كيف أوفى ترامب بوعده لخطوط الطيران الأميركية الكبرى وأهمل حلفاءه في الخليج؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/24 الساعة 03:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/24 الساعة 03:43 بتوقيت غرينتش

يوم الإثنين 20 مارس/آذار 2017، وفي الثامنة مساء بتوقيت عمّان، نشرت الخطوط الملكية الأردنية إعلاناً على حسابها بموقع تويتر، تقول فيه إنه "بناء على تعليمات الجهات الأميركية المعنيّة، نود أن نُعلم أعزاءنا المسافرين من الولايات المتحدة وإليها، أن اصطحاب الأجهزة الإلكترونية والكهربائية على سطح الطائرة صار ممنوعاً بشكل كامل".

لاحقاً، حذف حساب الخطوط الأردنية التغريدة، لكن خلال يوم واحد كان الجميع قد علم بالأمر. قرر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حظر جميع الأجهزة الإلكترونية على الرحلات المباشرة القادمة إلى الولايات المتحدة من 10 مطارات في الشرق الأوسط، من بينها مطارات دبي، والدوحة، وأبوظبي، والرياض، وجدة.

لكن، لماذا قرر الأميركيون ذلك؟ هذه محاولة لاستكشاف أسباب القرار، الذي يؤكد الخبراء أن تبعاته الأمنية قد تكون أخطر من ذي قبل.

في السابع من فبراير/شباط الماضي، نشرت صفحة "الشراكة من أجل سماوات مفتوحة وعادلة" على فيسبوك مقطع فيديو يقول إن الصفقات التجارية المشبوهة تدمر الاقتصاد الأميركي وتحرم الأميركيين من وظائفهم. ومستخدماً شعارات شركات طيران الإمارات، والاتحاد، والخطوط القطرية، أشار المقطع إلى أن الشركات الممولة من حكومات أجنبية تهدد الموظفين الأميركيين. ضم الفيديو مشاهد من خطابات سابقة لدونالد ترامب يقول فيها إنه لن يسمح بالغش في التجارة.

كانت تلك "الشراكة" ليست إلا مبادرة جمعت شركات الطيران "التراثية" الكبرى في الولايات المتحدة، دلتا، ويونايتد، وأميركان إيرلاينز، ولم يكن المقطع إلا تقدمة للقائهم المرتقب الرئيس الأميركي، والذي عُقد بعد يومين فقط من نشر الفيديو.

أجندة خفية لاجتماع معلن


عندما التقى ترامب رؤساء الشركات الكبرى، كان هؤلاء يحملون قائمة واضحة تضم مطالبات بتحسين البنية التحتية للمطارات الأميركية -التي وصفها ترامب في أولى مناظراته الانتخابية بأنها تشير إلى أن الولايات المتحدة قد أصبحت من دول العالم الثالث- ووظائف قطاع الطيران، وتحديث النقل الجوي، وإصلاح أنظمة الضرائب.

لكن مطلباً واحداً لم يكن على الأجندة الرسمية للاجتماع، على الرغم من أنه الأهم بالنسبة لهم جميعاً، كان باختصار: التضييق على شركات الطيران الأجنبية، تحديداً القطرية والإماراتية، في السوق الأميركية.

تريد تلك الشركات إلغاء اتفاقية الشراكة "السماوات المفتوحة"، والتي تأسست عام 1992 وتضمن للطيران الخليجي مجالاً مفتوحاً في السوق الأميركية.

انتهى الاجتماع الذي حضره مسؤولو شركات طيران أخرى ورؤساء مطارات بتصريحات غير مشجعة من ترامب.

قال ترامب إنه يعلم جيداً حجم الضغط الذي ترزح تحته شركات الطيران الأميركية بسبب المنافسة الأجنبية، لكنه أتبع بقوله: "نريد أن نجعل الأمور أفضل بالنسبة لهم أيضاً". في الحقيقة، كان ترامب يشير إلى أن الأموال التي تجنيها الولايات المتحدة من شركات الطيران تلك لا تقل بحال عن الخسارة التي تتكبدها شركات الطيران.

كان ترامب يشير إلى الاستثمارات الضخمة التي تضخها الإمارات وقطر في السوق الأميركية، والتي تخدم العمال الأميركيين في كل الأحوال، لكن الأهم بالنسبة لقطاع الطيران، هو أن الخطوط القطرية، وطيران الإمارات، وطيران الاتحاد، جميعها تشتري أعداداً كبيرة من الطائرات والمحركات من المصنّعين الأميركيين؛ مثل شركات بوينغ، وجنرال إلكتريك، ويونايتد تكنولوجيز، وهذا في حد ذاته يدعم الآلاف من الوظائف ذات العائد الجيد في الولايات المتحدة.

أي خسارة تتكبدها شركات الطيران الأميركية؟


في مارس 2015، قامت شركات الطيران الأميركية الثلاث الكبرى بتقديم مغلف من 55 صفحة إلى إدارة باراك أوباما، كانت الشركات تتهم حكومات الخليج بدعم وتمويل غير عادل لمنافسيها في الإمارات وقطر، وصل إلى 42 مليار دولار في ذلك الوقت (تقول الشركات إن الدعم وصل إلى 50 مليار دولار).

ورغم أننا لا نعرف الأرقام التي قد تكون الشركات الأميركية قد خسرتها بدقة نتيجة التوسع القطري والإماراتي في السوق الأميركية، فإن مشاهدات عدة يمكن رصدها في هذا الإطار.

ففي عام 2015، قررت شركتا دلتا ويونايتد إيرلاينز وقف رحلاتهما المباشرة بين الولايات المتحدة ودبي، بينما لا تزال شركات الخليج تستمر في توسعها؛ إذ أعلن طيران الإمارات في يناير/كانون الثاني الماضي عن مسار جديد يضم طيراناً مباشراً بين أثينا باليونان، ونيوآرك بنيوجيرسي، وهو ما أدى إلى غضب أكثر حدة من الشركات الثلاث الكبرى.

الشركات الخليجية وحدها تقوم بنقل أكثر من 2000 شخص يومياً من الولايات المتحدة وإليها، وتحتل تلك الشركات، إضافة إلى الخطوط الجوية التركية، موقع الصدارة في نقل المسافرين إلى الولايات المتحدة عبر الشرق الأوسط.

فضلاً عن ذلك، فقد أوقفت الشركات الأميركية الكبرى رحلاتها المباشرة أو قللت من أعدادها إلى شبه القارة الهندية بسوقها الضخمة، وكذلك تقول بعض الشركات الأوروبية إنها تأثرت بالدعم الخليجي لشركات الطيران.

فإذا كنت مهندساً هندياً تعمل في وادي السيليكون وأردت أن تعود لزيارة عائلتك، فقد كان الخيار أمامك أن تستقل طائرة يونايتد إيرلاينز إلى فرانكفورت، ثم منها عبر طائرة لوفتهانزا الألمانية إلى بانجالور في الهند، لكن الآن، كل ما عليك فعله هو استقلال طائرة الإمارات الأقل تكلفة والأكثر راحة إلى دبي، ولن تنتظر طويلاً قبل أن تستقل طائرة أخرى لطيران الإمارات إلى عائلتك، الخيار يبدو محسوماً.

تجدر الإشارة أيضاً إلى أن شركات الطيران الأميركية لا تعترض على الدعم من حيث المبدأ، فهذه الشركات تأسست بالدعم الحكومي في الغالب، وتم دعمها بشكل كبير من قبل الإدارات الأميركية المتعاقبة الذي بلغ 150 مليار دولار بحلول 1999. أيضاً، لا يمكن إغفال الشراكات بين تلك الشركات، وشركات أخرى أكثر تمتعاً بالدعم الحكومي، مثل شراكة دلتا إيرلاينز مع خطوط شرق الصين المدعومة بقوة حكومياً؛ بل إن لديها شراكة مميزة مع خطوط آليتاليا الإيطالية التي تتحكم في أسهما وتمولها شركة -احزر- الاتحاد الإماراتية!

الجميع ليسوا خاسرين


على الرغم من أن الشركات الثلاث الكبرى هي الأكثر ضجيجاً في هذه المعركة، فإن هناك العديد من شركات الطيران الأميركية الأخرى التي ترغب في الحفاظ على الوضع القائم.

فشركات طيران هاواي وجيت بلو، بالإضافة إلى شركات النقل الجوي مثل فيديكس FedEx وأطلس، جميعها أسست تحالفاً سمته "خطوط الطيران الأميركية من أجل سماوات مفتوحة"، وتدعم فيه الاتفاقيات القائمة.

نقرأ على الموقع الإلكتروني لهذا التحالف ما يلي: "لا تمثل خطوط يونايتد إيرلاينز، ودلتا إيرلاينز، وأميركان إيرلاينز كل خطوط الطيران الأميركية"، ويتابع النص: "هذه ليست معركة خطوط الطيران الأميركية مقابل الخليجية، لكنها مجموعة صغيرة من شركات الطيران الأميركية الكبرى التي تريد أن تحدد المنافسة ضد مصالح الشركات الأميركية الأخرى، وحرية السفر والسياحة، والمستهلكين الأميركيين".

يعتقد التحالف أن تحجيم الشركات الخليجية سيمنع شركات عالمية أخرى من الدخول في السوق الأميركية، لكن هذا ليس السبب الذي يدفع أعضاءه لمطالبة إدارة ترامب بالإبقاء على الأمور كما هي.

"تأتي خطوط الطيران الأجنبية بالآلاف من المسافرين إلى الولايات المتحدة، وهو ما يخلق طلباً متزايداً على الرحلات الداخلية لشركات الطيران الأصغر"، كما نقرأ على موقع التحالف.

ولأن خطوط الطيران الدولية، والخليجية على رأسها، ممنوعة من الطيران بين مطارات الولايات المتحدة، تستفيد شركات الطيران المحلية؛ مثل جيت بلو، وألاسكا إير، وخطوط هاواي، من نقل هؤلاء المسافرين داخل الأجواء الأميركية.

ولذلك، فقبل يومين فقط من لقاء رؤساء الشركات الكبرى ترامب، أرسل مديرو جيت بلو، وفيديكس، وأطلس إير، وخطوط هاواي رسالة مشتركة إلى وزير الخارجية ريكس تيلرسون، قائلين فيها إن "خطوط الطيران الكبرى -للأسف- تريد تحجيم شراكة السماوات المفتوحة والتقليل من المنافسة في سوق مُضيق عليها وتتركز في أيدي الكبار فقط".

لمن يستمع ترامب؟


على مدار السنوات الماضية، حاولت شركات الطيران الأميركية الكبرى التأثير على إدارة أوباما ومطالبته بمنع شركات الطيران الخليجية من تقديم رحلات أقل تكلفة إلى الولايات المتحدة، وباءت تلك المساعي جميعها بالفشل. لكن الخطاب الشعبوي للرئيس الأميركي الحالي الذي يستخدم شعار "أميركا أولاً"، شجّع الشركات الأميركية على مخاطبته بشكل أكثر إلحاحاً.

ففي اليوم التالي لفوز ترامب بالانتخابات، أعلنت الشراكة من أجل سماوات مفتوحة وعادلة رغبتها في لقاء الرئيس و"إطلاعه على معلومات حول الدعم الهائل والظالم الذي تقوم به الإمارات وقطر لخطوط طيرانها".

استجاب ترامب على ما يبدو، ونظرة على المؤيدين لقراره تخبرنا بالكثير.

فعضو الكونغرس الديمقراطي عن كاليفورنيا، آدم شيف، عبر عن تأييده على موقع تويتر قائلاً إن "القرار ضروري ومناسب"، لكن آدم شيف نفسه كان واحداً من بين 262 عضواً في الكونغرس الذين وقعوا على المغلف ذي الـ55 صفحة الذي يحتج على دعم شركات الطيران الخليجية.

خبير الطيران، ومؤسس موقع View from the Wing، غاري ليف، يقول إن القرار "الأمنيّ" يبدو كما لو أنه جاء ليعطي شركات الطيران الكبرى ما كانت تسعى إليه منذ أمد طويل.

هل القرار أمنيّ حقاً؟


في بيان أصدرته وزارة الأمن القومي الأميركية، تم تبرير استصدار القرار بأنه جاء "بناء على تقييم استخباري أكد أن الجماعات الإرهابية ستستمر في استهداف الطيران التجاري، عن طريق تهريب أجهزة متفجرة".

لكن خبراء يتحدثون عن أن خطورة تفجير أجهزة إلكترونية لن تقل بوضعها في باطن الطائرة؛ بل إن القرار ذاته يعارض قراراً أمنياً كانت إدارة الطيران الفيدرالية الأميركية قد أصدرته وتحظر بموجبه وضع بطاريات الليثيوم (وهي البطاريات التي تستخدمها الحواسب المحمولة) داخل حمولة الطائرة.

ساج أحمد، خبير طيران ومحلل رئيسي بمركز ستراتيجيك آيرو البحثي، قال لـ"الجزيرة" إن أي إرهابيّ يستطيع أن يسافر من أحد مطارات الشرق الأوسط المتضررة من القرار، ليبدل طائرته ويسافر بأجهزته المتفجرة من مطار آخر إلى الولايات المتحدة! وهو ما يقول إنه دليل على خطل القرار الأمني.

من ناحية أخرى، يظهر أن معتادي السفر بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط قد قرروا إعادة التفكير في خياراتهم بشأن استخدام خطوط الطيران الخليجية.

يقول آشيف ميمون، وهو مواطن أميركي يقيم بالسعودية ويعمل خبير أمن إلكتروني، إنه سيتجنب السفر عبر شركات الطيران الخليجية حتى انتهاء الحظر المقرر في أكتوبر/تشرين الثاني من العام الجاري. "لا يريد أحد أن يضع أجهزته الإلكترونية الثمينة المليئة بالمعلومات الشخصية أو بيانات العمل الحساسة في قاع الطائرة، سينتهي الأمر بأجهزتك إما مسروقة وإما مخترقة وإما تالفة.

الجمعة، هو اليوم الأخير في المهلة التي حددها القرار الأميركي لشركات الطيران كي تطبق حظر الأجهزة الإلكترونية، وربما هو اليوم الأول في عهد جديد تأمل الشركات الأميركية الكبرى تدشينه في التعامل مع شركات الطيران الخليجية الأكثر كفاءة والأقل تكلفة للمستهلكين.

في أثناء انعقاد اللقاء بين دونالد ترامب والرؤساء الثلاثة لشركات الطيران الأميركية الكبرى، نشر موقع بيزنس إنسايدر مقالاً يقول كاتبه إن الأمر الذي سينقسم المجتمعون في البيت الأبيض حياله، هو كيف ستتصرف واشنطن تجاه شركات طيران الخليج العربي، لكن القرار الأخير يخبرنا بأن ترامب ورؤساء شركات الطيران لم يختلفوا، وأن حجة الأمن القومي سيستخدمها من يشاء كما يشاء، فمن يستطيع أن يجادل أمام الأمن القومي؟!

تحميل المزيد