المرأة كائن إنساني، تماماً كالرجل، قد تختلف الأدوار، وربما المهمات، في بعض المراحل والحالات، لكن محاولة تمييزها وتخصيصها بداية الوقوع في الفخ، وبداية المعالجة الخاطئة.
لا شك أن المرأة، في الواقع، وفي مجتمعنا تحديداً، تعاني الكثير لكونها امرأة.
المرأة في إطار المجتمع المقموع :
صحيح أنه في إطار المجتمع المتخلف والمقموع يقع الاضطهاد والاستغلال على الإنسان، بغض النظر عن كونه ذكراً أو أنثى، كبيراً أو صغيراً، وبالتالي يعاني من هذه الحالة الجنسان، وإن بأشكال ومظاهر مختلفة جزئياً ونسبياً، إلا أن ما تعانيه المرأة في ظل العلاقات الاجتماعية والاقتصادية السائدة أكبر مما يعانيه الرجل، لكن هذا الفرق في النسبة يجب ألا يجزّئ النظرة، أو يغيب جوهرها وطبيعتها، بحيث يحولها إلى صراع بين الرجل والمرأة، بدل أن تكون نضالاً مشتركاً ضد الاضطهاد والاستغلال الذي لا يميز، والذي يطال الاثنين معاً.
المرأة تحت شعار التحرير :
إن شعار تحرير المرأة، في ظل مجتمع مستغل ومقموع، وبمعزل عن تحرير المجتمع ككل، يؤدي إلى افتعال معارك وهمية تستنزف الكثير، وبالتالي يؤخر التحرير الحقيقي للمرأة، أو قد يقود إلى جملة من المظاهر والسلوك من شأنها توهم الخصم، لا تحديده حقيقة وفعلاً، الأمر الذي يضطر إلى دفع فواتير مدفوعة سابقاً، ولا يفضي إلى نتيجة حقيقية.
يجب مواجهة المجتمع المتخلف ككل، واعتباره كلاً لا يمكن ولا يجوز اختصاره بعدد من الشعارات التي قد تبدو مغرية، كما لا يمكن تجزئة هذا المجتمع، والافتراض أنه يستطيع الوصول إلى تحرير المرأة بمعزل عن الرجل أو بمناوأته؛ إذ من خلال مواجهة التخلف، ومقاومة القمع، وعن طريق الرجال والنساء معاً، يمكن تحرير المرأة من خلال تحرير المجتمع، والعكس غير ممكن.
المرأة في ظل المجتمع الذكوري :
صحيح أن القيم السائدة في المجتمع هي قيم المجتمع الذكوري، وقد ولّدت تراتبية جعلت المرأة تعتقد أحياناً أنها في حالة أدنى من الرجل، كما خلقت ما يمكن تسميته حقوقاً مكتسبة للرجل على حساب المرأة، هذه حقيقة لا يمكن إنكارها؛ أكثر من ذلك يتشبث بهذه التراتبية العديد من الرجال، مما يحمل المرأة، وكرد على هذا الوضع، لأن تعتبر الرجل، مجرد رجل، الخصم الذي يجب مقاومته لانتزاع حقوقها، دون الالتفات إلى طبيعة العلاقات الاجتماعية المسيطرة.
المرأة والحركات النسوية:
إن الحركات النسوية، السياسية منها على وجه التحديد، التي تعتبر هدفها تحرير المرأة، وهي في الأغلب تضم النساء فقط، وتتوجه إلى المرأة وحدها، هذه الحركات، بالإضافة إلى خطأ أو قصور منطلقاتها، لم تستطِع أن تحقق مكتسبات حقيقية للمرأة، كما لم تستطِع الاستمرار أو المحافظة على زخم انطلاقتها الأولى؛ لأنها كانت تضع المرأة في مواجهة الرجل، وتقسم المجتمع بشكل جنسي، مُغيبة أو متجاهلة، الاستغلال والقمع الواقعين على المستغَلين والمقموعين بغض النظر عن الجنس، اللذين يطالان الاثنين معاً.
إن القمع في بلادنا، وفي بلاد كثيرة أيضاً، يأخذ شكلاً هرمياً؛ إذ يبدأ من الأعلى ويتجه نزولاً، بحيث نلاحظ أن قسماً كبيراً من المقموعين يقمع من هم دونه، حتى نصل إلى قاع الهرم الإنساني؛ حيث نرى ناساً يقمعون الحيوانات، وينتقمون من الممتلكات العامة، ولا يترددون في الإساءة إلى الطبيعة بأشجارها وآثارها وما تصل إليه أيديهم، مما لا يعتبر ملكية خاصة بهم.
هذا السلوك في أحد وجوهه، وإن كان سلوكاً أعمى، يعبر عن رفض القمع الهابط من الأعلى، وحين يعجز عن مقاومته، أو حتى تحديده، يتوجه إلى ما يعتبره خصماً حقيقياً أو مفترضاً، بحيث تبدد طاقة المقموع، وينجو القامع الحقيقي من العقاب، في الوقت الذي يستطيع الوعي والتنظيم وسلم الأولويات أن يحدد الهدف الحقيقي، ويحشد من أجل تحقيقه.
مظاهر الحركات النسوية السياسية:
الحركات النسوية السياسية، في بعض مظاهرها، تخطئ في تحديد الخصم، وتعجز بالتالي عن الوصول إلى الهدف الذي تدعيه، وهي تشبه في حالات كثيرة الثورة العمياء؛ إذ تعبر عن عاطفة وعن رغبة في التحرر، وقد تضحي من أجل ذلك، لكنها غير قادرة، بنظرتها وأدواتها، على تحقيق الهدف، ولأنها تنطلق اعتماداً على رغبة الاستقلال والتميز، في الوقت الذي يجب أن يشترك فيه المجتمع بأسره، برجاله ونسائه، في عملية التغيير.
المرأة والمجتمع:
المرأة محكومة بالمجتمع قوة واتجاهاً ووعياً، إنها فاعلة وقوية بمقدار انسجامها وتفاعلها مع حركة المجتمع، وكل محاولة للاختلاف أو الاختصار أو التميز تنعكس على المحصلة النهائية لحركة المجتمع ككل، وتشكل بالتالي خسارة للتحرر الفعلي للمرأة، أي للمجتمع بأسره، مهما كانت النوايا.
أدب المرأة العربية:
إن الكثير مما كتبته المرأة، وبالتأكيد ليس كله، ينطلق من الفكرة النسوية السياسية "Femineste"، وهذا ما يجعل تلك الكتابة حبيسة الشرنقة، لا تتنفس الهواء إلا بمقدار، ولا تخاطب المجتمع كله، سواء من حيث اختيار الموضوعات، أو تحديد محاورها، أو طريقة تناولها.
صحيح أن للمرأة همومها ومشاكلها وأحاسيسها، وتفترض أنها أولى من غيرها بالمعالجة وتسليط الأضواء عليها، وتقترض أيضاً أن الرجل، المسيطر زوّر الكثير، أو عرض من الخارج هذه الهموم والمشاكل والأحاسيس، وبالتالي لا بد أن ترد لها الاعتبار، وأن تعيد ترتيبها ضمن نسق أكثر صحة وأكثر أهمية مما فعل الرجل، وهكذا غرقت في الأمور الصغيرة، إذا صح التعبير، والتي وضعها الرجل – الكاتب كفخ، لكي ينفرد وحده بالقضايا الكبيرة.
أخيراً:
لا بد من توسيع دائرة هموم واهتمامات الكاتبات العربيات، يقول الكثيرون الذين درسوا فولبير إن مدام بوفاري هي الكاتب/نفسه، أو الوجه الآخر الذي لا يعرفه الناس، ويبنون على هذا التقمص الكثير من الاستنتاجات، فأين الكاتبة العربية القادرة على أن تتحول إلى فراشة، وتستطيع مغادرة الشرنقة التي فرضها الرجل، لتتكلم بطريقة لا يستطيع القارئ أن يميز، أو أن يكون واثقاً، فيما إذا كان من يقرأ رجلاً أو امرأة؟
كل عام وكل الحرائر بخير
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.