بين المشرمل والكيليميني ضاع الكثير من الشباب المغربي

بات مستقبل أغلب الشباب المغربي يذهب في اتجاهين كاد لا يكون له غنى عنهما، إما "مشَرْمَل أو كِيلِيمِينِي"، وهما مصطلحان غزوا الشارع المغربي البيضاوي خاصة (نسبة إلى الدار البيضاء)، وتكاد لا ترى في الأماكن العامة غير هذين النموذجين من الشباب

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/05 الساعة 03:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/05 الساعة 03:11 بتوقيت غرينتش

بات مستقبل أغلب الشباب المغربي يذهب في اتجاهين كاد لا يكون له غنى عنهما، إما "مشَرْمَل أو كِيلِيمِينِي"، وهما مصطلحان غزوا الشارع المغربي البيضاوي خاصة (نسبة إلى الدار البيضاء)، وتكاد لا ترى في الأماكن العامة غير هذين النموذجين من الشباب، وكلاهما يعتبر من نظرة موضوعية منسوبة إلى المغرب وتقاليده اتجاهين متطرفين كل التطرف.

المشرمل نسبة إلى الشرمولة التي تُعدُّ طريقة مغربية لتحضير اللحوم بغمرها في التوابل، هو ذلك الشاب الذي نشأ في حي مولاي رشيد، واحد من الأحياء الفقيرة في الدار البيضاء، درس في التعليم العام، وغالباً لم يتسنّ له إتمام دراسته لمشاكل عائلية سببها العَوَز والحاجة، فخرج يتشرمل أو بمعنى آخر يسرق وينهب في الطبقة المتوسطة والكادحة من الشعب، طبعاً لأن الطبقة الأخرى تعيش في فيلات مؤمَّنة.

الكيليميني وهي كلمة مشتقة من الفرنسية من جملة "qu'il est mignon" التي تعني "كم هو جميل ومهذب"، وتشمل كل أولئك الذين أُتيحت لهم فرصة الولادة في حي ثري كحي كاليفورنيا أو فلوريدا، وتمكنوا من الحصول على تعليم خاص من المهد إلى سنوات التعليم العالي؛ ليكلف ذلك آباءهم ثروة، ويمكنهم من الحديث بالفرنسية طوال الوقت دون عناء.

المشرمل هو ضحية المجتمع والمخزن، هو ضحية الطبقية الممنهجة، ضحية الدولة التي حكمت عليه بالعيش داخل صندوق الفقر والحرمان، ضحية النظرة الدونية فقط لأنه وُلد في حي فقير، ضحية التعليم المُتذيل قائمة الدول، ضحية المسؤول الذي ينعمُ في ثروات البلاد بلا حسيب ولا رقيب، ضحية "الحُكْرَة" لفظة أخرى مغربية مفادها جميع أنواع اللامساواة المدنية وانعدام العدالة الاجتماعية وانتفاء شروط الكرامة والمواطنة.

أمرٌ طبيعي مقبول أن يكون كل الشعب فقيراً، فذلك ما يصنع ربما إنساناً تشاركياً واعياً بمشاكل مجتمعه، مستعداً للتعايش مع مَن حوله، العيب كل العيب والتحريض كل التحريض هو أن ينعم سدس الشعب أو أقل بحياة رغيدة ويقبع الباقي تحت خط الفقر، فهذا ما من شأنه إنتاج طبقة مجتمعية حاقدة ساخطة على الأوضاع، لم تعد تؤمن بالدولة كمجتمع تضامني تشاركي، فأعلنت الحرب على كل مكونات المجتمع.

رغم هذا كله لا يمكن أن نبرر فعل المشرمل، الذي بات يهدد أمن المواطن، ويكاد لا يخلو كل بيضاوي من قصة سرقة أو إجرام وقعت له وهو ذاهب أو عائد من عمله، أو حتى وهو جالس في مقهى الحي، وإن كانت الدولة لا تتخذ كحلّ إلا السجون فالكثير من المشرملين قد اعتاد السجن، وجلهم يخرج منه أكثر صلابة وأكثر حنكة، وبالطبع أكثر حقداً على المجتمع.

على الضفة الأخرى، وجه الشاب المثالي من وجهة نظر المسؤول، الكيليميني ضحيةُ أبويه ونفسه، ضحية الحياة الرغيدة، ضحية كل شيءٍ متوافر وجاهز ولو على حساب والديه، ضحية الفرنكوفونية، ضحية التعليم الخاص ونفخ النقاط، ضحية المحسوبية والزبونية فهو أبداً لا يعول على نفسه، لا حرمه الله من والديه، ضحية النظرة الرهبانية للغرب دون نقد ولا تمييز للمعايير، باختصار هو شاب بنمط عيش أوروبي أميركي على أرض إفريقية.

لا تندهش إذا ما صادفت في المغرب شاباً يتحدث الفرنسية بطلاقة ولا يستطيع قراءة كلمة واحدة بالعربية أو الأمازيغية، ولا تندهش إذا ما أخبرك هذا الشاب أنه لم يسافر يوماً إلى فرنسا بل وربما لم يخرج يوماً من المغرب، ولا تندهش إذا ما قمت بجولة في "المعاريف" وسط الدار البيضاء أو كورنيش الدار البيضاء فجلست في مقهى أو مطعم فاخر ولم تسمع إلا الفرنسية، وقد عِشتُ في الدار البيضاء تسع سنوات وارتدت مطعماً لسنوات وسنوات وكنت أظنه فرنسياً مائة بالمائة فصدمني صديقي عندما حدثتُهُ عنه وقال إن صاحب المطعم وكل من فيه مغاربة حتى النخاع!

ونحن الذين كنا منذ إسلامنا أمة وسطاً، أصبحنا اليوم نُغدي التطرف بكل أشكاله، فالشاشة الوطنية لا ترى التطرف إلا في أصحاب اللحى والعباءة، تغضُّ الطرف عن المتطرفين المشرملين، وتُغدي تطرف الكيليمينيين بتقديم جل برامجها بالفرنسية، تُهمش فئة كبيرة من الشعب لا غنى لها عن شاشتها الوطنية، فتربي الفقير على حقد مجتمعه ووطنه الذي يعتبر فيه نكرة، ثم تُربي الغني على الانسلاخ من هويته والتنكر لمجتمعه والتطلع إلى كل ما هو غربي لتمجيده.

ولا حل ها هنا يقترح؛ لأن الوضع الراهن محمود من وجهة نظر المُسيِّر، وإن كُنتَ من وجهة نظر الشعب تَعتبرُ هذه الظاهرة وتلك مشكلة، فهي بالنسبة إليهم ربما حل، فلا يسعني إلا أن أنصح كل من تعرض له أحد المشرملين بتقديم شكوى، ربما لن ينفع ذلك في استرداد الحق، ولكن على الأقل يزيد إحصائيات الجريمة ويُبْقِي الملف مفتوحاً لدى الشرطة، أما الكيليميني وعشيرته فلا يسعني إلا الدعاء لهم بالشفاء.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد