بين ما نريد وما تفرضه الحياة.. الخروج من المعضلة

اعلم جيداً أن إرضاء الناس غاية لا تدرك، فدائماً سيكون هناك ناقد وحاسد، احرص على ألا يكون حافزك التغلب على "حمادة" أينما كان أو وجد، فكل هؤلاء لن يعانوا معك إحباطك وافتقادك لتحقيق ذاتك وطموحاتك التي تركت خلفك عندما يمضي بك قطار العمر.

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/29 الساعة 02:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/29 الساعة 02:03 بتوقيت غرينتش

أنا عايز إيه؟! هذا السؤال الوجودي الذي قد يطاردك منذ مرحلة الطفولة حتى تتشكل في وجهك معالم الرجولة، وقد يمتد ويتكرر نفس السؤال حتى يشتعل الرأس شيباً، ويهن العظم منك، ولم تجد له إجابة، نعم هذا حقيقي، قد لا يخطر ببالك -إن كنت من القليلين الذين لم يواجهوا هذه المشكلة- أن هناك من يعيش إلى سن الثلاثين والأربعين وقد يهرم ويموت وهو يتألم لهذا السبب، لم يدرك ماذا يريد من حياته، ما هو مجال العمل الذي يحبه؟ هل عاش أفضل حياة تمناها لنفسه؟ أم أن الحياة هي مَن أمسكت بدفة اختياراته؟

نحن نحيا في مجتمع كل ما يهمه الظواهر، فتجد الأهل يحفزون أبنائهم بـ"ذاكر علشان حمادة ابن خالتك هيخش طِب وانت لأ"، وينصحونك بـ"المفروض" و"الناس هتقول إيه"، لا بالنقاش والإقناع، فنكبر ونترعرع وأهم ما يشغل بالنا هو تلك المنافسة العمياء وما هو المفروض وماذا سيقول الناس عن اختياراتي؟ فيصبح همك أن تسير مع القطيع وتخشى الاختلاف، ولكن هل تعلم أنك ستتحمل نتيجة اختياراتك أمام الله ثم أمام نفسك وحدك؟ هل قالوا لك إن "حمادة" و"الناس" لن يتحملوا معك هذه العواقب؟

نعم تلك هي الحقيقة، فمثلاً إذا أخذنا التعليم والعمل مثالاً للأهداف الحياتية، فإن سبقت "حمادة" ودخلت الطب فقط لتفوز بسباق الكلية، ستكون قد أسعدت أُمك، وقد تحزن خالتك، ولكن بعد إنهاء السباق ستفيق لتتساءل: هل كنت مستعداً لأن تتحمل 7 سنين مذاكرة وسنين طويلة تجني الفتات مقابل الخبرة حتى تدخل العقد الثالث أو الرابع من عمرك؟ هل أنت مستعد لأن تقضي باقي العمر في تحصيل الشهادات؟ هل سألت نفسك هذه الأسئلة قبل أن تبدأ السباق؟ لكن حقيقة هذا المجال وهذا هو الثمن، قد يكون بخساً في نظر غيرك، بل وقد يكون بذله بسعادة دون ندم في سبيل حلمه، هذا ما أراده بقوة ودرسه وفهم سبيله قبل أن يطلق العنان لعداد عمره ليدور فيه، لكن هل هذا حلمك أنت؟ هل تريد أن تكون طبيباً أصلاً؟ ما إحساسك وقد انطلقت في سباق لم تحسب نتائجه؟ ستمر سنوات عمرك وأنت تصارع نفسك وتندم على عدم اتباع قلبك وإرادتك، فالحقيقة أنه سباقهم هم ومنافستهم، سباق لا ناقة لك فيه ولا جمل، سباق سيكون ثمنه سنين من عمرك تعمل فيها ما لا تحب لتبدأ من الصفر -إن بدأت- في تصحيح اختيارك.

ننشأ ونتربى -إلا مِن رحم ربي- على "امشي جنب الحيط" من أهل قد مشوا بجانب الحيط ثم داخله فننشأ ونحن نخشى كل جديد يقودنا بعيداً عن "الحيط"، ولا شك أنهم بذلوا كل ما في جهدهم ليربونا نحن أبناءهم أفضل تربية، وهدفهم أن نشب لنعمل في الشرطة أو القضاء أو الطب أو الهندسة، فإما الميري أو ترابه أو كليات القمة؛ ليتفاخروا بنا أمام الأهل والأصدقاء، وأهمهم "حمادة ابن خالتك"، ثم ليفرحوا بزواجنا وبالعروس/ العريس الذي/التي اختاروهم لنا ثم بأولادنا الذين هم أحب منا إلى قلوبهم حتى يفارقوا الحياة ثم نفتقدهم ونترحم عليهم، ثم نجني نحن ثمار اختيارات أجبرونا عليها أو لم يقدموا لنا نصحاً سوى ما اعتصروه من خبراتهم، وعلى حد علمهم، مؤمنين أن هذا هو خير اختيار دون النظر لإراداتنا، لمتغيرات الزمن والمكان والظروف، دون وضع اعتبار لرغباتنا.

نعم الأهل والناس الآن راضون عن حياتك، ولكن ماذا عن مجال التسويق الذي لطالما استهواك؟ ماذا عن التاريخ الذي لطالما أحببته؟ أم ماذا عن هوايتي الرسم أو التصوير؟ لقد تركت كل هذا واتهمت نفسك بالضلال لأنك خرجت عما ألفوا عليه آباءهم، لقد سرت مع اختيارات لم تختَرها لنفسك، سعيت لنيل رضاهم عن حياتك وها قد رضوا، ها أنت ذا تشعر بالاختناق كل لحظة، لأن الحياة التي تحياها ليست ما أردتَ، ما زال ذلك الجزء المفقود متقداً داخلك، ما زلت تقول ليتني فعلت ويا ليتني جربت، فهل يتحمل معك أحد منهم هذا الألم لاحقاً؟ هل حققت حلمك؟ هل تزوجت ممن تحب؟ هل تعمل في المهنة التي لطالما أردت؟

قد لا يكون أهلنا والمجتمع السببين الوحيدين الحائلين بين البعض وبين تحقيق الذات والأحلام، فالبعض هاجسه الخوف من الفشل أو من تعليقات أصدقائه.

أولاً ترك الأشياء خوفاً من الفشل هو الفشل نفسه، فليس الفاشل هو من حاول وتعثر وأخطأ، إنما الفاشل هو من لم يحاول ليخطئ لينهض من جديد، أما عن أصدقاء الإحباط فانظر حولك لتعلم أن هؤلاء الأصدقاء ما هم إلا فقاعات، كم ممن سخر الأصدقاء منهم تراهم الآن في قمة النجاح وكم ممن سخروا منك سينحنون لك بل وسيتفاخرون بعلاقتهم بك ما إن تصبح ناجحاً.

لا تعِش هذه الحياة حياً ميتاً، حياً تأكل وتشرب، ميتاً بلا هدف، اذهب وانطلق في طريق الحياة، اقترف أخطاء وتعلم منها، ولكن اعلم أنك وحدك ستتحملها فاختر معاركك بحكمة، لا يوجد شيء اسمه فشل ولكن يوجد درس وتجربة، تذكر دائماً أنك أدرى الناس بنفسك، تعلم أن تفكر وأن تكون رأيك المستقل، اجعل آراء الأهل والأصدقاء آراء استشارية لا نهائية، اقرأ عن هدفك جيداً، اسأل أهل الخبرة، استشِر واستخِر ثم توكل على الله، لكن إياك ثم إياك أن تترك الحياة تتحكم في دفتك.

اعلم جيداً أن إرضاء الناس غاية لا تدرك، فدائماً سيكون هناك ناقد وحاسد، احرص على ألا يكون حافزك التغلب على "حمادة" أينما كان أو وجد، فكل هؤلاء لن يعانوا معك إحباطك وافتقادك لتحقيق ذاتك وطموحاتك التي تركت خلفك عندما يمضي بك قطار العمر.

لا تعِش حلم أحد وتحاول تحقيقه، كلّ منا تفرّد الله في خلقه وجعل له دوراً ومهمة في هذا العالم، ابحث في نفسك عن هذه الغاية، اكتشف في نفسك هذا الشيء المتفرد بالتفكر والتجارب الجديدة، لا تدع أحداً يتحكم في حياتك، ويصنع اختياراتك أياً ما كان.

وأخيراً التغيير لا يزال بيدك، انفض الغبار عن قلمك، واكتب سطور مستقبلك كما تتمنى أن يكون عندما تروي قصتك.. وللحديث بقية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد