كثيراً ما يتم سؤالي "متى ستتزوج؟" أو "مش ناوي"، وربما يغلف صاحب السؤال سؤاله بشيءٍ من الدعاء "عقالك"، وهكذا غيري الكثير من الشباب في الأرض قاطبة، وهذا وإن قابلناه نحن "الشباب" بنوع من القبول، إلا أنه يبدو كقنبلة نووية عندما يوجه هذا السؤال إلى إحدى الفتيات؛ لأنها وببساطة لا تملك من أمرها شيئاً في مجتمعنا الشرقي، الذي إن رأت فيه إحداهن شاباً مناسباً للزواج بها وأرغمت لسانها على أن يبوح له برغبتها في أن يجمع الله بينهما في حلاله، كان أهون ما تلقاه منه هو أن يرفض طلبها مبرِّراً -ربما كذباً- أنه مقبل على الزواج بأخرى، حتى وإن كان هو الآخر معجباً بها، لا لشيءٍ إلا أنه رأى من جرأتها تلك نوعاً من السقوط! إن لم يكن نتيجة قولها أن يشهر بها وينزلها منزلاً لا تستحقه.
بعيداً عن كل هذا تدور العلاقات الطبيعية -في عالمنا الشرقي- بتساؤلات أخرى، أهمها وأكثرها شيوعاً: "ما هي مواصفات شريك حياتك؟"، ويكأن الإنسان قادر على أن يصوغ قلبه وقدره كيفما يريد، هيهات هيهات لما توعدون!
وفي أغلب الأحيان تبقى ردود هذا السؤال الأخير "كذباَ"، فقد أدعي أحياناً أني أريدها فقط "متدينة"، وأبرر سريعاً بقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: "فاظفر بذات الدين تربت يداك"، وعندما يشير أحدهم بيديه لأكثرهن ديناً تجد علامات الوجوم على وجهي، وبعد أن يعدد محاسنها من تربية دينية وعلم، تجدني أترك وجومي قائلاً: "يا أخي إنها ليست الجميلة التي أبغي"! ألم أقل آنِفاً إني أريدها فقط متدينة، بينما تجدني أحياناً أخرى أكون أقل كذباً، فأعدد أني أريدها "جميلة ومثقفة ومتدينة وقائدة وذات رؤية، وذات نسب وطموح"، وإن كان كل هذا مجتمعاً في إحداهن أخافتني قوتها، أو ادعيت أني أريدها "عاشقة لي"، وإذا كانت كذلك شككت في سلوكها!
وبينما أنا كذلك؛ إذ أجد شاباً "جامعياً مثقفاً" يرتبط بإنسانة أقل ما توصف به "الجهل"، وعندما هممت بسؤاله "لماذا اخترت جاهلة.. أتحبها؟"، أجابني: لا إنني فقط أريد من تسمع كلامي دون مجادلة، وأن تقوم بخدمتي دون ملل، ولا تطلب الخروج للعمل، ولا تحدثني عن حقوق المرأة أو هدايا عيد الحب، فقط أريدها مربية لأطفالي! فسألته ألا ترغب أن يصبح أولادك ذا شأن؟ فأجابني مندهشاً: "بلى.. أوتسأل عن شيءٍ كهذا؟"، فسألته ثانية: وكيف تستطيع تلك "الجاهلة" تربية أطفال يصبحون ذا قيمة؟ أتستطيع مواكبة العصر؟ أتتفهم بقاءهم على الإنترنت؟ وهل تستطيع تقويمهم في الإطار الصحيح لشيء تجهله؟! فأجاب واثقاً: أنا سأفعل هذا عنها، وأردف مستغرباً أمري: ألم يكن حال أمهاتنا هكذا.. ويا أخي لم تنتقد رأيي وأنت تدعي الحرية، ألست حراً في الاختيار ووضع قواعد اختياراتي لحياتي المستقبلية؟
تدبرت كلمته أياماً، وبعد أيام قررت أني "أريدها جاهلة"، جاهلة بالمسلسلات الهندية والتركية وغيرها مما أفسد عقول معظمهن، وسطح ثقافتهن، وأولد حباً لثقافات لا تشبهنا، مستغلاً حالة اضمحلالٍ في أوطاننا، أريدها جاهلة بأنواع أحمر الشفاه، وبزينة متكلفة، جاهلة بتنوع القبلات، واختلاف الأوضاع، جاهلة بأشعار حب مستهلكة، وكلمات مرددة، وحكايات مبتذلة، جاهلة باهتمامات الفنانات وحياتهن التي لا تسمن ولا تغني من جوع، جاهلة بأحاديث النساء الجانبية، ونميمتهن الغريزية، جاهلة بالأبراج وقراءة الكف والفنجان، وميل طبيعي لسحر في قصاصة ورقية، ولكن أين توجد تلك "الجاهلة"، فالعلم عند أغلبهن مرتبط بنجمة تركية أو ممثل هندي، والاهتمام يتمحور ما بين زوج إليسا وفستان شرين! وعندما تتحدث عن إحداهن بسوء تنشدك في كبرياء غريب "الأم مدرسة"، ضاربة عرض الحائط ببقية الشطر الأول من البيت نفسه "إذا أعددتها"، فهل إعدادك في تلك الأمور؟
سكت برهة وأجابتني نفسي حين لحظة "صدق" تائهة، وهل أنت تجهل تفاهات الرجال واهتماماتهم السطحية، وربما عندما تجد تلك الجاهلة تتمنى أن تصبح عالمة بما ترغب اليوم جهله، لأسباب تخفيها في نفسك!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.