أثار غياب الملك المغربي عن القمة العربية العادية الـ28، التي انعقدت، الأربعاء 29 مارس/آذار 2017، في منطقة "البحر الميت" بالأردن، نقاشاً واسعاً وآراء متباينة من قِبل المحللين السياسيين، خاصة أن الغياب يأتي بعد رفض المغرب احتضان القمة العربية السابقة، مقابل حضوره القمة الإفريقية الأخيرة.
وكان لافتاً حرص ملك المغرب على المشاركة في اجتماع قادة الاتحاد الإفريقي الأخير في يناير/كانون الأول 2017 وحشده الجهود لعودة بلاده لهذه المنظمة بعد غياب دام أكثر من 30 عاماً عندما انسحب من منظمة الوحدة الإفريقية في سبتمبر/أيلول 1984 احتجاجاً على قبول المنظمة عضوية "الجمهورية الصحراوية" التي شكلتها جبهة البوليساريو.
في المقابل، لم يحضر العاهل المغربي قمة البحر الميت رغم زيارة نظيره الأردني الملك عبد الله له، وحرص الأردن رسمياً وإعلامياً على تلمس الأنباء عن زيارته المُحتملة.
ومع أن محمد السادس التزم تقليداً ليس جديداً عليه بالغياب عن القمم العربية؛ إذ لم يشارك العاهل المغربي في أي منها منذ عام 2005، وكان يمثله في أكثر من قمة شقيقه الأمير رشيد، أو شخصيات سياسية أخرى كرئيس الحكومة، أو وزير الخارجية.
إلا أن هذه المرة كانت مختلفة في ضوء تصريحات نُسبت لمسؤولين أردنيين بشأن حضور العاهل المغربي القمة حتى اللحظات الأخيرة.
كما أعلنت الرئاسة المصرية أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي سيلتقي الملك محمد السادس في القمة.
ولم يعرف سبب عدم مشاركة العاهل المغربي في القمة، وهل ألغى مشاركته أم أنه لم يكن قد قرّرها أصلاً، في ظل غياب معلومة رسمية صادرة عن القصر الملكي المغربي.
واللافت أيضاً، التغطية المحدودة الميالة إلى السلبية للقمة من قِبل وسائل الإعلام المغربية؛ إذ اكتفت الوكالة المغربية الرسمية للأنباء، صباح الأربعاء، بنشر خبر مقتضب يفيد بمشاركة وزير الشؤون الخارجية والتعاون المغربي، صلاح الدين مزوار، في أعمال القمة العربية لمناقشة قضايا، بينها القضية الفلسطينية ومبادرة السلام العربية، فيما وصف موقع "اليوم 24" الإلكتروني، الواسع الانتشار، المواقف التي تضمنها البيان الختامي للقمة بأنها "متكررة وميتة".
تازة قبل غزة
عزز العاهل المغربي غيابه عن القمم العربية في السنوات الأخيرة، واعتذاره عن عدم استضافة بلاده القمة العربية التي كان يفترض أن تُعقد بالرباط وفق التسلسل الدوري للقمم العربية، لتؤول إلى موريتانيا، المقولة الشهيرة في بلاده "تازة قبل غزة".
وتازة، هي مدينة مغربية كانت تعيش تهميشاً قبل وصول الملك إلى الحكم، وغزة هي المدينة الفلسطينية الشهيرة المحاصر قطاعها والتي تعد رمزاً للقضايا العربية، والمقولة تعني إعطاء أهمية للداخل قبل الخارج.
واعتبر المحلل السياسي المغربي سعيد الخمري، غياب الملك، بصفته رئيساً للدولة، عن القمة التي احتضنتها الأردن "يعكس بطريقة ما، مقولة "تازة قبل غزة"، مشيراً في تصريح لـ"عربي بوست" إلى أن ما يؤكد ذلك هو أن "المغرب أصبح يعمل في استراتيجيته الداخلية بعمق إفريقي أكثر منه نحو العالم العربي".
وأوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني، أن المغرب اتجه في سياسته الخارجية "نحو إفريقيا؛ إذ نلاحظ أنه منذ السنوات الأخيرة، أضحى التركيز الشديد على إفريقيا، سواء في بُعدها الاقتصادي أو الثقافي والهوياتي".
وأكد الخمري في تصريحه، أن "الأكيد أن المغرب لم يغب عن القمة، لكن على مستوى رئيس الدولة فإن اهتمامات الدبلوماسية متوجهة نحو إفريقيا؛ إذ إن العلاقات المغربية الأوروبية تظل ثابتة، لكن سيكون المدخل لتوجه الخارجية المغربية هو إفريقيا، خاصة بعد عودته إلى الاتحاد الإفريقي وانخراطه اقتصادياً في أكثر من دولة بمشاريع مهيكلة، فضلاً عن ملف مواجهة التطرف والإرهاب".
غياب وليس قطيعة
الدكتور إدريس لكريني، اعتبر غياب الملك عن القمة العربية بالأردن "لا يعكس رغبة المغرب في التغطية على الأمور الداخلية للبلد"، مستدلاً على ذلك بكون هذا الأمر "ليس موقفاً جديداً؛ إذ إنه مع استحضار السياسة الخارجية المغربية في العقد الأخير، نجد أن هناك دينامية وتوجهات جديدة، مرتبطة بتعزيز العلاقات المغربية على مستوى جنوب-جنوب، والانفتاح على روسيا والصين، والتعامل مع الاتحاد الأوروبي بخطاب آخر، وكذا انفتاحه على إفريقيا".
واعتبر لكريني، مدير مركز البحوث والدّراسات الدوليّة حول إدارة الأزمات، في تصريح لـ"عربي بوست"، المغرب ينهج حالياً "سياسة براغماتية، مبنية على معادلة الربح والخسارة"، مشيراً إلى أن "السياسة الخارجية لا تبنى على كثرة التحركات والمواقف والشعارات، وإنما على المردودية بمفهومها الاقتصادي".
وبعد أن أشار إلى أن غياب العاهل المغربي في القمم العربية الأخيرة "لا يعني القطيعة أو عدم تحمّل المسؤولية فيما يتعلق بما يجري بالمنطقة"، فإنه أكد أنه " تعبير واقعي لما يعرفه العمل العربي المشترك من مفارقات بين قمم ومجاملات رسمية تكاد تكون نتائجها منعدمة، خصوصاً إذا استحضرنا أن النظام العربي الحالي يعيش أحلك فتراته، حيث هناك تباين للمواقف تجاه قضايا عربية".
وحول ما إذا كان هذا الغياب قد يؤثر على العلاقات المغربية بباقي الدول العربية، اعتبر الدكتور لكريني، أستاذ القانون الدولي بمراكش، أن "العلاقات العربية/العربية لم تكن بخير منذ مدة، وخير دليل على ذلك العلاقات المغربية-الجزائرية، والعلاقات المصرية-السعودية، والوضع اليمني، وسوريا والعراق، ومن ثم فموقف المغرب واقعي"، مشيراً إلى أنه "قد يبدو أنه يفتقد بعض الحدود الدبلوماسية، لكنه إقرار بواقع موجود؛ إذ إن العلاقات العربية في أحلك فتراتها، ومن ثم لا أعتقد أن هذا الموقف يسهم في تدهور العلاقات العربية-العربية".
وكان وزير الخارجية المغربي، صلاح الدين مزوار، قد مثل بلاده في القمة العربية الـ28، ولم يوجه العاهل المغربي الملك محمد السادس، كلمةً إلى القمة خلافاً للقمة السابقة التي عُقدت في موريتانيا.