نحن لا نعاني من الكبت الجنسي فقط في مجتمعنا، والكبت الجنسي ليس أكبر المشاكل، بالعكس، الكبت للمشاعر بشكل عام، هو المشكلة، وهو السبب لما نراه من تصرفات غريبة تبدر من الناس في مجتمعاتنا، فأصبح التعبير عن الفرح مختلفاً، والتعبير عن الحزن أيضاً مختلفاً، وبعيداً تماماً عما يشعر به الشخص، فأصبح التعبير عن المشاعر وفهمها خاطئاً ومعاكساً في حالات كثيرة.
الرقص ثقافة فرح عند شعوب العالم، وثقافة عيب عند شعوبنا، لنكُن واضحين، أنا لا أتحدث عن الرقص بالتحديد هنا، بل أتحدث عن الفرحة التي أصبحنا ملزمين بإظهارها ضمن شروط وقواعد محددة، فلا توجد فرصة للعفوية، بل علينا السيطرة على فرحتنا، فلا يجوز أن ترقص لمجرد أنك سعيد.
فالمشاعر عندنا مكبوتة، ففي الفرح لا تظهره كله، وفي الحزن أيضاً لا تظهره، الأنثى عليها إظهار مشاعرها ضمن حدود، والذكر عليه إظهار مشاعره ضمن حدود أيضاً، تتم معاملة مشاعرنا وكأننا آلات لا نملك مشاعر، فالضحك له طريقة معينة علينا الالتزام بها، والبكاء أيضاً، فعليك الاطلاع على كتيب الإرشادات جيداً قبل التعبير عن مشاعرك؛ لأنه من الممكن جداً أن يأخذ الناس والمجتمع عنك فكرة سيئة إذا خرجت عن التعليمات المسموحة لك، فلأي درجة من الممكن أن يتحكم الشخص بمشاعره؟
المجتمع يعتبر أن مشاعر المرأة مختلفة عن مشاعر الرجل، ومشاعر الكبار مختلفة عن مشاعر الصغار، ولكل فئة مشاعر معينة، على أي أساس؟ أليست المشاعر مشاعر موجودة في أي إنسان، فكيف تم تقسيم المشاعر إلى فئات، وتقسيمها إلى أشخاص، هل يوجد للمشاعر جنس معين؟ أو هل يوجد عمر معين؟ وهل تنضج المشاعر؟ فعليك الالتزام بالقدر والنوع الذي أعطي إليك من قِبل المجتمع، وإلا ستكون العواقب وخيمة.
فكيف من الممكن أن تكون مشاعر السعادة وقاحة، فعندما تعبّر عن فرحك، عليك التفكير مليون مرة قبل ذلك؛ لأنه من الممكن أن تقوم بفعل منافٍ للأخلاق وخادش للحياء العام إذا أظهرت فرحتك بشكل عفوي، وعليك أن تحسب ألف حساب لذلك، فللفرحة الكثير من الأعراض الجانبية في مجتمعاتنا.
فاختلفت المعايير في المشاعر عندنا، والمشاعر موجهه، ولا يجوز عليك القيام بما تشعر به، ولا يجوز عليك أيضاً التعبير عن مشاعرك بأريحية، ولا يجوز أن ترقص لأنك سعيد، أو تضحك بصوت عالٍ، أو تبكي لأنك حزين، أو تبكي بصوت عالٍ، لا يجوز للفتاة أن تضحك فهذا لا يجوز، إنه من أكبر العيوب التي ستمس أنوثتها، ولا يجوز للذكر أن يبكي، فهذا سيهز رجولته، ولا يجوز للكبير أن يفرح بعفوية؛ لأنه سيظهر وكأنه صغير، والكثير من الشروط اللامنطقية بعد، التي تتحكم بما لا يمكن التحكم فيه، المشاعر.
سأضحك وقتما أشاء، وسأبكي وقتما أشاء، سأعبّر عن مشاعري كما هي، دون تغيير ودون تحويل، سأخرجها للعالم كما هي، كما لا يريد أن يراها الناس سأظهرها، فمشاعري أكيد أهم من مشاعركم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.