الحركة الإسلامية وقضايا المرأة.. رؤية مغايرة

وإن من أغرب ما رأيت -مما لا أستسيغه- أن يترك أحد قادة الحركة الإسلامية ابنته لتذهب لدراسة الفلسفة في جامعة أميركية، فتذهب الفلسفة بعقلها، وتذهب الحياة في أميركا بعقلها وقلبها، فتعود الفتاة من هناك لتخلع حجابها، ثم لتتكلم بكلام يراه الكثيرون دليلاً قاطعاً على الإلحاد، أو على الأقل بداية الطريق إليه

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/31 الساعة 03:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/31 الساعة 03:59 بتوقيت غرينتش

عندما يؤكد ابن خلدون في مقدمته على سنةٍ بشريةٍ تتمثل في أن المهزوم في دائرة الصراع الحضاري دائماً ما يهرع إلى تقليد الهازم، فإننا نرى صدق هذه الفرضيّة جيداً في حياتنا المعاصرة.

فها نحن العرب والمسلمون نسعى إلى تقليد الغرب في كل شيء، في المسكن والملبس والطعام والشراب والفن والترفيه واللغة وطريقة الحياة.

والطامة الكبرى أننا كأبناء للفكرة الإسلامية وللحركة الإسلامية نقع في بعضٍ من هذا التقليد، عندما نقدم رؤيتنا للقضايا من حولنا في محاولتنا لصنع البديل الإسلامي للتصورات والممارسات التي تعيشها مجتمعاتنا.

في مسألة المرأة وقضاياها، ألجأَنَا الضغط الحضاري الغربي، والضغط السياسي من التيار الليبرالي الممثل الرسمي للعالم الغربي في بلاد المسلمين، ألجأَنَا ذلك إلى تقديم رؤية تحاول ألا تصادم النظرة الحديثة للمرأة ولقضاياها، وتحاول ألا تصادم الأصول والنصوص الإسلامية، فخرجت رؤيتنا -إلى حد ما- لا إلى هذا ولا إلى ذاك، خرجت مضطربة مهزوزة فيها كثيرٌ من الإسلامية وغيرُ قليلٍ من التصورات الحضارية الحديثة.

في قضية تعليم المرأة، لا يستطيع أحد أن يجادل في وجوب أن تتعلم المرأة التي يوكل إليها بالأساس تربية وتنشئة الأبناء.

صحيح أن أمهات الأجيال السابقة كنّ يقمن بدورهن في التربية والتنشئة مع أن أكثرهن كنّ أميّات لا يقرأن ولا يكتبن، لكن الذي لا جدال فيه أن المرأة مع العلم والمعرفة أقدر على تربية أبنائها وتوجيههم.

كما أن التعليم حق واجب لكل إنسان بصرف النظر عن أي تصنيف له من أي ناحية.

لكن التساؤل الأهم في هذه النقطة: وماذا تتعلم النساء؟ وهل تتعلم مثلما يتعلم الرجل؟

للإجابة على هذا السؤال لا بد أن نحسم أمرنا أولاً في النظرة للمرأة، فلا بد أن نقر بأن المرأة مخلوق له وظيفته المختلفة عن وظيفة الرجل، ولذلك فقد خلقها الله على غير ما خلق الرجل في نواح عدة؛ جسدية وعقلية ونفسية.

وبالتالي، فإن الصواب أن تتعلم المرأة ما يتوافق معها لتأدية رسالتها المنوطة بها في الحياة.

وإن من أغرب ما رأيت -مما لا أستسيغه- أن يترك أحد قادة الحركة الإسلامية ابنته لتذهب لدراسة الفلسفة في جامعة أميركية، فتذهب الفلسفة بعقلها، وتذهب الحياة في أميركا بعقلها وقلبها، فتعود الفتاة من هناك لتخلع حجابها، ثم لتتكلم بكلام يراه الكثيرون دليلاً قاطعاً على الإلحاد، أو على الأقل بداية الطريق إليه.

قضية تعليم المرأة قضية مرتبطة بقضية أخرى وهي قضية عملها، وبناء على تصوراتنا لقضية العمل، تأتي تصوراتنا من بعدها لقضية التعليم.

لقد خلق الله المرأة لمهمة سامية، هي مهمة العناية والتدبير لبيتها وزوجها وأبنائها، وهي مهمة تنوء بحملها الجبال، ولذلك فقد كتب الله على المرأة القرار في البيت؛ لتتفرغ لهذه المهمة السامية الشاقة، ولتسلم روحها من ضجيج الحياة الصاخبة ومشاكلها وصراعاتها.

لن يستقيم للمرأة دورها إلا إذا تفرغت له، وإن من أكثر ما أفسد حياتنا خروج المرأة للعمل ومزاحمتها للرجال وترجّلها يوماً بعد يوم، فلم تعد المرأة ذلك الكائن الصافي الوديع الهادئ، التي تقوم على أمر زوجها وأبنائها ليلاً ونهاراً، فخرجت بيوتنا عن سكنها وطمأنينتها، وخرج أبناؤنا المشوّهون إلى دروب الحياة، فتشوهت بهم حياتنا كلها.

لقد خُلقت المرأة للبيت وللقرار فيه، ولا يجوز لنا أن نبدو مهزوزين في هذه النقطة بضغط الآخرين علينا، إلى حد أن يناقشني يوماً بعض أفراد الحركة الإسلامية في وجوب خروج المرأة للعمل، لكي يكون لها دور في نهضة الأمة، ولكي تمارس دورها الدعوي كما ينبغي.

خلقت المرأة للبيت وللقرار فيه ولمهمتها السامية بداخله، ولا تخرج للعمل إلا للضرورة القصوى، والضرورة تقدر بقدرها، ولذلك فليس من الصواب أن تتعلم النساء ما لا يتناسب مع ذلك، مثل علوم الإنشاء والكيمياء والفيزياء وغيرها.

ويقودنا ذلك للحديث عن مسألة اختلاط النساء بالرجال، وقد نالنا الدَخَن في هذه أيضاً، إلى حد أن تعمَد بعض قنواتنا التلفازية المحسوبة على الحركة الإسلامية إلى استعمال مذيعات إلى جانب مذيعين في البرنامج الواحد، فيتجالسون ويتضاحكون ويهمزون ويلمزون.

الاختلاط بين النساء والرجال مصيبة كبرى من مصائب عصرنا، ولا يجوز الاختلاط إلا في ضرورته القصوى وبضوابطه الصارمة، وكفانا فتحاً لباب الضرورات تحت غطاء (الضرورات تبيح المحظورات)، فقد أصبحت حياتنا كلها محظورات بدافع ضرورات متوَّهَمة.

وعن مسألة ولاية المرأة وسيادتها وقيادتها نلوي عنق النصوص ونضرب بعضها ببعض من أجل أن نرفع عن أنفسنا الحرج من هجوم هؤلاء وتشويه أولئك، مع أن الحق أن الخصوم للفكرة الإسلامية لن يرضوا عنها مهما قدمت من حلول ومهما دفعت من تنازلات.

النصوص واضحة وقاطعة في عدم تسييد المرأة وتوليها الولاية، فلم يخلقها الله لذلك، وقد خلقها لما هو أكبر خطراً وأبعد أثراً، خلقها لتنشئة الأمة كلها وتربيتها.

المرأة سيدة في بيتها وله خلقت، ولها أن تشارك في قيادة الأمم والحركات، على أن لا يرجع آخر الأمر إليها وأن لا تكون الغلبة لها.

وختاماً.. يجب علينا نحن أبناء الفكرة الإسلامية أن نقدم رؤيتنا الإسلامية لقضايانا غير مضطربين ولا هيّابين ولا مخلّطين في البيان، فإن مما فرضه الله علينا أن نبيّن للناس، والتبيين يحتاج إلى وضوح وقطع، شاء مَن شاء وأبى مَن أبى، رضي مَن رضي وسخط مَن سخط.

هذه رؤيتنا للمرأة بكل وضوح، خلقها الله على غير ما خلق الرجل في نواح عدة؛ جسدية وعقلية ونفسية، والتعليم حق واجب لها، لكن يجب أن تتعلم ما يناسب رسالتها، ورسالتها في بيتها، ولا تخرج منه للعمل إلا للضرورة القصوى، ولا تختلط بالرجال إلا للضرورة كذلك وبالضوابط الصارمة، ولا يوكل إليها قيادة الأمم والحركات، فلم تُخلق لذلك.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد