجة الحرارة تأثير على راحة السياح، الشيء الذي سيفقد الوجهة المغربية الكثير من جاذبيتها.

وللترابط الوثيق بين ما هو اقتصادي تنموي واجتماعي وإنساني، ستخلف آثار التغير المناخي آفات إنسانية واجتماعية سيصعب التعامل معها حتى مع وجود سياسات استباقية جادة، وسيكون أكبر هذه التحديات موضوع الهجرة أو النزوح الجماعي، وما سيترتب على ذلك من مشاكل ذات طابع أمني وإنساني؛ حيث سيشهد المغرب هجرات جماعية من الأماكن التي ستصبح غير قابلة للعيش، سواء بسبب ارتفاع درجات الحرارة بها، أو لندرة الموارد الطبيعية وأهمها الماء.

بالإضافة إلى مشكلة البطالة التي سيخلفها تفاقم التصحر وانخفاض المحاصيل الزراعية، واختفاء بعض الزراعات؛ حيث ستصبح الكثير من العائلات التي كانت تنشط بالقطاع الفلاحي نفسها دون مورد رزق، مما سيشكل عبئاً إضافياً على كاهل الدولة.

وتبقى هذه التحديات المذكورة جزءاً بسيطاً مما قد تخلفه هذه المشكلة من تغيير في بنية المغرب الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية.

السياسات الحكومية والمبادرات الملكية

أصبحت السياسات البيئية تأخذ مجالاً جد مهم في مختلف المبادرات الحكومية؛ حيث تصنف كأولوية وجب أخذها بعين الاعتبار خلال مناقشة أي استثمار أو مشروع، سواء تعلق الأمر بالقطاع الصناعي، أو الفلاحي أو حتى السياحي، وتتركز السياسة البيئية بالمغرب على أربعة محاور، كما جاءت التوجيهات الملكية خلال مؤتمر دول أطراف المتوسط حول المناخ بمدينة طنجة، أولها تحقيق المساهمات الوطنية؛ حيث سيتم تشجيع المساهمات الوطنية الطوعية وتحويلها لسياسات عمومية، ثم ثانياً تعبئة التمويلات لصالح البلدان النامية، واقتراح آليات تمويل خاصة بالمناخ، وثالثاً بذل مجهود أكبر للتكيف مع التغيرات المناخية، من خلال الرفع من مستوى الموارد المخصصة وحصر الاحتياجات، وفي الأخير تطوير التكنولوجيا الذي يتمحور حول: نشر التكنولوجيا الناجعة، وبروز تكنولوجيات مميزة ودعم البحث والتطوير.

ويعتبر المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية، إلى جانب الوزارة المنتدبة لدى وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة، المكلفة بالبيئة، أهم المؤسسات الساهرة على تفعيل مختلف المبادرات الملكية والحكومية إلى جانب التخطيط الاستراتيجي لمستقبل المغرب في ظل إكراهات التغير المناخي، ولعل أهم ما جاءت به هذه المؤسسات المذكورة برنامج الدراسات: "التغير المناخي: تأثيره على المغرب وخيارات التكيف الشاملة" الذي أتى على 3 مراحل، تناولت المرحلة الأولى (2008 – 2011) منه الجانب المعرفي، وتوجت بعقد مؤتمر دولي حول التغير المناخي كان هدفه رسم خارطة طريق وطنية تهدف إلى إعداد المغرب لمواجهة تحديات التغير المناخي.
أما المرحلة الثانية (2012 – 2014) فقد عالجت المنظور من المقاربة الأمنية؛ حيث تم تدارس موضوع نقاط الضعف المرتبطة بالمناخ واستراتيجيات التطور، إلى جانب الأمن الغذائي، والصحي والاقتصادي، كما تم التطرق لموضوع الهجرة البيئية أيضاً.

وفي المرحلة الأخيرة (2014 – 2015) فقد جاءت تكميلية توجت بإنجاز دراسة حول: "أي دبلوماسية مناخية للمغرب؟"، وقد خلصت بتوصيات لاستباق وتدبير مخاطر الظواهر المناخية القصوى والكوارث.

الإنجازات والمشاريع المرتقبة

فيما يخص الإنجازات المغربية وفيما يخص الحد من آثار التغير المناخي، فقد اتخذت الحكومة المغربية عدة إجراءات وتدابير عملية ممكن أن نقسمها لثلاثة أقسام:

أولاً: تدابير التخفيف من انبعاثات الغازات الدفينة، وذلك راجع لكونها السبب الأول في تغيرات المناخ بنسبة تفوق 90%، وتمحورت جل هذه الإجراءات حول استراتيجية الطاقة (2008)؛ حيث تتوقع المملكة أن تصل نسبة التخفيف من حدة انبعاثات الغازات الدفينة لـ52.9 مليون طن مكافئ من ثاني أكسيد الكربون بالسنة في أفق 2030، وشملت هذه الاستراتيجية قطاع الطاقة، والنقل، والصناعة، والنفايات، والزراعة، والغابات والبناء، وتعتبر محطة نور للطاقة الشمسية بورززات أهم الإنجازات الوطنية بهذا المجال، التي ما زالت تحتفظ برقم أكبر محطة بالعالم، ومن المفترض أن تزود قرابة 1.1 مليون مغربي بالكهرباء.

ثانياً: تدابير التكيف، التي تهم مجالات الأرصاد الجوية، والماء، والفلاحة، ومحاربة التصحر، والصيد البحري، والسواحل، وإعداد التراب الوطني، والصحة والسياحة، وتعد أهم مشاريع الاقتصاد في الماء بالمجال الصناعي والفلاحي المدرجة ضمن هذا الإطار أهم الإجراءات المتخذة في هذا الإطار، بالإضافة إلى خطة المغرب السياحية التي ركّزت الساحة الخضراء ضمن مجال اهتماماتها، وذلك بترشيد استهلاك المياه، خصوصاً بالمنتجعات السياحية وملاعب الغولف.

ثالثاً: التدابير المشتركة: ومنها المبادرة الوطنية للتنمية الشاملة التي تهدف لتشجيع مشاريع التخفيف لاقتصاد الطاقة، بالإضافة إلى مشاريع التكيف الفردية الرامية لإعادة تجميع مياه المطر.

أفق التنمية والتعاون

تعد اتفاقيات التعاون المشترك بين المغرب والاتحاد الأوروبي نموذجاً رائداً للالتزام المتبادل في مجال الحد من آثار التغيرات المناخية؛ حيث تم تمويل العديد من المشاريع التي تهم هذا المجال، منها برنامج لتقليل استهلاك الكهرباء بمدينة شفشاون وتعويضها بطاقات بديلة؛ حيث مول الاتحاد الأوروبي حوالي 80% من قيمة المشروع الإجمالية، كما شمل التعاون أيضاً محطة نور للطاقة الشمسية التي قدم من خلالها الاتحاد الأوروبي 106.5 مليون يورو كتسهيلات تمويلية وشراكات متعددة.

كما لم تهمل الاتفاقيات الاستثمار في الرأس المال البشري باعتباره المحرك الأساسي لكل السياسات العامة، وذلك بإنشاء مراكز تكوين خاصة بمهن الطاقات المتجددة والطاقية موّلته الوكالة الفرنسية للتنمية بما قيمته 26 مليون يورو، بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك اتفاقيات تهم الجانب الغابوي، والفلاحي، والمائي.

في الأخير وبالرغم من كون المغرب يسلك خطوات ثابتة نحو اعتماد سياسة استباقية للحد من آثار التغيرات المناخية، يمكن اعتبارها رائدة إقليمياً ومضرب المثل في العديد من الدول النامية، إلا أن السياسة الحكومية المغربية ما زال ينقصها بعد الفاعلية، أولاً في تقريب المواطن البسيط بالمشاكل المحيطة به، التي تهدده في المستقبل، وذلك من أجل حشد دعم شعبي لهذه السياسات، التي لا تلقى في غالب الأحوال القبول داخل المجتمع، ولعل أبرز مثال المعارضة الكبيرة التي لحقت بقرار السلطات المغربية بمنع استهلاك الأكياس البلاستيكية.

فمن وجهة نظري أرى أنه من الواجب سلك سياسة تشاركية مع المواطنين؛ لتشجيع انخراطهم في هذا العمل البيئي، فمن دون تعهد كل فرد من المجتمع بسلك نفس الطريق الذي رسمته الدولة في هذا المجال ستذهب جهود تلك المشاريع في خبر كان.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد