كذب عليَّ صديق عزيز في موقف لم يستدعِ ذلك، لم أقُم بإخباره حينها بأنني عرفت، جلست أفكر لأيام لماذا قد يكذب في موقف عابر لا يتطلب ذلك بينما الحقيقة هي الطريق الأسهل والأبسط على كل منا؟ لماذا غامر بمحبتي وثقتي به مستقبلاً من أجل موقف لا يستحق؟ فكرت أنه ربما أنا مَن دفعه إلى القيام بذلك بالضغط عليه دون أن أشعر، تزاحمت الأسئلة في رأسي، واحتجت إلى أن أُعيد صياغة أفكاري وأسأل ما الذي قد يدفعنا إلى الكذب في المطلق؟
وجدت أن للكذب ألواناً مختلفة كألوان الطيف، كل لون يعبر عن سبب أو دافع، نكذب لنخفي حقيقة ما أياً كانت صورتها (شعور، موقف، كلمة، شخص، فكرة، ذكرى)؛ لنحمي أنفسنا من خسائر قد تلحق بنا في حال التصريح بالحقيقة، ونظن حينها أن الأفضل لتلك الحقيقة أن يتم إخفاؤها، لكن ما هذا إلا ضيق أفق؛ لأن حينها لا يخفي الكذب الحقيقة أو يمحوها بل فقط يؤجل ويصُعب لحظة اكتشافها.
نضطر إلى الكذب أحياناً لنصلح أو نعُدل موقفنا في حال تعرضنا لهجوم، أو لتخطّي حدث أو وضع سيئ علقنا به، أو دفعنا إليه أحدهم رغماً عن إرادتنا، يكون هذا الإصلاح لحظياً فقط لينتهي بدفاعنا عن أنفسنا، ومن ثم انتهاء الموقف، ولكنه لا يمنع تكرار حدوثه مستقبلاً.
الخوف هو جزء أصيل في طبيعتنا البشرية، نخاف من كل مجهول عنّا، يدفعنا الخوف إلى الهروب، والكذب ما هو إلا هروب من كل حقيقة في حياتنا، يأخذ الخوف أحياناً أشكالاً أخرى، قد يكون دافع الخوف قلة ثقة في النفس، أو غياب القدرة على مواجهة الرفض، أو عدم تقبّل الآخر لما نحن عليه، نفتقد الأمان، فنخاف، فنكذب.
نكذب أحياناً تحت شعار الحب، في سبيل أن نرضي مَن نحب، نُسمعه ما يحب أن يسمع، ونريه ما يتمنى فقط أن يرى، أو لنحافظ على حب غير مُقدر له أن يستمر؛ لأن الأساس الذي قام عليه هو الخداع، وما بُني على باطل فلن يصلح أبداً.
إذا كانت غايتك الانتقام فوسيلتك المثلى هي قلب الحقائق حتى تجعلها جميعاً في خدمة هدفك، قرأت يوماً أن الانتقام نار، وما لتلك النار من وقود إلا الكذب.
نكذب لنحمي أنفسنا أحياناً، نكذب لأننا نخشى أن نظهر حقيقة ما نحن عليه وما نشعر به ونفكر فيه، نكذب لأننا لم نؤمن بأنفسنا بالشكل الكافي الذي يؤهلنا لمواجهة العالم، أو لخوفنا على أفكارنا أو مشاعرنا .
يسوقنا الجهل أحياناً إلى الكذب؛ لأننا لا نعرف الحقيقة ولم نكلف أنفسنا عناء البحث، نلجأ إلى الحل الأسهل وهو الكذب، والذي قد يكون من خلال حكم سريع ظالم، أو انحياز ظالم (تحيّز جائر).
يدفعنا الطمع أيضاً إلى الكذب، في امتلاك ما ليس لنا، أو في أن نكون ما لسنا عليه، فنكذب حتى نحقق المكسب السريع دون جهد، ولكن ما يأتي بسرعة حتماً سيرحل بسرعة.
نكذب لنخفي الفجوة بين ما أردنا أن نكون عليه وبين ما نحن عليه فعلاً، أو لنخلق عالماً يشبه ما حلمنا به ولم نجده أو فشلنا في الوصول إليه.
هناك دوافع وأسباب أخرى للكذب لكن ربما لم أختبرها بعد، الكذب هو فعل مذموم في كل معتقد دنيوي وسماوي، لكنه خطيئة نفعلها يومياً، ولن نتوقف عن فعلها طالما وجد البشر على الأرض، ولكن على قدر بساطة ارتكابها على قدر عظم أثرها، خطره في أن تعتاده، فبذلك تكون اعتدت الزيف، وتكون كمَن مرَّ في الحياة دون أن يعيشها.
تذكَّر أن الكذب ما هو إلا حبل، متى بدأ بالالتفاف سيلتف حول أقرب عنق له، وهو عنقك أنت!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.