جار المأذون “3”

حتى في مرضه الذي مات فيه، استأذن زوجاته في أن يمرض ببيت عائشة، فأذنّ له، وضَع خطاً ظاهراً تحت "استأذن زوجاته" التي نمر عليها مرور الكرام، وليس منا مَن يفعل فعل الحبيب النبي.

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/03 الساعة 04:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/03 الساعة 04:19 بتوقيت غرينتش

الحاج مسعد، ميسور الحال، ذو السيارة الفارهة والبيت الكبير على الشارع الرئيسي، له تجارة رائجة، لم يحفظ من القرآن إلا آية واحدة يرددها: "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع" يهدد بها زوجتَيه، ويراود بها مَن يشتهي مِن رواد محله الأنيق، ويقرأها إذا ما تقدَّم للصلاة بموظفي محله أوقات العمل.

يدرك مولانا أن الأستاذ مسعد لا يعاني فحولة، لا سمح الله، ولكن القرش مقوّي قلبه، على حد تعبيره الدارج.

وقت العصرية يفرش مولانا حصيرته أمام بيته مستقبلاً ضيوفه من أهل جيرته ومن الأقربين هناك، فانتهزت الفرصة كعهدي به، أحب كلامه وأستزيد منه كلما حانت لي الفرصة، جلست أحتسي الشاي في حضرته، وبادره أحد الحضور:
– مولانا.. انت ليه واقف في وش الأستاذ مسعد ونكفت له الجوازة، مش برضه الشرع حلل أربعة؟!
انت هتحرم الحلال ولا إيه يا سيدنا؟ وبعدين الراجل مقتدر وجيبه عمران، والمثل عندنا بيقول..

يقاطعه مولانا: "الراجل ما يعيبوش إلا جيبه"، جتك خيبة فيك وفي أمثالك الخايبة زيك، المثل ده تحديداً كان ذريعة لمسعد ولكل واحد زيّه يتزوج بلا حساب، ويطلق بلا اكتراث، لا يعبأ بالضرر الذي سيصيب الأولى وأولاده منها، يريد أن يأتي بالزوجة الثالثة، وزوجتاه تعانيان مر الشكوى من إهماله لأولاده وبيتيه، فلا متابعة لدروس، ولا مراعاة لحقوق.

حين تزوج بالثانية، اشتكى الأولى لطوب الأرض، وافتعل معها المشاكل حتى يحصل على قبول الناس لفعلته، ولو فعلها بغير الضرر الذي ألحقه بالأولى لكان مصابه أهون، فتهيأ الكل حتى أهلها لفعلته، وأتى بها من بعيد حتى لا نفسد الزيجة، وأقسم بالأيمان المغلظة أمام تلك البلهاء وأهلها، أنها الأخيرة ولا أحد بعدها.. وكنت متأكداً من عدم وفائه.

الآن.. أهمل زوجتَيه وأولادهما وهمَّ بالثالثة، يلعب بهم كلعب الطفل بالدمى.

– وما له إذا كان مقتدر وصحته مساعداه يا مولانا!
* يا أخي اتنيل، اشتكى لي غير مرة الدكتور وائل، الصيدلي، إنه دائم الذهاب إليه يسأل عن منشطات، كالصبية المتهورين غير ذوي العقول، غير عابئ بعمره ولا صورته.
يا إخواننا افهموا -والكلام ما زال لمولانا- مسعد مريض، وحلّه أن يذهب إلى طبيب نفساني فقد يساعده على تجاوز ما يهيئه له عقله المريض.

أنا لا أحرّم ما أحلَّ الله -حاشا لله أن أفعل- ما يحدث من حولي من خراب للبيوت وضياع للأطفال يحتم على مَن هم في مثل مكاني أن يتحركوا للإنقاذ ولو بكلمة، وهذا ما فعلته حين حذرت أهل الناجية الثالثة من مصير سابقتَيها البائستين.

غير واحد أبلغني أن ابنه الأكبر يتعاطى المخدرات، وأبلغته متوقعاً أن يحسن التصرف، ولكن هيهات! ضرب الولد حتى نزف أنفه ودماغه، وهرب من البيت إلى ضياع أكبر، مثل مسعد لا يغرنك حسن لقائه ولا كرم ضيافته، فمثله يضر أكثر مما ينفع.
زيجة ثالثة، تعني ضحية ثالثة، وأطفالاً ينضمون إلى قائمة الضحايا الذين سبقوهم فلا أدب ولا تعليم ولا خُلق.

وبعدين افهموا.. درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، هكذا تعلَّمنا في الأزهر الشريف، وزواج مسعد من الثالثة مفسدة مطلقة، درؤها كمثل دلق القهوة.. خير.

– ربنا قال "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع" ماذا تقول يا مولانا؟!
* كمّل يا حبيبي الآية: "فإن خِفتم ألا تعدلوا فواحدة"، قال بعض المفسرين: التزموا بواحدة؛ لأنكم لن تستطيعوا أن تعدلوا، وكل أدرى بقدرته على العدل بين زوجاته، فإذا كان الحبيب المصطفى ما تصلوا عليه!
يرد الجميع في همهمات متقطعة: "اللهم صلّ وسلم وبارك عليه"

قال حين قسم بين زوجاته: "اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك".
قسم المال والاهتمام والمبيت والطعام والسفر بينهن بالعدل كما علَّمه ربه، وهو مَن هو في قسمته بأبي هو وأمي، ولكنه اعتذر إلى ربه في ميل قلبه إلى عائشة بنت الصدّيق، وقلب محمد -صلى الله عليه وسلم- بيد رب محمد.

حتى في مرضه الذي مات فيه، استأذن زوجاته في أن يمرض ببيت عائشة، فأذنّ له، وضَع خطاً ظاهراً تحت "استأذن زوجاته" التي نمر عليها مرور الكرام، وليس منا مَن يفعل فعل الحبيب النبي.

قل لي انت وهو: أترون في مسعد رجلاً عادلاً قد أحسن إلى زوجتَيه فلا نضيق عليه في الزواج من الثالثة؟
يدرك الجميع أن مولانا فقيه عالم، يسكت الجميع أمام سهام ردوده القاطعة، وبيانه الذي لا يحتمل التأويل.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد