عن هشاشة الروح

لقد قرأت يوماً على مدونة صديقي عبارة تقول: ابحث في هاتفك عن شخص بإمكانك أن تبكي وأنت تخبره خلف سماعة الهاتف أنك متعب، ولا تستطيع النوم، فإذا لم تجد أحداً أو خفتَ حتى أن تزعجه فأنت حتماً بلا صديق! أو ربما الصديق يبحث عن شباك صغير يرسل له رسائله الباكية.

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/01 الساعة 02:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/01 الساعة 02:38 بتوقيت غرينتش

وفي يوم العطلة الوحيد أجالس ذلك الشباك الكبير المطل على الساحة الكبرى في المدينة، أخبره شجوناً أفرغت بطارية القلب ومخزون العقل وألغيت دون شعورنا تلك الروح المثقلة بالسماع لهموم الآخرين.

أتحدث مع المشاة خلف الزجاج الداكن، بالهمس لعل أحدهم يسمع، كما كانت أذني تسمع لكل الشكاة واليائسين والأصدقاء المتعبين من تجارب الظروف القاهرة والمملة والمليئة كالعادة بخيبات الأمل.

أفرغت بطارية القلب بعد كل هذه التجارب القاتمة التي ما نجح منها سوى الفشل الذريع والإضافة لسجلات التقييم بكلمات تصف حماقاتنا وسذاجتنا التي نتهرب من الاعتراف بها، وربما نتألم لمصائب وأزمات من نحب.

وامتلأ مخزون العقل بتلك الذكريات الجميلة الممزوجة بالألم والقهر والشعور بالهزيمة والتراجع، فالمخزون أصبح كبيراً ولا مكان يتسع لإفراغه سوى ما نسميه نحن "الزمن" الذي نعزّي أنفسنا به مع كل تراجع.

أما عن تلك الروح المثقلة دائماً فهي ضحية وبشكل دائم لأخطائنا المتكررة وأخطاء الآخرين بحق ضميرهم معنا، يكفيك أن تسأل عجوزاً يكون جارك في سيارة أجرة الصباح وسيخبرك عن واقع أخلاقنا المأزومة من كذب واختلاق إشاعات سخيفة وتسطيح للأحداث الجارية.

يكفيك يا صديقي أن تنزل يوماً واحداً إلى محاكم الزواج والطلاق لترى الفضيحة الاجتماعية الكبرى ومشاعر الألم والكره والحقد، عندها ستدرك أننا نخاصم الحياة ونعادي الحب ونعلن الحرب على الإنسانية.

هل جربت يوماً يا صديقي أن تقف في طوابير الذل الحكومية، أو تنزل يوماً إلى ميادين الدوائر الرسمية لترى كم مِن فساد العقول والأرواح التي قد تحتاج لعقود من الإصلاح، إصلاح تلك المنظومة الهشة من قيم العدالة واحترام كرامة الإنسان؟

ربما سيصرخ زجاج الغرفة من البوح القاتل الذي تفجّر فجأة في هذه اللحظات الغريبة؛ ليعلن لك أن أخبر إنساناً بتلك الحقائق، وأطلق العنان للسانك لصديق يستطيع تحمّل هذا الكم من الحروف المتعثرة.

لقد قرأت يوماً على مدونة صديقي عبارة تقول: ابحث في هاتفك عن شخص بإمكانك أن تبكي وأنت تخبره خلف سماعة الهاتف أنك متعب، ولا تستطيع النوم، فإذا لم تجد أحداً أو خفتَ حتى أن تزعجه فأنت حتماً بلا صديق!
أو ربما الصديق يبحث عن شباك صغير يرسل له رسائله الباكية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد