تخفيض الضرائب على أرامكو يظهر جدية السعودية في طرحها للاكتتاب.. ولهذه الأسباب لن تتقلَّص إيرادات المملكة

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/28 الساعة 14:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/28 الساعة 14:20 بتوقيت غرينتش

أعلنت المملكة العربية السعودية الإثنين، 27 مارس/آذار 2017، خفضاً حاداً في ضرائب شركة النفط المملوكة للدولة "أرامكو"، كجزءٍ من الجهود المبذولة كي تصبح الشركة أكثر جذباً للمستثمرين الدوليين تحضيراً للطرح العام الأولي الموعود.
وحدد الامر الموقع من قبل الملك سلمان بن عبد العزيز ضرائب الدخل على الشركات النفطية بين 50 و85%، بحسب قيمة استثماراتها، بعدما كانت ضريبة ثابتة بنسبة 85%.

وكتبت "أرامكو" (التي توصف أحياناً بأنها أكبر شركة في العالم) على حسابها في تويتر عقب صدور القرار موضحة أن الأمر الملكي يخفض معدل الضريبة المفروضة عليها من 85 % إلى 50 %، حسب تقرير لسي بي إن سي عربية.

واعتبرت أن الخطوة تدعم مساهمتها "في تنويع الاقتصاد وتنميته في المملكة، بما يتماشى مع رؤية السعودية 2030" التي أعلن عنها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وتقوم على مجموعة إجراءات إصلاحية لتنويع الاقتصاد المرتهن بشدة للنفط.

وتنوي السعودية إدراج "أرامكو" التي تؤمن إجمالي إنتاج المملكة في سوق المال في 2018. وتعتزم المملكة طرح أقل من 5% من أسهم الشركة للاكتتاب العام للمساعدة في إنشاء أكبر صندوق استثماري في البلاد.

ويُعَدُ معدل الضريبة أمراً هاماً ضمن أمورٍ عدة تحتاجها السعودية للعمل مع المصرفيين الاستثماريين لتحديد قيمة شركة أرامكو، أكبر مُنتِج للنفط الخام في العالم. وتعتمد تقديرات التقييم، التي تتراوح بين 400 مليار إلى 2 تريليون دولار، على حساباتٍ متنوعة لقيمة العمليات التي تديرها الشركة، وتوقعات أسعار السلع، والتكاليف التي تتضمَّن الضرائب، حسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.

ويأمل السعوديون في طرح 5% من الشركة للمستثمرين الأجانب أواخر العام المقبل، مما يُقدَّر بحوالي 100 مليار دولار في ما قد يكون أكبر طرح للأسهم في التاريخ.

وإضافة للضرائب، تدفع الشركة أيضاً 20% من إيراداتها في شكلِ عقدِ امتياز.

وقال أمين بن حسن الناصر، الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو، في تصريحٍ له إنَّ: "معدل الضريبة الجديد سيجعل أرامكو تتماشى مع المعايير الدولية".

وكان قد أُعلِنَ عن خفض الضريبة منذ شهرين بعد مباحثاتٍ مُكثَّفة مع مصرفيين دوليين في الرياض بشأن هيكلة الطرح العام الأولي. وقال مصرفيون ومتخصصون مستقلون إنَّ هذا الخفض سيساعد في زيادة التدفق النقدي المتاح لحصص أرباح المستثمرين في المستقبل، وأشاروا أيضاً إلى أنَّ مجموعاتٍ سعودية مختلفة ذات نفوذ كانت تعمل على الوصول إلى توافقٍ حول كيفية المضي قدماً في عملية الخصخصة.

وقال جان فرانسوا سيزنيك، خبير الطاقة في الشرق الأوسط في مركز الطاقة العالمية التابع للمجلس الأطلسي: "إنَّها خطوةٌ إيجابية للغاية"، وأضاف: "هذا يعني أنَّ الأطراف السعودية المختلفة: الدولة، وصندوق الاستثمار العام، والعائلة المالكة، تتباحث من أجلِ التوصُّلِ إلى حل".

وفي ظل الخصخصة، سيتقاسم صندوق الثروة السيادية السعودي، وأعضاء العائلة المالكة، والمواطنون السعوديون 95% من الأرباح وحصص الأسهم. ويُعتَبَر تقسيم هذه الكعكة مسألةً حسَّاسة، نظراً لاعتماد الحكومة على الشركة في معظم إيراداتها، وانخراط الشركة في الكثير من البرامج الاجتماعية، مثل بناء المستشفيات والمدارس.

هل تنخفض إيرادات المملكة؟

وقال وزير المالية السعودية محمد الجدعان إن خفض الضرائب التي تدفعها شركة أرامكو للحكومة لن يضر بالأوضاع المالية للدولة ويصب في المصلحة الاستراتيجية للمملكة

وأضاف الجدعان في بيان صدر الإثنين 27 مارس/آذار 2017، ونشرته رويترز "أي انخفاض في إيرادات الضرائب المفروضة على الشركات المنتجة للنفط والمواد الهيدروكربونية العاملة في المملكة سيتم تعويضه بتوزيع أرباح مستقرة من قبل تلك الشركات التي تملكها الدولة، وتدفقات مالية أخرى تُدفع للحكومة بما في ذلك التدفقات الناتجة عن أرباح الاستثمارات."

وحدد الأمر الملكي ضريبة دخل على أرامكو بأثر رجعي اعتبارا من الأول من يناير/كانون الثاني 2017 عند 50 بالمئة. وكانت الشركة من قبل تدفع 85 بالمئة بحسب مسؤولين سعوديين.

ولا تنشر شركة أرامكو السعودية معلوماتٍ عن أرباحها وإيراداتها وضرائبها التي تدفعها للحكومة ولجهاتٍ أخرى. ويقول المتخصصون إنَّ أسعار السلع والمبيعات ستُحدِّد أرباح ومدفوعات المساهمين، بما يشمل الحكومة والعائلة المالكة، مع إحلال توزيعات الأرباح محل الضرائب الأعلى. ويأمل السعوديون في أن تؤدي الاستثمارات الجديدة بعد طرح الأسهم إلى بعض النمو والزيادة في الأرباح بالتالي، حسب نيويورك تايمز.

وكانت قدرة أرامكو السعودية على توفير التمويل للحكومة قد تقلصت بشدة خلال السنوات الثلاث الماضية، وذلك على خلفية انهيار أسعار النفط العالمية. وحتى بعد خفض الدعم والبرامج الاجتماعية، من المُتوقَّع أن يصل عجز الحكومة السعودية هذا العام 2017 إلى 53 مليار دولار.
وكانت وكالة فيتش الدولية للتصنيف الائتماني قد خفَّضت الشهر الماضي، فبراير/شباط 2017، من التصنيف الائتماني السيادي للسعودية للمرة الثانية خلال عام، بينما تشهد الاحتياطيات الأجنبية في السعودية انخفاضاً مقلقاً، وفقاً لنيويورك تايمز.

ومع ذلك، جاء قرار خفض الضرائب إشارةً أخرى إلى احتمالية أنَّ وتيرة العمل على الطرح العام الأولي، والتي كانت بطيئةً بعض الشيء، ربما قد بدأت في التسارع.

وقال مسؤول تنفيذي بقطاع النفط "الأمر الملكي عامل مهم في تمهيد الطريق أمام أكبر طرح عام أولي في العالم. وأنا متأكد من اتخاذ المزيد من تلك الخطوات تباعاً في الأسابيع والأشهر المقبلة."

وأضاف أن الأمر "يظهر جدية الحكومة السعودية في الطرح العام الأولي لأرامكو السعودية وهذه رسالة قوية جدا لأولئك الذين يشككون في أن الحكومة ستمضي قدماً في طرح أرامكو للاكتتاب العام."

وقال المستشار الاقتصادي السعودي بتمكين المشاريع، ناصر آل مغرم، في تصريحات حصرية لـCNN إن الأمر الملكي بفرض ضريبة دخل متدرجة على شركات قطاع النفط في المملكة بناءً على قيمة الاستثمارات، سيبدد الشكوك في نجاح اكتتاب شركة "أرامكو" النفطية.

كما رأى طلال القحطاني، مدير إدارة الأصول في شركة "فالكم" للخدمات المالية، إحدى أكبر شركات الاستثمار في الأسواق المالية في السعودية، في تصريحات لـCNN أن تخفيض ضريبة الدخل على شركة أرامكو قد يكون له تأثير إيجابي على قيمة الشركة، حيث إن قيمة أي شركة تعتمد على القيمة الحالية للتدفقات النقدية الحرة المتوقعة للمستثمر. ومع تخفيض الحكومة للضريبة على دخل شركة أرامكو، فهذا يعني تدفقات نقدية أعلى للمستثمرين، وقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع قيمة الشركة.

من جانبها، أشارت صحيفة نيوريوك تايمز الأميركية إلى أن الملك سلمان قد قام بجولة آسيوية استمرت لثلاثة أسابيع، استغلها لتعزيز نشاطات شركة أرامكو السعودية لتصبح قوة كُبرى في مجال التكرير والبتروكيماويات في الصين، واليابان، وماليزيا، وإندونيسيا.
وقال بعض المتخصصون في مجال الطاقة إنَّ زيادة الاستثمارات المشتركة بين شركة أرامكو السعودية وبين بعضٍ من أكبر عملائها ستعزز قيمة الشركة السعودية في أعين المستثمرين في المستقبل.

ووافقت شركة أرامكو السعودية مؤخراً على دفع 2.2 مليار دولار إلى شركة "رويال داتش شِل" في اتفاقيةٍ لتقسيم أصول شركة "موتيفا" للتكرير والتسويق، والتي كانت مشروعاً مشتركاً بين شركتي "أرامكو" و"شِل" في الولايات المتحدة. وستضع هذه الصفقة معامل التكرير في مدينة بورت آرثر بولاية تكساس الأميركية، وهي الأكبر من نوعها في الولايات المتحدة، تحت السيطرة الكاملة لشركة أرامكو السعودية.

وسيسمح ذلك للمملكة العربية السعودية بزيادة نسبة صادراتها من النفط إلى الولايات المتحدة، أو العمل على استقرارها على أقل تقدير، إذ كانت نسبة الصادرات في انخفاضٍ مستمر في ظل زيادة الناتج المحلي الأميركي من النفط، وفقاً لتقرير نيويورك تايمز.

عقبات

وحذَّر متخصصون في مجال الطاقة من أنَّ الطرح العام لا يزال يواجه بعض العقبات. إذ تحتاج شركة أرامكو السعودية إلى أن تكون أكثر شفافية لتلبية متطلبات بورصة نيويورك، التي تقتضي الإعلان عن الضمانات وعمولة الصرف، وقد يعارض أفراد الأسرة الملكية مشاركة مساهمين من الدول الغربية في الشركة.

وقال جان فرانسوا سيزنيك، خبير الطاقة في الشرق الأوسط في مركز الطاقة العالمية التابع للمجلس الأطلسي: " إنَّه حين زار المملكة العربية السعودية مؤخراً لإلقاء محاضرةٍ أمام المديرين الشباب بشركة أرامكو السعودية، لاحظ وجود ثقةٍ كبيرة بينهم في أنَّ الطرح العام سيلقى نجاحاً باهراً.

وأضاف: "هناك تركيزٌ شديد على كافة المستويات داخل المملكة العربية السعودية في نجاح الطرح العام الأولي، وتصبو رؤيتهم إلى جعل شركة أرامكو السعودية مثل شركة إكسون موبيل، بل وأكبر منها بكثير".

تحميل المزيد