خاض الموساد الإسرائيلي بالتعاون مع المخابرات الفرنسية معركة استخباراتية، تهدف للإيقاع بمهندس سوري يعمل في مشروع لإنتاج الأسلحة الكيميائية، وفقاً لتحقيق نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية تحت عنوان "حرب سرية مخصصة للجواسيس فقط".
الهدف في هذه العملية الاستخباراتية السرية -التي أُطلق عليها اسم "راتافيا"- هو مهندس سوري، تسبب عمله في "مركز للبحوث والدراسات العملية" في العاصمة السورية دمشق في أن يصبح مطلوباً للموساد الإسرائيلي والاستخبارات الفرنسية.
تريد الاستخبارات من هذا المهندس الحصول على معلومات سرية من داخل برنامج الأسلحة الكيميائية السورية، فبدأت تخطط للإيقاع به، وهو ما تطلَّب منها تحضيراً لوجستياً ونفسياً، وفقاً للصحيفة الفرنسية.
هدف العملية
الهدف من هذه العملية لم يكن رأس المهندس، بل المعلومات التي بحوزته، فقد سعت إسرائيل وفرنسا للحصول على كنز المعلومات التي يمتلكها هذا المهندس حول منظومات الأبحاث وإنتاج الأسلحة الكيميائية في دمشق.
المألوف عن عمليات الموساد هي التصفيات الجسدية، لكن هذه العملية تستهدف معلومات حجم وطبيعة التعاون القائم بين سوريا ودول أخرى مثل إيران أو روسيا أو كوريا الشمالية.
أهداف أخرى تسعى لها عملية "راتافيا"، تتجسد في الوصول إلى الآليات المتبعة في استيراد المواد المستعملة في إنتاج الأسلحة الكيميائية.
الإيقاع بالمهندس
بداية العملية كانت بعرض عمل وصل المهندس من "الموساد"، حول تأسيس شركة للاستيراد والتصدير، محاولاً إغرائه مادياً، وهو ما نجحوا به.
بدأ عدد من العملاء الإسرائيليين المقيمين في دمشق بالتقرب من المهندس السوري، وعملوا على توثيق علاقتهم به، وذلك على مدار عامين من التواصل معه.
وبعد أن كسب عناصر الموساد ثقة المهندس -وفقاً للصحيفة الفرنسية- أخبروه بأن تأسيس شركة الاستيراد والتصدير سيتم في فرنسا، وقاموا في نفس الوقت بالتنسيق مع الاستخبارات الفرنسية لترتيب إجراءات السفر، والحصول على تأشيرة وإقامة مريحة بالعاصمة باريس.
بعد أن تمت العملية بنجاح، ووصل المهندس للعاصمة الفرنسية، التقى برجل أعمال إيطالي، الذي بدأ بتقديم "مشروع العمر" له، كنوع جديد من الإغراءات.
لم يكن يدرك المهندس حتى هذه اللحظة أنه يسير باتجاه فخ نُصب له، كما أن التقارير الاستخباراتية أكدت أن الرجل كان وفياً للنظام السوري، على حد قول الصحيفة الفرنسية.
نسج رجل الأعمال الإيطالي حياةً جميلة للمهندس السوري في العاصمة باريس، فالإقامة كانت في أفخم فنادق المدينة، وسيارة مع سائق تحت تصرفه، وشبكة من العلاقات التجارية في الشركاء المحتملين، لكن كل ذلك لم يرق للمهندس الذي كان ذوقه عكس ظن الاستخبارات الإسرائيلية التي رسمت الخطة.
تقول الصحيفة الفرنسية إن رجال الموساد كانوا بسذاجة كبيرة، بسبب أنهم لم يفهموا طبيعة المهندس، وكيف أنه لا تروق له معظم وسائل الترفيه التي قدمت له.
لكن وبالرغم من ذلك، فإن المهندس وقع في فخ الموساد، الذي بدأ يدخل في صلب خطته، وذلك عبر إيهام المهندس ببدء العمل.
قام عناصر الموساد بإخبار المهندس أنهم بحاجة لشراء بعض المواد التي تستخدم في إنتاج الأسلحة الكيميائية، لكنهم لم يفصحوا للسوري أن هدفهم هو إنتاج هذه الأسلحة، وهو ما دفع المهندس لمساعدتهم.
وهنا وقع المهندس في الفخ دون أن يدري، وفقاً لصحيفة لوموند الفرنسية، وقدم لعناصر الاستخبارات شبكة واسعة من الشركات الأوروبية التي كان المهندس على تواصل معها.
وكشف المهندس عن شركات أوروبية لا تلتزم بحظر بيع تلك المواد، إضافة لمجموعة من الوسطاء والشركات الوهمية التي تساعد في مثل هذه الصفقات.
الأمور لم تقف عند هذا الحد، فالمعلومات الشخصية عن المهندس السوري التي كانت بحوزة الاستخبارات كانت ورقة رابحة بيدهم، فقد كانت هناك علاقة تربط المهندس بابنة مسؤول سوري، وهو ما جعلها نقطة ضعف لدى المهندس.
استغل عناصر الاستخبارات هذه النقطة الحساسة، واستطاعوا، وفقاً للصحيفة الفرنسية، استغلال تلك العلاقة والحصول على معلومات مهمة عن مخزون النظام السوري من الأسلحة الكيميائية.
وبهذا، تمكنت الاستخبارات الإسرائيلية من إعداد ملف دقيق عن الأسلحة الكيميائية السورية، وقدموه إلى الأميركيين والألمان، وهو ما دفع الاتحاد الأوروبي لاتخاذ إجراءات تمثلت في تجميد كافة ممتلكات وأرصدة "المركز السوري للبحوث والدراسات"، الذي يعمل به المهندس في كافة دول الاتحاد، وفقاً لما نشرته الصحيفة الفرنسية.