ضرورة رفع الأميّة الدينيّة في تونس

من المسلّم به أنّ العهدين السّابقين من الديكتاتورية أسّسا لمنظومة خبيثة ومرعبة لمحاربة الإسلام والقائمين عليه؛ حيث اجتُثّت أكبر منارة علميّة بإلغاء جامع الزيتونة وفروعه وألغيت الأوقاف، وشدّدت الرّقابة حدّ التجريم على المؤلّفات والمراجع التوسّعيّة للعلوم الشرعيّة،

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/20 الساعة 01:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/20 الساعة 01:57 بتوقيت غرينتش

من المسلّم به أنّ العهدين السّابقين من الديكتاتورية أسّسا لمنظومة خبيثة ومرعبة لمحاربة الإسلام والقائمين عليه؛ حيث اجتُثّت أكبر منارة علميّة بإلغاء جامع الزيتونة وفروعه وألغيت الأوقاف، وشدّدت الرّقابة حدّ التجريم على المؤلّفات والمراجع التوسّعيّة للعلوم الشرعيّة، وعمل الإعلام وسدنة الفرنكوفونيّة على تشجيع الحلقتين الديكتاتوريتين وتحت إمرتهما لتغريب المجتمع والتّرويج للعادات والسلوكات والعقائد الغربيّة الاستعمارية، ووُضع الحجْر على أهل العلم والدّراية والدّعوة لدين اللّه سعياً إلى تعقّب ومحاكمة كلّ من حاول الخروج من دوائرهما واجتياز ما رسماه من مفاهيم إقصائيّة وتجفيفيّة، كما وقعت علمنة المناهج التعليميّة وغيرها من الاستحداثات الجهنّميّة لتهميش الدّين وإبعاد دوره عن الحياة العامّة والعمليّة.

حتّى بدا المجتمع التونسي بعد هذه العقود العجفاء مجتمعاً متصحّراً، هشّ العقيدة وخاوي العلم مليئاً بالترّهات يعمّه الجهل بحقيقة الدين وجوهره، لا يتعدّى في أحسن الحالات أن يعقل بعض صفوته شيئاً من معلوم العبادات، أمّا عامّته فقد حكمتهم الأهواء والانحرافات في المفاهيم وغُمّ عليهم في كثير من أحكام الدين وشرائعه.. أمّا البعض الآخر ممّن تحرّكت فيهم حميّتهم على دينهم فنشدوا الخلاص من هذا التعتيم والتجهيل ووصاية الحاكم على ما يعتنقون ويؤمنون لتفصيله على مزاجه وعلى نمط ما توسوس له به نزعاته اللاّئيكيّة وإملاءات مرجعيّاته، مال هذا البعض ليبحث عما يملأ له هذا النّقص، فكان له ذلك لكن بلا مرجعيّات ولا توثيقات ولا مناهج ولا توجيه، بل بمجهودات فرديّة وتوغّل مفرط في الدّين، فاختلطت الأمور تشابهت المقاصد وتعدّدت التنظيرات، بل اكتست في كثير من الأحايين طابع التشدّد والتنطّع لتلامس سوء الفهم، وبالتالي ضلال الوعي والإدراك، ممّا أدّى هذا إلى تواجد ظاهرة الانتماء إلى الجماعات على مختلف مشاربها والتحاق بعض الشّباب إلى بؤر القتال والمواطن السّاخنة العالميّة في اجتهادات واستنباطات شتّى، ثمّ عاودت الرّجوع محليّاً لتفرز تجاربها وتسقطها على واقع البلاد مع تجنيد من تستهويهم ذات الأفكار والتوجّهات والاجتهادات.

بالمقابل هناك فئات من الشّباب خصوصاً من طلّق انتماءه للدّين والتديّن وانغمس في متاهات بوهيمية وأصبح خاوي القلب وفارغ العقل، ليكون إمّعة تتلاعب به شطحات سدنة التغريب، وشذوذات النّمط، وليصبح أيضاً صيْداً سهلاً للتيارات الشيطانيّة والممارسات المضادّة للأخلاق والقيم والمناقضة للفطرة والمعتقدات الإلحاديّة.

الآن أصبح من أؤكد الحقوق وأشدّ الاحتياجات لإقامة مجتمع متوازن أن تتجنّد كلّ الأطر المعنيّة بمجابهة المدّ الإرهابي واستئصاله وفكّ أخطاره القادمة، وأن تفكّر عمليّاً في ردّ الاعتبار للهُويّة، وخصوصاً الدّين من خلال نقض المفاهيم الفاسدة التي تسوّق للفواحش.

وفي هذا الصّدد نقول إنّ النّاشئة لا بدّ لها أن تتصالح مع دينها، وأن تأخذ تعاليمه على الصّفة الأكاديميّة، حتّى تتكوّن في مجال العلوم الدينيّة وأصولها وفروعها ومقاصدها، تحت إشراف علمي، وأن تتلقّى هذه العلوم على أيادي أساتذة اعتداليين مشهود لهم بالخبرة والاختصاص والكفاءة الأكاديميّة.

إضافة إلى الضرورة القائمة لإصلاح البرامج التعليميّة العامّة، وجب بالأخصّ إدراج العلوم الشرعيّة كشعبة قائمة بذاتها تضاهي باقي الشعب التي تتناول علوم الحياة وتكنولوجيتها، وأن تُدرج لها المناهج وتوفّر لها المراجع والمتطلّبات من المراحل التعليميّة الأولى، حتّى يكون لها تخرّجها الخاصّ وشهائدها العليا التي تساهم لاحقاً في تنوير المجتمع وتنقية مفاهيمه واستئصال العنف والتكفير وما شابه ذلك، والرّجوع به إلى معين العقائد، وصحيح العقائد، وقويم الاجتهادات.

هذا الحلّ هو أهمّ الحلول أمام الحكومة، ومن استقام من المجتمع المدني للمضيّ بجدّية نحو مجابهة الإرهاب للقطع مع أسبابه ومسبّباته، وللتضييق على تطرّف الدواعش والفواحش معاً، كما أنّه الحلّ الأمثل للقطع مع الانحرافات والشذوذات وكل الأمراض الاجتماعيّة التي تنخر المجتمع وتؤسّس للعنف والرّذيلة، وتنذر بالخطر الأكبر، هو حلّ استباقي يؤسّس لثقافة إسلاميّة قويمة الرؤى، وبيئة اجتماعيّة واضحة المعالم.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد