كلما سمعت أن شخصاً سيلجأ للطب الإسلامي سيتبادر إلى الأفهام استخدام الأعشاب والنباتات ومنقوع بعض أنواع الفواكه أو شرب اليانسون، بالإضافة للإكثار من استخدام حبة البركة وبقية هذه الأشياء "الطبيعية"!
بداية.. مصطلح الطب الإسلامي المبهم قضية، واستخدام العسل والأعشاب.. إلخ، قضية أخرى!
لا ننكر وجود توصيات وأحاديث نبوية تخص الصحة، وأن هناك أيضاً ممارسات جرت خلال فترة الرسالة المحمدية، إلا أنها وجدت عند العرب سابقاً كموروث سلوكي سموه "الطب العربي"، وكان آخر ما توصل إليه الناس فيما توافر لهم من أدوات ومعتقدات، صحيحاً كان أم خطأً، وقد استفاد منها المسلمون كطب، كما كان متوافراً لهم أيضاً طرق للزراعة والتجارة وهكذا، وبعض الممارسات لم ينفِ الطب الحديث صحتها، ولكنه لم يجزم بأنها تفوقت على آخر النتاجات العلمية!
هذا النوع من الممارسات الطبية -إن صح التعبير عنها- جاءت خلال فترة الرسالة التي أتت بتشريعات إلهية، ولم يكن أبداً هدف الرسالة المجيء بطب جديد! لا يحتاج النبي ليكون طبيباً لتثبت نبوته، ولا يخفى علينا معنى الحديث النبوي "أنتم أعلم بأمور دنياكم"، فلم يأتِ الإسلام بطب جديد، ولكن بعض التوجيهات، كما أنه لم يأتِ بصناعة ألبان جديدة ولا أقمشة! واستخدام المسلمين للأواني المنزلية وتصنيعها خلال فترة الرسالة لا يعني أن الأواني أصبحت إسلامية.
"الطب الإسلامي" مصطلح خطأ، فلا يوجد طب خاص بالمسلمين، بل ما ارتبط بالمسلمين هو صناعتهم لعصر كامل سمي بالعصر الطبي الإسلامي، ذاك الذي تأسس على ما دعا إليه الإسلام من بحث وتفكير والتوجه نحو العمل الجاد والتجارب العلمية، ففي هذا العصر فكر المسلمون واستقبلوا الأفكار الجديدة، ولم يقل أحد منهم لدينا طبنا الخاص، ولن تجد في مصنفات هؤلاء العلماء الأطباء عنوان "الطب الإسلامي"!
استحدث العلماء المسلمون علاجات لأمراض العيون واليرقان والهواء الأصفر واستعملوا الأفيون لعلاج الجنون وعرفوا أن البواسير سببها الإمساك المزمن.
كما كتب ابن سينا عن "الانكلستوما" في باب من أبواب كتابه تحت عنوان "الديدان المعوية".
المسلمون طوروا ما يعرف بالبيمارستانات (المستشفيات الآن)، تخيل أن العلم وصل بهم في ذلك الوقت إلى أن قسموا المستشفيات، فقسم لأمراض العيون، وقسم للجراحة، وآخر للأمراض المعدية، وقسم للعقلية، كما أن الرازي قسم العلاج للبدني والروحي (النفسي).
فالطب الإسلامي كما يحب أن يسميه البعض في الحقيقة هو الطب الذي نراه الآن في جامعات أوروبا وأميركا، طب يقوم عليه علماء يمضون أوقاتهم في إجراء التجارب وإعداد البحوث، هذا ما حث عليه الإسلام، فالعلوم ليست ملكاً لأحد.
العلاج بالأعشاب والعسل ليس طباً وحده، وليس أمراً يخص الإسلام، ومن يروج له ويقحم الدين، سواء الإسلام أو غيره، ما هو إلا كاهن يفعل ما كان يفعله الجهلة في الوقت الذي كان فيه المسلمون يؤسسون لطب حقيقي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.