أنا لن أندم على معاركي الخاسرة في حياتي قدر حزني على أن الحياة لم تكن عادلة معي قدر ما كانت مع غيري، لا وجه للمقارنة على مدى قوة كلينا ما بين قوة خالدة وأخرى فانية، نعم خسرت أمام الخلود، أنا لست جزعاً أو هارباً من الواقع قدر عدم قدرتي على البقاء داخل نزاعاتي النفسية لحقبة أكثر مما مضت.
قبل هذا كنت أخجل من كوني أصبحت مقيداً بما مضى، الآن أنا أصبحت شاكياً بأشعار ومراثٍ، كسير الذراع، مصاباً من حوادث دنيوية، وأيضاً معاق القلب جراء نزاعاتي الداخلية التي ما فتئت تحشد مشاعر وأشياء كنت أظنها اندثرت على يد أجزاء ثوانٍ لا تمر ودقائق دهرية كهفية، وساعات طويلة أبدية، في فضاء ملبد بالغيوم، في ظلمة قابسة على الروح في أيام حبيسة بالضباب، لياليها كوابيس قاتمة، ونهارها غروب أكأب من حلكة ليلها، في ساحة جريح ينزف في ميدان حرب، لا ناقة فيها له ولا جمل، بجانب الآلاف من طيور جارحة وعشرات آلاف الجيف الشاخصة الممزقة نحو المجهول، ينتظر المجهول برفقة من ذهبوا إليه، فهو مجهول أيضاً مع وقف التنفيذ لحين انتهاء اﻷنفاس التي بينها وبين عمري ثأر تنقصه على مضض.
فإن كانت أيامي هكذا فكيف تكون عطلاتي وأسابيع أشهري المريرة واختلاف الفصول والسنوات العجاف العصية على أي لغة أن تحملها أو قلم يسطرها أو صحائف تردفها، فقط دموع حادة في وجه شاب في ريعان الشباب القافل كبدر اكتمل في منتصف ليل الرابع عشر من شهر ربيعي، فوق سماء جزيرة تيران؛ حيث يرقص الموج اﻷزرق بألحان شعب مرجانية لؤلؤية ذهبية ماسية فضية، نغماتها زعفران، بفرقة كونية والموج يومئذ هو الجمهور، ومركبنا الداخيل يتراقص طرباً على نغم الموج متلصصاً على هذه السيمفونية الكونية الخالدة، معقدة الإبداع، فاتنة التداخل، الدقيق الدفء العميق بمئات الآلاف من المؤثرات الكونية، التي تعزف لوحة كونية بديعة فريدة نادرة غير مرئية التفاصيل محسوسة الأثر، فقط حتى قبل خلق أبينا آدم -عليه السلام- في سماوات من أبدع الكون قبيل وقبل الانفجار العظيم؛ ليخط إله الجمال هذا الجمال، ويقدر هذا الفن الإلهي فقط ليشاهده بائس مثلي ضاعت سنواته هباء رياح في صحراء جافة، الروح مثل صخورها اليائسة العتيدة المتآكلة من نوائب الدهر، هكذا قبعت في الظلمة.
عزيزتي تمنيت لوحتي الكونية ولكن سلاماً ينتظرني طير جارح يدور حول رأسي؛ ﻷكون وجبته الشهية، حاولت أن أثنيه برموش عيني وحاجبي مشفقاً عليه من مرارة جسدي التي سوف تقتله مع أول نقرة منقار في جبيني أو صدري، حقاً أنا مشفق عليه، ولكنه بائس جائع يسير نحو قفول عمره بوجبة حسبها كنزه، ولكنه لم يحسب حسابه ماذا يكون بداخل صندوق كنزه؟ إنه قلبي وأنفاسي اﻷخيرة، وروحي المهترئة، أنا لك أيها الطير إن كنت عُقاباً فأنا عقابك، أسرع أيها البائس لنتقابل على بوابة المجهول العتيقة، فأنا أكره الوحدة حتى وإن كانت في الكآبة القشعمية المتبلدة، نعم أكرهها، أسرع لنصل قبيل ظلمة الليل، فأنا أيضاً أخاف من الظلمة، إنها لا تنجلي عني، فأنا دوماً لا أرى غيرها تباً لها تباً ليس لها ضياء، خيبة الأمل، كسرة النفس، انتظارك لشيء لن يأتي، خيبة الرجاء، فقدان هيبتك، تعرضك لضربات نفسية متصلة لعدة أعوام متواصلة، شيء بالغ اﻷلم، ولكن توقف قليلاً هنا ارجع إلى الخلف قليلاً، تذكر ما كنت عليه وما تمنيت أن تكونه، أن تواجه مستقبلك، وإن كان غير مريح، وبه كل العبر، لكن لتكُ حراً أو لترجع لماضيك تعيش أسيره، وتؤجل صدمتك بالمستقبل في كلتا الحالتين، الأولى مريرة، والثانية أشد مرارة، فمحاولة تغيير واقعك على مرمى حجر من ذكريات غائمة قاتمة ليست بالسهلة، فهي ولادة ثانية من رحم روحك أنت، فالحياة ليست رائعة، نفسي تحدثني، ولكنها نعمة رائعة في بيئة غير رائعة، أنظر في جعبة حلولك وأخبر نفسك شيئاً واحداً:
"إن حلاً وسطاً واقعياً أفضل من أفكار مثالية تبقى حبراً على ورق".
الواقع واﻷحلام أمامك، وظلمة الماضي من خلفك، فر للمستقبل، أقبل على الحياة، ليس لديك حل آخر غير أن تمضي قدماً نحو إشراقة ما تجده من أمل، اعمل بجد، تقرب من الله، جد فتاة رائعة وتزوجها، واعلم أن أبلغ مراحل النجاح هي لحظة عدم القبول بالفشل وليس لحظة نجاحك، لا ترضَ بالواقع، واهجر ما كان لما هو لا تدريه، فقط كن عنيداً، لا تقبل أن يكون جانبك المظلم هو الذي يقودك في الحياة.
* من روايتي "رسائل من القاع" – لم تنشر بعد.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.