أمريكا تدرب أردنيين “متعطشين للدم” على تسلق الجبال لتعلم السيطرة على النفس

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/05 الساعة 07:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/05 الساعة 07:02 بتوقيت غرينتش

وقف أحمد البالغ من العمر 19 عاماً على حافة أحد شلالات المياه وعيناه مغمضتان وقبضة يديه مطبقتان أثناء العد إلى 10. وكان يضع عدته وعتاده بينما يشرف على الحافة، ولكنه يحتاج إلى أن يتنفس بعمق أولاً.

هكذا تعلم أن يسترخي تماماً خلال دورة تدريب الشباب التي أقيمت في اليوم السابق بمدينة السلط الواقعة غربي الأردن على مسافة 90 دقيقة بالسيارة، حيث يقع مسقط رأسه، حسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية.

كان هناك 15 شاباً بالبرنامج الذي تديره مؤسسة ميرسي كوربس الدولية غير الهادفة للربح ومقرها في ولاية أوريجون الأميركية. وتوفر الدورة التدريبية التي استغرقت 12 أسبوعاً مهارات التدريب على القيادة وتوفير فرص العمل وتدريبات تسلق الصخور، ودروس السيطرة على المشاعر والتحكم بها، ضمن أمور أخرى.

لا أهدأ إلا برؤية الدم


وقد اشترك أحمد بالدورة التدريبية مع صديقه عمر، البالغ من العمر 19 عاماً، الذي التقى به خلال إحدى المشاجرات. وقال أحمد: "كان يضرب شخصاً ما بسبب لعبة ورق ووقفت في صفه". وقال إن الشجار لم يكن أمراً يثير قلقه. وما كان يخيفه بالفعل هو كيفية فقدانه للسيطرة على أعصابه والإصابة بجروح.

وأخبر منذر التيتي أحد قادة البرنامج التدريبي "لا أهدأ مطلقاً إلا بعد أن أرى دماً".

وأراه التيتي ندبة على ذراعه. وقال: "كنت أتعرض للإصابة بجروح حينما كنت صغيراً أيضاً". وساعدته الطبيعة التي يعيش بها على التوقف عن ذلك وكان يريد من أحمد أن يتوصل إلى نفس الهدوء الداخلي.

وقال التيتي "سألته، بم تشعر حينما تتسلق الجبل أو تسافر؟ إنك لا تفكر في أي شيء، أليس كذلك؟ حينما تشعر بالغضب مرة أخرى، اذهب إلى الخارج وأغلق عينيك وتنفس وعد حتى 10، ومن الرائع أن يفعل ذلك".

تعد مواجهة العنف والتطرف أمراً هاماً للغاية في الأردن، التي تعد بمثابة جزيرة صغيرة مستقرة تستضيف 2.7 مليون لاجئ من البلدان المجاورة، التي تعاني من النزاعات وتتعرض لمخاطر الإرهاب الداخلي. وقد وقعت العديد من الاعتداءات على الأراضي الأردنية، ومن بينها إطلاق النار في مدينة كراك الجنوبية خلال ديسمبر/كانون الأول 2016، والعديد من التفجيرات على حدودها مع سوريا.

آلاف الشباب


ويرى الخبراء أن عدة آلاف من الشباب الأردني قد انضموا إلى الجماعات المتطرفة في سوريا أو العراق. وتناضل الحكومة الأردنية ومنظمات المجتمع المدني من أجل منع ذلك التطرف باستخدام أساليب تتضمن الاحتجاز الإداري والتدريب العملي وحلقات العمل مع الأئمة المحليين. ومع ذلك، يرى هؤلاء الذين يعملون مع الشباب المعرض للمخاطر أن أكثر البرامج فعاليةً لا تشير أو تلمح إلى الدين أو التطرف على الإطلاق.

وتقل أعمار أكثر من 70% من تعداد سكان الأردن عن 30 عاماً. ويبلغ معدل البطالة 14.7%، بينما يصل ذلك المعدل إلى 30.6% في الفئة العمرية من 20-24 عاماً. وهناك العديد من الأردنيين من ذوي الأصول الفلسطينية، حيث يعيش أقاربهم في ظل الاحتلال أو في مخيمات اللاجئين أو تنتابهم ذكريات ترحيلهم من مسقط رأس أجدادهم.

وقد شهدت الأردن على مر تاريخها العديد من الحروب الإقليمية والغزو الأجنبي وما يصاحب ذلك من موجات هجرة اللاجئين، بالإضافة إلى إخفاق الربيع العربي. وتتمثل النتيجة في الشعور الغامر بأنهم ضحايا، بحسب ما ذكره حسن أبو هنية، الذي تنشر مؤسسة فريدريتش إيبرت الألمانية تحليلاته حول الجماعات المتطرفة.

وبحسب مزاعم أبو هنية فإن "معظم العرب يريدون أن تتولى دولة إسلامية زمام الأمور. ويحلمون بمدينة فاضلة ملؤها الكرامة والعدالة والإنصاف".

وقال إن فكرة "الخلافة" تتعارض مع واقع الفساد والدكتاتورية والغزو الأجنبي. ولذلك تبدو الجماعات التي تقدم وعوداً بمقاومة الوضع الراهن "جماعات مشروعة". وأضاف: "لا تحتاج تنظيمات طالبان وأنصار الشريعة وتنظيم الدولة الإسلامية وغيرها من الحركات أن تثبت أنها تطبق وسائل جيدة للحكم".

استبعاد الشباب


واتفقت معه في الرأي مي عليمات، المؤسس المشارك لمركز الحياة، وهو منظمة أردنية غير حكومية شاركت في نشر تقرير في العام الماضي حول العنف والتطرف في الأردن. وقالت: "يتم استبعاد الشباب وتجاهلهم وإهمالهم. فهم لا يشاركون في صنع القرار. فقد حضرت العديد من المؤتمرات حول تمكين الشباب حيث لم يكن هناك شباب متواجد بقاعة المؤتمر".

وأشارت عليمات إلى أنه بعد أن أحرق تنظيم داعش طياراً أردنياً عام 2015، ظل بعض الشباب هنا يؤيد قضية التنظيم في سوريا. وقد لقي اثنان من أبناء النواب الأردنيين مصرعهم خلال القتال في صفوف الجماعات المتطرفة هناك.

ويتم اعتقال المقاتلين الأردنيين العائدين من سوريا على الفور واحتجازهم لمدة تصل إلى 15 عاماً، بحسب ما أورده المحامي عبد القادر الخطيب الذي يعمل مع العائدين والمشتبه بمشاركتهم في العمليات الإرهابية.

ومنذ الاعتداء على مدينة كراك، أصبحت الأجهزة الاستخباراتية والأمنية تستهدف أي شخص متهم بالتواصل مع الجماعات المتطرفة. وذكر الخطيب أنه تم القبض على نحو 600 شخص، تقل أعمار معظمهم عن 30 عاماً، ومن بينهم من أشار إلى أن تهمته لم تتجاوز نشر الدعم للثورة السورية على موقع فيسبوك.

وقال: "ليس هناك محكمة أو محاكمة أو إجراءات قضائية. فليس لدينا قانون. إنه مجرد رد فعل"، حسب قوله.

وذكر شريف العمري، مدير البرامج الحكومية المعنية بالحد من العنف والتطرف، أن عمليات الاعتقال كانت ضرورية لضمان تحقيق الأمن الوطني. وقال: "القانون لا يميز بين الغبي أو غيره وبين السلوك المتعمد أو غيره". ولكنه أقر أنه يتعين على الدولة مواجهة المشكلات الرئيسية التي تواجه الشباب الأردني، التي تتمثل في البطالة ونظام التعليم الذي لا يجهز الخريجين لسوق العمل.

وقال: "إذا وجد الشاب أموالاً في حافظته وراتباً وعملاً دائماً، سوف يشرع في التفكير في الزواج وبناء منزل".

ويتفق الممارسون للعمل على أن أسوأ سبل مكافحة العنف والتطرف تتمثل في وصف الشباب ضعاف النفوس، باعتبارهم إرهابيين محتملين.

وذكر هانتر كيث المدير القطري لمؤسسة ميرسي كوربس "الكلام المنمق الذي يتحدث به تنظيم داعش مع الشباب العرب والمسلمين، بأنهم لا يستمعون إليه من أي جهة أخرى: أنتم تنتمون إلينا، وتمثلون أكبر قوة لدينا".

الحديث عن التطرف يعني الأزمة


وقال هانتر إن الحديث العالمي المناهض "للإرهاب الإسلامي المتطرف" يؤدي إلى تعميق إحساس الشباب بكونهم ضحايا. ومن ثم، يتجنَّب برنامج ميرسي كوربس التحدث عن التطرف أو الدين، ولكنه يركز على التخفيف من حدة التوتر والإجهاد والتوعية الذاتية والمجتمعية.

وقالت جين ماكفيل، مدير برامج الشباب بالمجموعة، إن الشعور بالتضحية والإجهاد المتعمق لهما تأثير عصبي كبير.

وقالت: "تصبح منفصلاً عن المجتمع وأكثر اندفاعاً، وترشد أفعالك وفقاً لقيمك من أجل الوفاء بحاجتك إلى الانتماء. ونعمل على إعادة ارتباط قلوب وعقول الشباب بالوطن".

وقال عبد الله حجازي، أحد قادة مشروع الشباب، إنه كان يعاني من نفس الأمور التي يعاني منها المشاركون حينما كان أصغر سناً.

وأضاف: "يخشى الناس هؤلاء الشباب المتواجدين بالشوارع". ثم استدرك قائلاً إن ذلك لا يعني أنهم إرهابيون محتملون.

وقال حجازي: "إنهم ضلوا طريقهم على غرار أي شاب أردني. ويحتاجون إلى مكان يشعرون به بالأمان".

­- هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Washington Post الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

تحميل المزيد