تمسك الإخوان ببيانهم المثير للجدل، والموجه للقمة العربية بعمان، رغم صدور بيان عن مجموعة أخرى بالجماعة ترفضه، ورغم موجة الانتقادات للغة ومضمون البيان، وما زال البيان منشوراً من دون أية تعديلات.
أثار البيانان المتناقضان من جماعة الإخوان بشأن القمة العربية في عمان، تساؤلات عن تغيير أو انقلاب في أدبيات تعامل الجماعة مع "إسرائيل" والقمم العربية.
البيان الأول صدر عن القيادات التاريخية التي يوجد أغلبها في الخارج، وردّ عليه بيان القيادات الشبابية الموجودة في الداخل بدرجة أكبر، وقال مراقبون إن كلا البيانين لا يعبر عن الأدبيات التاريخية للجماعة، سواء فيما يخص مخاطبة الأنظمة العربية، أو وصف "إسرائيل"، حيث اعترف بها البيان الأول عملياً بوصفها: "دولة إسرائيل"، فيما أصر البيان الثاني على تسمية الإخوان التاريخية "الكيان الصهيوني"، حسبما قال لـ"عربي بوست" المحلل السياسي ممدوح المنير.
واهتم البيان الأول الذي صدر باسم جماعة "الإخوان المسلمين" بتاريخ 27 مارس/آذار 2017 الجاري، بعنوان رسالة من الإخوان المسلمين للقادة العرب المجتمعين في الأردن، بمخاطبة القادة العرب في القمة بطريقة هادئة، أشبه بالمغازلة، مشيراً إلى وقوف الشعوب خلفهم، ووصف إسرائيل لأول مرة بأنها "دولة إسرائيل" لا "العدو الصهيوني" حسب الأدبيات الشهيرة للجماعة.
في المقابل، هاجم بيان قيادات الداخل الشبابية، والموقَّع باسم (المكتب العام لجماعة الإخوان المسلمين)، وصدر الثلاثاء 28 مارس، القمة والقادة العرب بعنف ووصف بعضهم بأنهم "قتلة"، وشدد على أن "الكيان الصهيوني لن نُسمّيه إسرائيل"، وجاء تحت عنوان "حول البيان المنسوب للجماعة الموجه إلى الجامعة العربية".
و"المكتب العام" هو هيئة جرى إعلانها من قِبل مجموعة من الإخوان عبر الصفحة الرسمية لمحمد منتصر، أحد المتحدثين الإعلاميين السابقين للجماعة المحسوب على جبهة "محمد كمال"، الإثنين 19 ديسمبر/ كانون الأول 2016، بعد قبول استقالة اللجنة الإدارية العليا، والبدء في انتخاب مكتب إرشاد مؤقت تحت اسم "المكتب العام لجماعة الإخوان المسلمين".
تعامل جديد مع القمم العربية
البيان الأول عن جماعة الإخوان المسلمين (جناح محمود عزت-إبراهيم منير)، دعا الحكام العرب للحكم بالعدل "الذي هو أساس الملك"، وشدد على أن "أول شروط النهوض أن يتم إبعاد كل من تقطر يداه بدماء شعبه من محيطكم، وأن تُباعدوا بينكم وبين من يجحدون حق شعوبهم في الحرية والانعتاق من إسار العبودية…"، إلا أن بيان "المكتب العام" رد بعنف واصفاً البيان الأول بأنه "لا يمثل الجماعة".
ورد بيان "المكتب العام" بأن "هذا البيانَ (الذي أصدره محمود عزت وإبراهيم منير) لا يُمثّل سوى أفكار ومواقف مَن كَتبُوه، ولا يُعبِّر عن الجماعة، ونهجها، وأفكارها؛ فالقتلةُ سيظلُّون قتلةً بلا فَخَامَةٍ"، بحسب تعبير كلمات البيان.
لغة جديدة للحديث عن إسرائيل
الخلاف الثاني الذي أظهره البيانان المتناقضان، كان حول تسمية "إسرائيل"، فقد درج الإخوان في أدبياتهم، تاريخياً، على وصف إسرائيل بأنها "الكيان الصهيوني" أو "دولة الاحتلال"، ولكن بيان جبهة عزت–منير وصفها بأنها "دولة إسرائيل".
وسعى بيان "المكتب العام" لإعادة التسمية القديمة، منتقداً ضمناً التسمية الجديدة لإسرائيل في بيان الإخوان الأول (دولة إسرائيل)، مشدداً على أن "الكيان الصهيوني لن نُسمّيه إسرائيل"، بحسب بيانه.
وقال بيان "المكتب العام"، "إن الدماءَ المَبذُولة من أجل الحرية دفاعاً عن فلسطين المنهوبة، حتى انقلاب السيسي، وبشار لا يجُوز معها هذه اللغةُ الرَّكِيكَة، والتَّهافت المُتدنِّي الذي كُتب به بيانٌ ممَّن يصفُون أنفسهم بـ(إخوان)".
وقالوا: "إن هذه الجامعة العربية فاقدةً لأيّ تعبير وتمثيل شعبي لأمتنا؛ هي شريكةٌ في القمع والقتل والتغييب، لم تنصر يوماً قضية، ولَم تقفْ لحظةً لنصرة مظلوم"، قائلين: "فلتسقط هذه الجامعة، وأمينها… والسيسي وبشار…".
خرق لأدبيات الإخوان
ويرجع المحلل السياسي الدكتور ممدوح المنير، في تصريح لـ"عربي بوست"، أسباب هذه الضجة إلى عدة أسباب تشكل ما يسميه "خرقاً" في أدبيات تعامل الإخوان مع القمم العربية، وهناك 3 مؤشرات على ذلك:
المؤشر الأول: هو أن "البيان اعترف للمرة الأولى في التاريخ بـ(دولة إسرائيل)، ونص على اسمها صراحةً، بقوله: (منذ تأسيس الجامعة العربية في عام 1945 وقبل قيام دولة إسرائيل بـ3 سنوات)، ما يعد اعترافاً صريحاً بإسرائيل التي لا يعترف بها الإخوان". المعتمد في كل أدبيات الاخوان طوال تاريخهم، استخدام لفظ "الكيان الصهيوني" بدل "إسرائيل"، والرئيس السابق محمد مرسي المنتمي إلى الجماعة لم يذكر طوال فترة رئاسته كلمة "دولة إسرائيل" مرة واحدة في خطاباته.
هذا الاعتراف بإسرائيل، من جانب أكبر حركة للإسلام السُني في العالم أجمع، قد يعني في رأي المحلل السياسي المصري أن " تحولاً استراتيجياً لدى قيادة الجماعة الحالية"، مستدلاً على ذلك برفض تعديل الجماعة هذا البيان على حسابها الرسمي رغم تنبيه أعضاء بها لهذا الأمر.
المؤشر الثاني، أن البيان تعامل مع الشعوب على "أنها هي سبب المشاكل والضعف والهوان وإن الحكام هم من سيُخرجون الأمة من كبوتها مرة أخرى"، يعد "المرة الأولى في تاريخ البيانات السياسية، التي يجري فيها اعتبار أن وظيفة الشعوب هي حماية الحكام وليس العكس"، بحسب تعبيره.
ثالثاً، يصف المنير بيان "عزت–منير" بأنه "من البيانات الكاشفة والتأسيسية لتوجهات الإدارة الحالية لجماعة الإخوان المسلمين"، و"يبدو أنه تحول استراتيجي في المواقف على أرضية التطبيع الكامل مع النظام العالمي والإقليمي والتحرك داخل فلكه مهما كانت جسامة التنازلات".
أسلوب لا يناسب حركة سياسية
ووصف المنير، البيان الثاني الصادر من "المكتب العام"، بأنه "غير مناسب أيضاً ومتطرف في الجانب الآخر ولا يعبر عن أدبيات الجماعة؛ بسبب لغته، وأسلوبه لا يناسب مع حركة سياسية لها حساباتها".
يرى الدكتور المنير أن "اللغة العنيفة التصادمية لا تراعي أن هناك فروعاً للإخوان في هذه الدول ولا تراعي أن هناك حاجة لتعاون الإخوان مع بعض هذه الأنظمة، وليس من الذكاء صناعة مزيد من الأعداء أو جلب مزيد من العداوة".
سجال إخواني مستمر
وأثار البيانان حالة من الجدل بين الإخوان على مواقع التواصل ما بين مؤيد لطرف دون الآخر وداعٍ للتوقف عن التراشق الإعلامي علناً عبر مواقع التواصل.
ووجه الباحث الشرعي والقيادي في جماعة الإخوان وصفي أبو زيد نقداً عنيفاً لرسالة الجماعة الأولى الموجهة للقادة العرب، ورفض وصف البيان لهم بأنهم "السادة أصحاب الجلالة والفخامة والسمو ملوك ورؤساء وأمراء الدول العربية"، قائلا إن ذلك "اعتراف بالرئاسة" للرئيس السيسي.
وعلى هذه التدوينة، علق الشيخ يحيى حبلوش إسماعيل، الأستاذ بجامعة الأزهر وعضو الجماعة، بتصويب عبارة "حينما ترسل حركة الإخوان المسلمين رسالة إلى القمة"، قائلاً: "سموا الأشياء بأسمائها؛ قل: (عندما يرسل المتصدرون والمغتصبون لحركة الإخوان…".
حضور قادة يفسد القمة
وفي المقابل رأى نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين إبراهيم منير، في حديث مع وكالة "قدس برس" اللندنية، أن "حضور قيادات عربية تلطخت أياديها بدماء شعوبها إلى قمة الأردن من شأنه أن يفسد القمة ويسيء إليها".
وأضاف: "كل من تلطخت يده بدماء شعبه لا ينبغي أن يحضر مجلساً كهذا، وبالتأكيد حضور عبد الفتاح السيسي إلى القمة العربية في الأردن إفساد للقمة وإساءة إليها".
وعما إذا كانت لديهم أي آمال في أن تقوم جامعة الدول العربية بإطلاق مبادرة للصلح بين الفرقاء في مصر، قال منير: "ليست لدينا أي آمال في مثل هذا الدور"، على حد تعبيره.