"ريجيني" لقب لشابين اشتُهرا مؤخراً؛ أحدهما إيطالي يحمل هذا اللقب بالفعل، ملأ اسمه (جوليو) ولقبه معظم وسائل الإعلام بالعالم، عقب إعلان مقتله في مصر العام الماضي، والآخر مصري، حصل على اللقب إعلامياً تشبّهاً بسلفه بعد وفاته "في ظروف غامضة" بسجن إيطالي مؤخراً.
في علاقات بلدين قد تقتضي مصلحة ما تبادل السجناء، وفق ما هو معروف، لكن أن تغلق واقعة وفاة المصري هاني حنفي بسجن في جزيرة صقلية الإيطالية، أوائل مارس/آذار الجاري، ملف نظيره الإيطالي "جوليو ريجيني" المقتول بمصر، فهذا سيناريو غريب، لكنه قد يكون مرجحاً وفق خبيرين مصريين، كورقة تفاوضية في قضية الأخير.
وفيما يقول دبلوماسي مصري سابق، إن القاهرة بدأت في هذا التوجه عبر حملة إعلامية وتحركات رسمية، يرجح الخبير الثاني، وهو متخصص في العلاقات الدولية، أن مصر ستضغط على روما بطرق عدة؛ أهمها التلويح بتدويل قضية مواطنها.
في المقابل، يستبعد مساعد وزير خارجية أسبق لمصر، هذا التصور في علاقة القاهرة وروما الفترة المقبلة، مؤكداً أن واقعة حنفي لن تغير من مجريات قضية ريجيني؛ لاختلاف ظروف الحالتين.
"ريجيني المصري".. قُتل أم انتحر؟
وفق صحف محلية مصرية، تُوفي هاني حنفي "في ظروف غامضة"، بأحد السجون الإيطالية في جزيرة صقلية، في 5 مارس/آذار الجاري، ووقتها قالت الخارجية المصرية إنها أبلغت إيطاليا طلبها إجراء تحقيق شامل حول أسباب الوفاة، فيما تلتزم روما الصمت ولم تعقب رسمياً على وفاة حنفي حتى اليوم.
ووصفت وسائل الإعلام المحلية، وبعضها مؤيد للنظام المصري هاني حنفي، بأنه "ريجيني مصري"، في إشارة إلى ريجيني الإيطالي الذي اختفى مساء 25 يناير/كانون الثاني 2016، في حي الدقي (غرب القاهرة)، قبل أن يُعثر على جثته، يوم 3 فبراير/شباط من العام نفسه، على طريق القاهرة-الإسكندرية وبها آثار تعذيب، وفق بيان للسفارة الإيطالية آنذاك.
وأخذ موقف السلطة الإيطالية من مقتل مواطنها "ريجيني"، تصعيداً آنذاك، وصل لسحب سفيرها في القاهرة ماوريتسيو ماساري (بعد شهر من سحبه، عيّنت جامباولو كانتيني بدلاً منه، لكنه لم يتوجه إلى القاهرة حتى الآن)، ومطالبة البرلمان الأوروبي في مارس/آذار 2016 بوقف مساعدات عسكرية لمصر.
وخلال شهري مارس، وأبريل/نيسان 2016، استدعت القاهرة بشكل مفاجئ واقعة كان قد مر عليها نحو 5 أشهر، متعلقةً باختفاء مصري يدعى "عادل معوض"، بإيطاليا في أكتوبر/تشرين الأول 2015، ووقتها تحدثت الرئاسة المصرية عنه وسط متابعة صحف محلية وحسابات مؤيدة للسلطة المصرية على منصات تواصل اجتماعي.
ومع وفاة الشاب المصري هاني حنفي (29 عاماً) بأحد سجون إيطاليا، عادت الحملة مجدداً مع إبراز وسائل إعلام محلية تسمية حنفي "ريجيني المصري"، وطلب النائب العام المصري، نبيل صادق، منذ أيام، من روما صورتين من التحقيقات ومن نص تقرير الطب الشرعي الإيطالي.
وأثارت وسائل إعلام مصرية الشكوك حول واقعة مقتل حنفي بتأكيد أنها جاءت "في ظروف غامضة"، بجانب بيان عاجل لبرلمانية مصرية تدعى غادة عجمي، عضو لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان، قالت فيه إن مقتل حنفي أو انتحاره بسجن كالتانيسيتا في جزيرة صقلية سيعكر صفو العلاقات المصرية-الإيطالية.
ونقلت تقارير صحفية مصرية عن صحف إيطالية، أن الشاب المصري انتحر في السجن، الذي كان يقضي فيه عقوبة السجن 4 سنوات بدأت منذ عام 2014، إثر إدانته بالتهريب عبر الحدود، وسط رفض مصريين بإيطاليا هذه الرواية، لا سيما أن مدة سجنه المتبقية نحو عام واحد.
ولم يقف الأمر عند حد التقارير الإعلامية، وإنما تخطاها لساحة المنظمة الدولية الأبرز حين طالب مندوب مصر لدى مقر الأمم المتحدة بجنيف، عمرو رمضان، في بيان ألقاه أمام مجلس حقوق الإنسان الأممي الأربعاء، السلطات الإيطالية، بكشف "ملابسات وفاة الشاب هاني حنفي داخل سجنه (بإيطاليا) الشهر الجاري".
غلق متبادل مشروط؟
محمد حامد الباحث المصري في القانون الدولي، والعلاقات الدولية، قال إن "الأزمة ربما تتعمق بين القاهرة وروما، خاصة أن السفير الإيطالي لم يعُد للقاهرة حتى الآن"، منذ سحبه عقب مقتل ريجيني.
وأضاف حامد أنه "من الوارد أن تضغط القاهرة بحادثة وفاة مواطنها لغلق ملف جوليو ريجيني، خصوصاً أنه تُوفي داخل أحد السجون الإيطالية، ما يعطي الواقعة قوةً بخلاف وقائع سابقة لمواطنين مصريين (كان أبرزها اختفاء عادل معوض)".
ووضع حامد عدة طرق، قال إنه "يمكن استخدامها من قِبل القاهرة للتصعيد بقضية مقتل مواطنيها في روما، أولها: تدخّل البرلمان بشكل جاد، والثاني: تكليف وزارة الخارجية طرح القضية على المجتمع الدولي، وأن تتفاعل الرئاسة المصرية مع الحدث".
لكن حامد يستبعد "قدرة مصر على الخروج من ورطة الاتهام في مقتل ريجيني؛ بسبب ضعف الأداء الدبلوماسي لها بشكل عام".
ويتفق معه الدبلوماسي المصري السابق إبراهيم يسري، مساعد وزير الخارجية الأسبق، قائلاً إن "مصر بدأت فعلياً استخدام واقعة وفاة مواطنها في التغطية على قضية ريجيني وكورقة ضغط لإنهائها، عبر حملات إعلامية ومطالبات رسمية بالتحقيق".
ويضيف: "القاهرة تحاول أن تضغط بقضية وفاة مواطنها على روما، لكنها محاولة أشبه بورقة التوت لن تداري سوأة اتهامات إيطاليا" التي تعتبر أنها "لا يوجد في سجونها تعذيب"، متوقعاً أن "تتبدد أي مساعٍ تطمح إليها القاهرة، أو تنجح محاولاتها في الربط بين قضيتي ريجيني الإيطالي وحنفي المصري".
وبخصوص الإجراءات القانونية المتوقعة التي ستتخذها القاهرة، قال أحمد مهران، أستاذ القانون ومدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية (غير حكومي)، إن الحكومة المصرية "ستتعامل مع الواقعة بموجب قواعد القانون الدولي".
وأضاف: "القاهرة طالبت بتسليم جثمان حنفي، والسرعة في إجراءات نقله لتسليمه لذويه، وقد حدث (الأيام الماضية)".
وأوضح أنه "إذا وُجدت شبهة جنائية في عملية الوفاة، فإن المدعى العام الإيطالي سيكون ملتزماً بفتح تحقيق وإمداد السلطات القضائية المصرية بالمعلومات اللازمة كافة".
وذهب إلى أن اهتمام مصر بفتح تحقيق في القضية يشير إلى أن هناك "شبهة جنائية بالفعل"، مشيراً إلى احتمالية أن تطالب مصر بالمطالب نفسها التي رفعتها روما للقاهرة، في قضية ريجيني في هذه الحالة.
ومنذ مقتل ريجيني، طلبت روما القاهرة بعدة مطالب؛ أبرزها استرجاع بيانات كاميرات مراقبة، وتسجيلات مكالمات هاتفية، والاطلاع علي التحقيقات، وسط شد وجذب أحياناً بين البلدين أسفر عن استدعاء روما سفيرها حتى الآن.
سيناريو مستبعد
في المقابل، يرى دبلوماسي مصري سابق بارز أن "واقعة وفاة هاني حنفي لن تؤثر على العلاقات المصرية-الإيطالية"، مستبعداً الربط بينها وبين واقعة جوليو ريجيني؛ لاختلاف الحالتين.
ويقول جمال بيومي مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، في حديث لـ"الأناضول"، إن "هذه القضايا يُفترض فيها حسن النوايا"، مشيراً إلى أن "التكهن بوجود تدخلات سرية ومخابراتية، كما قيل ببعض وسائل الإعلام، في غير محله؛ لأنه يوجد قرابة 10 ملايين مصري يعملون بالخارج، ومن الوارد موت أحدهم".
وأوضح أنه يجب الانتظار للاطلاع على نتائج التحقيق قبل إطلاق الأحكام في مثل هذه القضايا، لافتاً إلى أن ذلك "مسؤولية الحكومة الإيطالية".
وأكد الدبلوماسي المصري السابق، أن الربط بين الحادثة وواقعة مقتل الطالب الإيطالي بعيدة جداً؛ ﻷن حادثة ريجيني يبدو أنها معقدة منذ البداية ولم تظهر الحقائق فيها حتى الآن.