بدءاً من الثلاثاء 21 مارس/آذار، لم يعد يُسمح للركاب المسافرين إلى الولايات المتحدة من 10 مطاراتٍ في ثماني دولٍ ذات أغلبيةٍ مسلمةٍ بحمل أجهزة الآيباد أو الكمبيوتر المحمول أو أي أجهزة اتصالٍ أكبر من الهواتف الذكية على متن الطائرات.
وينطبق هذا على المسافرين القادمين من مصر والأردن والكويت والمغرب وقطر والمملكة العربية السعودية وتركيا والإمارات العربية المتحدة، على متن رحلات شركات مصر للطيران وطيران الإمارات والاتحاد للطيران والخطوط الجوية الكويتية والخطوط الجوية القطرية والخطوط الملكية المغربية والخطوط الملكية الأردنية والخطوط الجوية العربية السعودية والخطوط الجوية التركية.
لماذا إذاً اتَّخذت الولايات المتحدة مثل هذه القوانين؟ وكيف ستنجو من الانتقادات بشأنها؟
الولايات المتحدة تقول إنها مجرد إجراءاتٍ أمنية
قالت حكومة ترامب إن القوانين الجديدة جاءت على خلفية المعلومات الاستخباراتية التي تُشير إلى أن الإرهابيين مستمرون في استهداف رحلات الخطوط الجوية المتجهة إلى الولايات المتحدة. وصرَّح مسؤولٌ مطلعٌ على القوانين الجديدة -رفض الإفصاح عن هويته- أن المسؤولين قلقون من حقيقة قيام جماعةٍ إرهابيةٍ سوريةٍ بمحاولة صنع قنابل يصعب الكشف عنها داخل الأجهزة الإلكترونية.
ورغم ذلك، يرى كلٌّ من ديميتري سيفاستوبولو وروبرت رايت، من صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، أن المتابعين غير الأميركيين يُشككون في صحة هذا التفسير.
وأوضحا أن الولايات المتحدة لم تكن صريحة حول ما إذا كان هذا القانون وُضِعَ بناءً على معلوماتٍ استخباراتيةٍ حديثة، أم جاء نتيجة مخاوفٍ قديمة. كما لا يوجد تفسيرٌ منطقي عن سبب القلق من وجود أجهزةٍ إلكترونيةٍ في مقصورة الركاب، بينما يُسمح بوجودها داخل عنبر الأمتعة على الطائرة.
هناك تفسيرٌ بديل
لكن الأمر قد لا يكون متعلقاً بالأمن، فإن ثلاثاً من شركات الطيران التي استهدفتها القوانين الجديدة -طيران الإمارات والاتحاد للطيران والخطوط الجوية القطرية- سبق أن اتهمها منافسوها الأميركيون بالحصول على مساعداتٍ ماليةٍ ضخمةٍ من حكومات بلادهم. وشعر المسؤولون عن شركات الطيران هذه بالقلق من قيام ترامب بالانتقام منهم، وقد يكون هذا هو انتقام ترامب.
ومن المتوقع أن تخسر شركات الطيران الثلاث هذه، بالإضافة إلى بقية شركات الطيران التي استهدفتها القوانين الجديدة جزءاً كبيراً من أعمالها المتعلقة بأكثر عملائها مكسباً، وهم المسافرون على درجة رجال الأعمال والدرجة الأولى.
فعادةً ما يرغب المسافرون على درجة رجال الأعمال في ممارسة أعمالهم أثناء رحلتهم على متن الطائرة، والسبب الذي يدفعهم لحجز تذاكر درجة رجال الأعمال أو الدرجة الأولى هو رغبتهم في ممارسة أعمالهم بهدوء وراحة. ولن يشعر هؤلاء المسافرون بالسعادة عند اضطرارهم لممارستها باستخدام هواتفهم الذكية دون استخدام باقي الأجهزة الالكترونية.
ونتيجةً لذلك سيتوقف أغلبهم عن السفر على متن شركات الطيران الخليجية، وسيلجأون إلى شركات الطيران الأميركية بدلاً منها.
وأوضحت صحيفة فايننشال تايمز، أن القوانين الأخيرة لا تؤثر على رحلات شركات الطيران المباشرة من وإلى الولايات المتحدة فقط، بل يمتد تأثيرها ليطال "محاور الخطوط الجوية" التي تعتبر مركزاً لأعمال شركات الطيران المستهدفة. فهذه الشركات لا تقوم بنقل الركاب من منطقة الخليج العربي إلى الولايات المتحدة فقط، بل يقومون أيضاً بنقل الركاب من وجهات متعددة، ويسمحون لهم بتغيير طائراتهم داخل محاور الخطوط الجوية.
وتعتبر منظومة "محاور الخطوط الجوية" نموذجاً اقتصادياً فعالاً لشركات الطيران في الرحلات الجوية الطويلة، إذ توفِّر عليهم الكثير من النفقات. لكنها في الوقت نفسه تُشكِّل نقطة ضعفٍ كبيرة. فإذا نجح المنافسون أو الدول غير الصديقة في التقليل من شأن المحور أو الإضرار به، فسيتسبب ذلك في وقوع خسائر اقتصاديةٍ فادحة.
الولايات المتحدة تقوم بتعزيز التكافل الاقتصادي
ويمكن تفسير هذه القوانين الجديدة، كنوع من محاولة الولايات المتحة "تعزيز التكافل الاقتصادي". نحن نعيش اليوم في عالم تكافلي، حيث تمتد الشبكات العالمية بين مختلف البلاد، لتخلق فوائد هائلة من جهة، وتجسّد فوارق كبيرة في السُّلطة في الوقت ذاته.
وكلما توسَّعت الشبكات، تميل إلى تركيز تأثيرها وقوتها في عددٍ من المواقع الرئيسية، لتخلق بذلك فرصاً هائلةً للدول والمشرعين والجهات غير الحكومية التي تمتلك نفوذاً في تلك المواقع.
ويعني هذا الأمر، أن الولايات المتحدة قررت الاستفادة من سيطرتها على إمكانية الوصول إلى المطارات الأميركية، والتي تعتبر بمثابة نقاطٍ مركزيةٍ على خريطة الشبكات العالمية للسفر الجوي بين الوجهات المختلفة. وتستخدم هذه السيطرة لمهاجمة نقاط ضعف الشبكات العالمية الأخرى، من خلال الإضرار بنقاطها المركزية (محاور الخطوط الجوية) وإلحاق الخسائر بها مستقبلاً.
ليس باستطاعة شركات الطيران الخليجية فعل الكثير
حاولت شركات الطيران الخليجية من قبل الدفاع عن نفسها أمام الهجوم السياسي الذي تعرضت له من منافسيها في الولايات المتحدة، عن طريق الدعوة للالتزام بمبادئ التجارة الحرة.
لكن معاهدات التجارة الحرة التقليدية، مثل قوانين منظمة التجارة العالمية، لا تنطبق على شركات الطيران (رغم كونها مُلزِمَةً للقطاعات المرتبطة بشركات الطيران، مثل قطاع صناعة الطائرات).
وقد سمح هذا لشركات الطيران الخليجية بالحصول على مساعداتٍ ماليةٍ ضخمةٍ، دون القلق من إمكانية مقاضاتها عن طريق منظمة التجارة العالمية.
إلا أنه في الوقت نفسه، من الصعب على دول الخليج العربي، وغيرها من الدول التي تأثرت شركات طيرانها بهذه القوانين، أن تُقاضي القوانين الأميركية الجديدة أمام منظمة التجارة العالمية، حتى لو ثبت أن هذه القوانين وُضعت لحماية مصالح الشركات الأميركية والانتقام من الشركات الخليجية، وليس بناءً على المخاوف الأمنية المطروحة.
إلا أنه لو حدث هذا الأمر في قطاعٍ آخر، لكانت قضيةً مُثيرةً للاهتمام.
وتحصل الدول المختلفة على استثناءاتٍ من قوانين التجارة الدولية عندما يتعلق الأمر بأمنها وسلامة مواطنيها وحدودها.
فهل ستنتصر الولايات المتحدة في قضيةٍ مثل هذه نتيجة امتلاكها لمبررٍ أمنيٍ معقول، على الرغم من وجود حجةٍ منطقيةٍ تدل على أن الدافع الحقيقي وراء هذه القوانين لا يتعلق بالأمن؟ أم هل ستُذعن منظمة التجارة العالمية للمبررات المقدمة من الولايات المتحدة؟ ومن المتوقع جداً أن تقوم حكومة ترامب بإصدار المزيد من القوانين الأُحادية التي ستُبرَّر بصيغة الحفاظ على الأمن القومي، على الرغم من كونها مدفوعةً بسياسة الحمائية الاقتصادية، هذا ما ستكشفه لنا الأيام المقبلة.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Washington Post الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.