لا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نعيد ميتاً للحياة حتى ولو كان هذا الشخص الميت أعز الناس علينا، ودائماً نرضى بما نسميه قضاء وقدراً بناءً على حاجة نفسية أو معتقد ديني أو تبسيطاً للواقع، وكذلك لا يمكننا تغيير جنس مولودنا طبيعياً من أنثى إلى ذكر أو العكس، وهو نظام طبيعي موضوع بدقة من خلال موجِده، وليس لنا فيه يد مباشرة، وكذلك ليس بإمكاننا تغيير آبائنا أو أمهاتنا، وكذلك أفراد عائلتنا الحقيقيين.
وعلى الجهة الأخرى هناك كثير من الأمور نستطيع تغييرها وتبديلها مهما كانت صعوبة تحقيق هذا الأمر فهي قابلة للتطبيق، وقد تكون الأمور صعبة علينا قليلاً، ولكننا بالنهاية نتجاوزها وتمحى الغصة المرتبطة بتغييرها.
فالكثير منّا يحب سيارته ويقرر يوماً ما أن يبيعها أو يشتري واحدة جديدة، وتكون عزيزة عليه جداً، ومع الوقت يصبح هذا التغيير وكأنه لم يكن، وكذلك أن نبيع بيتنا أو نستبدله بآخر، وخصوصاً إن كان بيت الطفولة حينها ستكون الغصة أكبر، لكن في النهاية نتعود الأمر وتتذكره فقط في المناسبات بعد أن نعتاد على بيتنا الجديد.
وهناك العديد العديد من الأمثلة.
الشيء الذي لا يمكن أن نعتاد عليه أو تزول غصته من داخلنا مهما تبدلت ظروفنا، هو أن نرى ثمرة لزواج والدين كانت علاقتهما مدروسة منذ البداية وتجمعهما أواصر محبة واحترام قد قررا الانفصال.
إن أغلبية علاقات الزواج في مجتمعاتنا تعتمد على الطريقة التقليدية في اختيار الفتاة التي ستكون الزوجة المستقبلية، فغالبية العادات والتقاليد تقتضي تمام الزواج من دون دراسة كافية للشريك، وهو ما ينتج عنه في الكثير من الأحيان غصات للطرفين إجمالاً، وتكون متابعة هذه العلاقة والاستمرار فيها فقط حفظاً للعادات والتقاليد، وخوفاً من الظهور بمظهر الفشل أمام المجتمع، وكذلك ينتج عن هذا الزواج أولاد قد يعيشون لفترات طويلة في كنف والدين غير متحابين كل ما جمعهما هو الخجل والخوف من التغيير، وكذلك تزداد كثيراً حالات الطلاق، مما يؤدي بالأطفال حينها إلى سعير العلاقات الفاشلة.
كل تلك العلاقات الزوجية قابلة للفشل نتيجة عدم المعرفة الجيدة من كل طرف بالآخر وهو ما يجنيه النسل القادم، ولكن أكثر الأطفال تأثراً بفشل علاقة الأبوين هم ثمرة الزواج غير التقليدي الذي يعتمد في أغلب الأحيان على علاقة الحب المدروسة بين الطرفين، والتي تفضي إلى إنجاب أطفال أصحاء نفسياً بالدرجة الأولى كون الأبوين يجمع بينهما الحب، وهو ما سيكثفانه مع مولودهما، وسينشأ الأطفال أقوياء وبعيدين عن حالة الخوف، وسيتابعون حياتهم بخطى ثابتة نحو مستقبل مخطط له بعناية وثقة داخلية كبيرة، وستقود بالنهاية إلى علاقة جديدة يسودها الحب والاحترام المتبادل، ويجنون ثمارها أطفالاً صالحين وهلمَّ جرّا.
ولكن قد يصيب هذه العلاقة فيروس غير متوقع يؤدي إلى انهيار تدريجي في البناء الأساسي للعائلة فيؤثر على الجميع دون استثناء، وحينها يسود حياة الأطفال نوع من سوداوية المجهول، وخوف كبير من نتائج علاقة الأبوين، وللأسف الشديد ففي مجتمعاتنا يتحدد مصير علاقتنا كأزواج عندما نبدأ بالنظر للشريك من خلال سلبية معينة تصبح كل شخصيته في نظرنا مجموعة من السلبيات، وتأتي هذه النظرة نتيجة تراكمات لم تعالج في حينها، ويبقى كل طرف يصبر سنوات على تجاوزات الآخر، فندقّ باب المحاكم ونعجل بالخلاص ممن كان يوماً يشكل الجزء الآخر من القلب، ونبقى على هذه الحال حتى تتم إجراءات الخلاص والطلاق، ويكون الضحية مَن علمناه وأنشأناه على المحبة ثم في لحظة سحبنا كل صلاحيات تلك المحبة منه، فسيصبح من المستحيل أن نستطيع تغيير ما حُطم في داخله مهما حاولنا، فيصبح داخله ثالوث يشكل الموت والولادة قاعدته.
نصائح عامة قد تساعد في تخفيف وطأة قرار الطلاق على الطفل:
– التمهيد للطفل بفكرة الانفصال وإعطاؤه وقتاً كافياً ليتفهم موقف الطرفين.
– إقناع الطفل بعدم تأثير ذلك على حياته فالذي اختلف عدم تواجد الوالدين في البيت معاً، ولا بأس من اللقاء الجماعي بين الحين والآخر.
– حتى لو قرر الوالدان الانفصال يجب أن تبقى علاقة الصداقة حاضرة بينهما حتى يشعر الطفل بقيمة الاحترام.
– متابعة الطفل بشكل دوري من قِبل الوالدين وإعطاؤه وقتاً كافياً من كل طرف.
هامش: إن كانت عملية الموت والولادة ليست بأيدينا، فالحب سلاح فعال في أيدينا لمواجهة الحياة وبناء مجتمع صحي لأطفالنا من الداخل أولاً وقبل كل شيء.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.