حنين إلى الغار!

أما أنا فأفتتح هذا المقال بقولي: أنا لم أتغير، خمس سنوات أخرى من عمري ضاعت سدى، خمس سنوات بقيت أطرح فيها نفس الأسئلة على نفسي، ولم أجد لها إجابات بعد.

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/20 الساعة 02:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/20 الساعة 02:00 بتوقيت غرينتش

في إحدى حلقات برنامجه الرائع "وسم العودة"، يختم الشيخ الفاضل بحق سلمان العودة الحلقة بقوله: "نعم أتغير؛ لأنني لو كنتُ أقول وأنا في الأربعين ما أردّده وأنا في العشرين، فمعناه أن عشرين سنة من عمري ضاعت سدى".

أما أنا فأفتتح هذا المقال بقولي: أنا لم أتغير، خمس سنوات أخرى من عمري ضاعت سدى، خمس سنوات بقيت أطرح فيها نفس الأسئلة على نفسي، ولم أجد لها إجابات بعد.

نعم أجبت على بعضها، ولكن هذا البعض يُهْمَل أمام تلك الأسئلة العزباء التي لا تزال بلا إجابات.
بدأ الأمر -بجدية وقتها- ذات رمضان، حاولت استغلال ذلك الجو الروحاني، ذلك الصفاء، تلك البصيرة، ذلك الهدوء والطمأنينة لأقض مضجعي الآمن أماناً زائفاً، تساءلت وقتها: من أنا؟ ماذا أريد؟ لماذا أريد؟ كيف أريد؟ متى أريد؟ ما هي المهمة التي كلفت بها؟ كيف سأقوم بها؟ كيف أكون خليفة الله في أرضه؟ وبالوجه الذي يريده؟ ما هي قيمي؟ معتقداتي؟ مبادئي؟ مهاراتي؟ نقاط ضعفي؟ نقاط قوتي؟ مجال تخصصي؟ مجال بحثي؟ مجال عملي؟ مجال اهتمامي؟ مجال إبداعي؟

تعددت الأسئلة، وظلت اللازمة التي تسبق كل سؤال: من؟ ماذا؟ لماذا؟ كيف؟ متى؟ وأحياناً "مع من؟"!
بين ذلك الرمضان واليوم، هناك أسئلة لم تفارقني، تلازمني لَيْلَ نَهار، كل وقت وكل الوقت، تصاحبي في كل مكان، فوق كل أرض وتحت كل سماء.. وهناك أسئلة نائمة، تصحو بين الحين والآخر لتؤرقني، وهناك أسئلة، كما الأمنيات.. لا تنام!

هناك أسئلة مُغَيَبَة.. غَيَّبتها عن قصد كما عن غير قصد، وهناك إجابات، إجابات كاذبة ومزيفة، أقنع بها من حولي، والغريب أني أُقنع بها نفسي أيضاً، والأغرب من ذلك أن أقتنع فعلاً، كجوابي على أمي يوم سألتني عن سبب انقطاعي عن الدراسة، طبعاً لم يقنعها جوابي، ولكني اقتنعت، فقط لأن الجواب كان مريحاً، كان هروباً من حقيقة ما، من الجواب على سؤال آخر: "لماذا اخترتُ الهندسة المدنية؟".. وهكذا ضاعت 3 سنوات من عمري في إجابة مزيفة.

هناك إجابات مُعَلَّبَة جاهزة، سطحية وساذجة، تلك التي ساهمت دورات التنمية البشرية في انتشارها وتكريسها، وأستسمحكم هنا لأفتح قوساً أُقِّر لكم فيه إقراراً مخجلاً: (ارتكبتُ الكثير من الحماقات في حياتي، لم أخجل يوماً من حماقةٍ، كخجلي من حماقة التنمية البشرية، الحمد لله الذي لم يُعَمِرني فيها).
وهناك إجابات عفوية، ولكني اكتشفت نفسي فيها، سألني صديقي ذات زيارة: لماذا تكتب؟ ولماذا تنشر ما تكتبه؟!
أجبته وقتها: أنا أكتب لأعرف ذاتي، لأحادثها.. ولأغيرها ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.

بيني وبين ذاتي حاجز، أتجاوزه بالكتابة، الكتابة تجعلني أفهم ذاتي أكثر، وبالكاد هذه الكلمات، التي أُجمِعت في هذا المقال، تكون كلمة السر للولوج #إلى_الغار؛ لأكون فيه فقط، أنا ومقولة غادة السمان: "تمر بك أيام تشعر فيها بأن كل شيء يثقل على صدرك، الذين يحبونك والذين يكرهونك والذين يعرفونك والذين لا يعرفونك، تشعر بالحاجة إلى أن تكون وحيداً كغيمة، أن تعيد النظر في أشياء كثيرة، أن تعود إلى ذاتك مشتاقاً لتنبشها وتواجهها بعد طول هجر، أن تفجر كل القنابل الموقوتة التي تسكنك".

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد