طفل يشكّك في حديث للرسول

في أولى إعدادي وأنا ابن الثانية عشرة، كانت أول مرةٍ أسمع فيها الحديث النبوي "مثلما تكونوا يولّى عليكم" من طرف أستاذ مادة التربية الإسلامية، حينها قلت إنَّ هذا الحديث غير صحيح أو غير دقيق، ولأسباب بسيطة عرضتها مع نفسي حين قلت: "أنا أريد الخير والصلاح، وأمي وأبي كذلك، وأصدقائي وأساتذتي، لكن من يحكمنا لا يريدون، ولذا، فهذا الحديث غير مقنع".

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/18 الساعة 03:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/18 الساعة 03:13 بتوقيت غرينتش

في أولى إعدادي وأنا ابن الثانية عشرة، كانت أول مرةٍ أسمع فيها الحديث النبوي "مثلما تكونوا يولّى عليكم" من طرف أستاذ مادة التربية الإسلامية، حينها قلت إنَّ هذا الحديث غير صحيح أو غير دقيق، ولأسباب بسيطة عرضتها مع نفسي حين قلت: "أنا أريد الخير والصلاح، وأمي وأبي كذلك، وأصدقائي وأساتذتي، لكن من يحكمنا لا يريدون، ولذا، فهذا الحديث غير مقنع".

مرت سنوات، وعاد السؤال من جديد ليُطرح في ذهني، صحيح أني بعدها علمتُ أن لعلماء الحديث أقوالاً في مدى صحة الأثر المذكور، لكن، من الناحية النظرية فالحديث يقيم نوعاً من المنطق الترابطي بين طبيعة الفكر السياسي السائد بالمجتمع والقيم السياسية وطبيعة الأنظمة الحاكمة.

ويبدو هذا الترابط أشد ما يكون وضوحاً وصدقية حين نقارن بين طبيعة الدول المتقدمة ديمقراطياً والنماذج السياسية القائمة لديها، وبين الدول المتخلفة أو الاستبدادية ونماذجها السياسية القائمة كذلك.

ومما لا شك فيه أن الأنظمة السياسية التي لا تريد إقامة دولة ديمقراطية، والتي عملياً، تؤسس أو تدعم وتغذي "الدولة البوليسية" أو "القمعية" أو "الشمولية" أو "اللصوصية"، ليس من مصلحتها انبلاج أنوار الوعي السياسي الراقي بين مؤسسات وبِنْيَاتِ المجتمع؛ لِمَا له من تأثير على مصالحها وامتيازاتها واستمرارها، ولذا، فهي تحارب "الوعي" وتجهض "النقد والتفكير الحر"، وفي هذا المستوى يمكن أن نفهم ما يقع بالعالم العربي.

الحرب الضروس التي تعرضت لها الشعوب العربية لتسطيح وعيها أو تغييبه، هي نتاج بالضرورة لسطحية الأنظمة وحالة اللاأفق لديها، بالمقابل، فإن قيام حركة تغيير ذاتي / داخلي تتطور بالتدريج، بما يجعلها تستحيل من فكرة بين أشخاص إلى وعي فعال وعملي يفضي لتغيير قواعد الممارسة السياسية، بالضرورة ستفرز نوعاً ما من مستويات التغيير في الدولة، إما نسبياً كحالة من التكيف يخلقها النظام مع مطالب التغيير والإصلاح، أو وصول قوةٍ تحمل التمثل الشعبي السائد عن السياسية والمجتمع، فتكوِّن بذلك نخبة حاكمة مختلفة بقيم اجتماعية جديدة، ليس موطن جدتها عما يسود بالمجتمع، بل عن النماذج السالفة، وبهذا يتحقق التمثل المنطقي بين أخلاق الشعب والنخبة الحاكمة.

المعركة تبدو طويلة لأجل إيصال صوت المواطن البسيط لمراكز صناعة القرار، وخَلقِ التماهي بين "النحن" كفئة تنشد التغيير وبين مَن "يولَّى علينا"، ورغم أن مطالب هذه الفئة قد تكون صرخة في وادٍ، لكننا منذ مدة ونحن نسمع صرخات من أودية كثيرة، صدى صوتها ازداد وقضّ على الراغبين في "الثبات السياسي للأنظمة" مضاجعهم، وهو بلا شك هازمهم، ليس فقط لأنهم يجابهون قوانين الطبيعة ويقفون في وجه حركة التاريخ بكل غباء وسذاجة، بل لأنهم أيضاً يظنون دائما أنهم استثناء من بين الأنظمة الظالمة، وفي لحظة لم تكن بحسبانهم، يستفيق المرء من هذا الكابوس المؤرق ليفتح نوافذ حياته بكل إرادة واختيار لضوء الحياة وشعاع الحرية وأنوار السيادة، حينها سيصدق علينا الأثر من جديد، وسيكون مَن في الحكم مثلنا تماماً.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد