“الجنس المقدس”.. علاقة الرجل والمرأة من منظور هندوسي

هنا لا بد أن أقول موضحاً نقطة مهمة، وهي أن الاعتراف بالآخر لا يعني تبنّي الآخر، ولا موافقته على عقائده وآرائه؛ بل يعني فهم وتفهم الطريقة التي يفكر بها الآخر ورؤية الحق من وجهة نظره، ولكن هذا لا يعني بتاتاً أننا بتنا ملزمين بوجهة نظره هذه، بل يمكننا الاستمرار في اعتباره مخطئاً، ولكن دون أن ندينه على خطئه؛ لأنه لا يتعمد الخطأ، إن أخطأ، بل يخطئ عن حسن قصد في مسعاه نحو الحق والصواب!

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/18 الساعة 03:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/18 الساعة 03:57 بتوقيت غرينتش

بادئ ذي بدء أقول إنه لا حياء في العلم، والموضوع الذي سأتحدث عنه بعجالة هنا هو موضوع علم وفكر، وهو يتعلق بمسألة "الجنس المقدس" (sacred sex) عموماً، وبجزئها الهندي خصوصاً، فرغم الانفتاح الهائل في العالم الحديث، لا تزال الغالبية في مجتمعاتنا العربية تعيش منغلقة العقل والبصيرة في ماضٍ سحيق خارج حدود هذا العصر، فإن تحدثوا عن الهندوس رموهم بالشرك، وبعبادة البقر، واليوم أضيفت لها تهمة "عبادة الفرج"، من قِبل بعض أشباه العارفين المتعصبين، الذين لا يعترفون بالآخر!

فما سر هذه المسألة؟

هنا لا بد أن أقول موضحاً نقطة مهمة، وهي أن الاعتراف بالآخر لا يعني تبنّي الآخر، ولا موافقته على عقائده وآرائه؛ بل يعني فهم وتفهم الطريقة التي يفكر بها الآخر ورؤية الحق من وجهة نظره، ولكن هذا لا يعني بتاتاً أننا بتنا ملزمين بوجهة نظره هذه، بل يمكننا الاستمرار في اعتباره مخطئاً، ولكن دون أن ندينه على خطئه؛ لأنه لا يتعمد الخطأ، إن أخطأ، بل يخطئ عن حسن قصد في مسعاه نحو الحق والصواب!

أما فيما يتعلق بمسألة الجنس المقدس، فهذه العقيدة تعود في جذورها إلى "عقائد الخصب" (Fertility Cults)، التي كانت منتشرة في الماضي البعيد، وكانت تقدس الخصوبة في الوجود والحياة ككل، وتنظر إلى الوجود كله وكأنه عملية حمل وولادة، ولذلك شاع في ذلك الزمن تأنيث الألوهة، وشخـِّصت الألوهة بشخصية الإلهة الأم التي أنجبت الوجود، كما تنجب الأم البشرية الطفل، وعلى مستوى الأسرة جعلت قضية الإنجاب هذه المرأة ربة الأسرة وسيدة المجتمع، ولذلك يطلق على ذلك العصر عادة تسمية العصر الأمومي.

أما تقديس الجنس والأعضاء الجنسية -التي أصبحت رموزا مقدسة- فهذا عائد لارتباطها الوثيق بقضية الإنجاب والتناسل، التي لم ينظر إليها بدورها نظرة محض بيولوجية، بل اعتبرت متكاملة مع مسألة الحب الذي لا غنى عنه لجذب الأقطاب المتخالفة إلى بعضها البعض لتتحد فتثمر!

هذه الفكرة استمرت وتطورت لاحقاً في الهند، وأضيف إليها عامل وحدة الوجود (pantheism)، الذي لا يفصل الألوهية عن الطبيعة، ويرى الإله جوهراً للكون كله وغير مفارق له، ويتجلى في كل مظهر من مظاهره، وفي ذروتها الإنسان، وبذلك تصبح العِشرة الجنسية اتحاداً مقدساً؛ لأنها تتم بين أرقى أشكال التمظهر الإلهي، مجسداً في كل من الرجل والمرأة!

يسمى الاتحاد الجنسي الطقسي عند الهندوس "مائيتهونا" (maithuna)، والعضو الأنثوي "يوني" (yoni) والعضو الذكري "لنغا" (linga) أو "لنغام" (lingam)، وهما رمزان مقدسان، وكذلك المائيتهونا بدورها مقدسة!
وهذه العقيدة لا تزال مستمرة حتى اليوم في أكثر من مذهب، أشهرها مذهب التانترا الهندي!

هنا لا يوجد أي شكل من أشكال الشهوانية والتهتك أو المجون، بل يتم رفع علاقة إنسانية حيوية إلى رتبة التقديس، بسبب معانيها الرفيعة.. وليس بدافع المتعة واللذة، اللتين طبعاً تعتبران نتيجة مباركة لهذا الطقس المقدس السعيد!

التهتك والمجون لا مكان لهما في الهند، والهندوس يرون "المائيتهونا" خطوة مرحلية على طريق النرفانا – أي التحرر والانعتاق النهائي من العالم الأرضي إن جاز التعبير – لذا يجب على الإنسان الساعي إلى الاستنارة والكمال أن يتخلى في مرحلة ما من نضجه الروحي عن الجنس، كما يتخلى الطفل عن حليب أمه، ولكن هذا الأمر لا يتم بالقسر والجبر، بل بالتطور التدريجي، وفي سكينة وسلام، لكن على الإنسان ألا يرغم نفسه عن الامتناع عن العِشرة الجنسية، بل عليه القيام بها طالما أنه يشعر بالحاجة إليها، لكن يجب أن يفعل ذلك مؤمناً أنه يفعل فعلاً مقدساً.. يجب عليه أيضاً أن يتجاوزه إلى درجة أعلى في القداسة!

تَعِد التانترية من يمارس التهتك والفجور بدرجة عميقة في الجحيم، أما نحن عموم العرب والمسلمين فما أشطرنا في إلقاء الإدانات المجانية!

الغرب الأوروبي الأميركي شوَّه العلاقة الجنسية في إباحيته، وجعل كلاً من الرجل والمرأة سلعة استهلاكية رخيصة للآخر!

الغرب سلعن الجنس، نحن لم نفعل ذلك، لكننا عموماً شيطنا الجنس، وقرنّاه بالعيب والعار والرذيلة، وحاصرناه إلى أبعد الحدود، ثم تكالب معظمنا عليه بشكل مسعور غير آبه بما يعتبره رذيلة وفاحشة!

وفي الختام لا بد من القول إننا نحتاج إلى وقفة صادقة وجريئة مع أنفسنا، ومراجعة ومحاسبة أنفسنا بعقلانية وشفافية أولاً، وبعدها علينا أن ننظر إلى الآخر بنفس الدرجة من العقلانية والشفافية والصدق، ورغم أني لا أؤمن بمعتقدات الهندوس، ولا أنتمي إلى أي دين أو مذهب آخر، فما أعترف به هو الفلسفة العقلانية التي تقوم على العلم والمنطق، فإني أعترف بأن رؤية التانترا للعلاقة الجنسية هي أجمل وأنبل رؤية رأيتها على الإطلاق في هذا المجال!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد