الغائب وإن عاد

وفى عشق الأبناء أقول: المشاعر متأججة لا تنتظر مرضاً أو سفراً أو سناً، والقلب يسع الجميع صغيرهم ومريضهم وغائبهم، ولكن لكل أم ولدها المفضل، إنه الولد نفسه دائماً، ذلك الذي يحتاج إليكِ يوماً ما ولسبب ما، إنه ذاك الذي يريد حين يطلبك أن يجدك.

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/03 الساعة 04:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/03 الساعة 04:16 بتوقيت غرينتش

سئلت الأعرابية قديماً مَن أحب أبنائك إليك؟ فقالت: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يشفى، والغائب حتى يعود.

لأول مرة يستوقفني هذا القول وبشدة، اليوم واليوم فقط استشعرته بكل كياني، غاب ابني الصغير عني أياماً لا تتعدى أصابع اليد.. ياه.. ما هذا الشوق الجارف، كأن قطعة من قلبي انتزعت!

أستيقظ صباحاً فلا أجده، لا أسمع كلمة حبي، قبلاته.. أحضانه.. كلماته.. رائحته.. تلك الطاقة التي تشحنني لأكمل يومي، وذاك النور الذي يضيئه.
أجدني لا أعي ما حولي، أعد الأيام فقط كي تمر، كمن يطوي صفحات كتاب ولا يعي ما فيه.
ياه.. ألهذا الحد؟ أين كانت هذه المشاعر؟ هل أوجدها الغياب؟ أم أججها؟
وفى عشق الأبناء أقول: المشاعر متأججة لا تنتظر مرضاً أو سفراً أو سناً، والقلب يسع الجميع صغيرهم ومريضهم وغائبهم، ولكن لكل أم ولدها المفضل، إنه الولد نفسه دائماً، ذلك الذي يحتاج إليكِ يوماً ما ولسبب ما، إنه ذاك الذي يريد حين يطلبك أن يجدك.

حب الأبناء
أحب أبنائي برغم كل شيء، أحبهم وإن رأى الجميع أن ما فيهم لا يحب، أحبهم بغرابة طباعهم، أحبهم بقلة نضجهم، وضعف ثقتهم بأنفسهم، أحب براءتهم، أغرم بعفويتهم، أحبهم ليمنحوني دفئاً يسندني لمواجهة الحياة.

أحب أبنائي.. أحب صغاري فأقدم لهم كل مساء دعائي إلى الله العلي القدير، يصعد إلى السماء، ويعود برحمة ربي نوراً يضيء لهم الطريق، ودفئاً يصلب العود.

أحب أبنائي.. فأساعد الآخرين، وأحنو عليهم؛ ليصل ذلك إليهم فيجدون من يحنو عليهم، ويهتم لأمورهم.

أحب أبنائي.. أحبهم مع شعوري بأنهم قد لا يدركون عمق هذا الحب، ولا يستطيعون صياغته، ولكني أنتظر من الله أن يدركوا ذلك يوماً ما، كما أدركت أنا وبشدة حب والديّ لي وتضحياتهما من أجلي.

يا أيتها الأمهات.. يا أيتها العاشقات المتيمات، إن محبة الأبناء فطرة فطر الله الوالدين عليها، وهذه المحبة هي مصدر الأمن والاستواء النفسي للأبناء، وهي القاعدة الصلبة لبناء شخصية الأبناء على الاستقامة والصلاح، والتفاعل الإيجابي داخل المجتمع.

محبة الأبناء يجب ألا تظل حبيسة داخل صدور الآباء والأمهات؛ لأنها بذلك تضعف جسور الارتباط بين الوالدين والأبناء.

ربّوا أبناءكم بالحب، إن الحب حاجة نفسية تحتاج باستمرار للإشباع، وللحب أبجديات ثمانية:
كلمة الحب.. إن ما نقوله لأبنائنا هو ما يرسم لهم صورتهم الذاتية عن أنفسهم، فارسموا لهم ما شئتم.

نظرة الحب.. إن نظرة حب مع ابتسامة للأبناء لهي أداة عجيبة، مبهرة النتائج.

لقمة الحب.. إن تناول الطعام مع الأبناء، والحرص على مناولتهم الطعام، مع ابتسامة حانية، له مفعول ساحر لإنبات الحب.

لمسة الحب.. ضمة الحب.. يحتاجها الأبناء كالطعام والشراب، مهما تناولته تحتاج المزيد، ويعطيهم ذلك من الدفء والود الكثير.

قبلة الحب.. وما أدراك ما قبلة الحب، فهي التي تفرش قلب الأبناء حباً للوالدين، وإن الوالدين أكثر احتياجاً لها.

دِثار الحب.. إن الجلوس بجانب الأبناء حتى يناموا والحديث معهم وتقبيلهم، لهو شحن للوالدين على الحياة قبل الأبناء.
إننا إذا بذرنا بذور الحب بذلك، فلا شك ستنمو نبتة الحب داخل قلوب أحبائنا.

أيتها الأمهات.. أيها الآباء، بِروا أبناءكم بالحب في صِغرِهم، يبِروكم بالحب في كِبركم، اسعدوا بهم، وصادقوهم، فبعد الطفولة المزعجة، والمراهقة العسيرة، والشباب الطائش، انتظروا ميلاد أمر رشد وخير، بفضل من الله ثم دعائكم وبذرتكم الطيبة.

إن حب الأبناء نبع متدفق لا يجف، وقوة مندفعة تزداد مع الأيام، وفضاء واسع يتسع لكل طفل مهما كبر.. وإن عاد.. وإن عاد.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد