ابني مختلف.. لا بأس

إننا كآباء يجب أن نستوعب أنه حينما نتعامل مع أطفالنا، فإننا نتعامل مع إنسان من لحم ودم ومشاعر وقدرات وهبها الله -تعالى- له وإمكانيات يمكن تطويرها، وأن هذا الإنسان من أعقد المخلوقات التي خلقها الله تعالى، وأن لكل إنسان البصمة التي تميزه عن غيره، وعلينا احترام ذلك كله.

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/16 الساعة 01:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/16 الساعة 01:57 بتوقيت غرينتش

إننا كآباء يجب أن نستوعب أنه حينما نتعامل مع أطفالنا، فإننا نتعامل مع إنسان من لحم ودم ومشاعر وقدرات وهبها الله -تعالى- له وإمكانيات يمكن تطويرها، وأن هذا الإنسان من أعقد المخلوقات التي خلقها الله تعالى، وأن لكل إنسان البصمة التي تميزه عن غيره، وعلينا احترام ذلك كله.

إن لكل طفل صفات متفردة، وخصالاً تميزه عن غيره؛ أي أن الأطفال بطبيعتهم قد يختلفون عما يتوقعه الآباء، واحتراماً لمبدأ الفروق الفردية، فإنه لا يمكن استنساخ المواقف والخبرات التربوية لنطبّقها على جميع الأطفال، فالأطفال لديهم مواهبهم وتحدياتهم المتفردة، ولكي يواجهوا تحدياتهم، فسوف تكون لديهم احتياجاتهم الخاصة.

وكآباء، فإن مهمتنا ليست تحمُّل الاختلافات فحسب، بل احتواءها، ويتم تحقيق ذلك عندما نفهم تكوين وخصائص كل طفل، وعندها نستطيع إدراك احتياجاته ونشبعها ونطور قدراته أيضاً.

إن كل طفل عبارة عن مجموعة من الصفات المختلفة التي يحددها النوع، والطبع، ونمط الشخصية، ونوع الذكاء.. إلخ.

فمثلاً بالنسبة إلى النوع، تجد أن طبيعة الإناث تختلف عن الذكور، فحاجة الإناث إلى الاهتمام والرعاية أكبر من حاجتهن للثقة على عكس الذكور، وبالتالي تجد احتياجات كل منهما وطريق تعاملنا معه ستختلف تباعاً.

وبالنسبة للطباع الشخصية، ذكر د. جون جراي، في كتابه "الأطفال من الجنة"، أربعة طباع، ولكل ما يميزه، وبالتالي يحتاج لأسلوب معين في التعامل، فتجد:
1- الطفل مرهف الحس وهو يحتاج إلى أن نسمعه ونفهمه
وهو طفل متعاون، ودود، عطوف، يقدّر مشاعر الآخرين، لكنه يعتبر الأكثر حساسية للنقد والتجريح والأكثر شكوى، ومن الصعب أن يبدأ صداقات جديدة بسرعة على الرغم من أنه مُخلص جداً في صداقاته الحالية ويحتفظ بها.
من المفيد عند التعامل مع هذا الطفل استخدام عبارات توحي بأننا نسمعه جيداً، ونتفهم مشاعره مثل: "أعلم ما تشعر به الآن، فلقد مررت بموقف مشابه وشعرت مثلك تماماً"، فهذا يجعله يُدرك أننا جميعاً على أرض مشتركة، وأنه كسب تعاطفنا.

2- الطفل المتكيف وهو يحتاج إلى الروتين والنظام
وهو طفل صبور، مسالم، وقليل الحركة (بطيء)، ويفضّل أن تكون حياته على وتيرة معينة وروتين واضح؛ كي يشعر بالأمان، وذلك بأن يكون هناك وقت للنوم والأكل واللعب.. والطفل المتكيف يقاوم المواقف الجديدة التي لا يتوقع ماذا سيحصل فيها، ويكون بحاجة إلى إخباره بما يجب عليه فعله؛ ليكون أكثر اطمئناناً وتعاوناً.

ومن الأفضل ألا تسأله "هل ترغب باللعب معنا؟"، عندما تراه لا يشارك الآخرين، بل قل: "إنه الوقت المناسب للعب معاً".. حفزّه وأخبره بما يجب عليه فعله، لكن لا تجبره أيضاً، تحدث معه كثيراً لتساعده على الاندماج في محيطه.

3- الطفل النشيط وهو يحتاج الإعداد والتوظيف
وهو قيادي يميل أن يكون هو المسيطر، ذكي، ويُعتمد عليه، يهتم بالفعل والعمل والنتائج، يحتاج هذا الطفل إلى مدح وتقدير نجاحاته دون مبالغة، والصفح عن بعض أخطائه وعدم معاقبته أو تخويفه، فهو طفل يتعلم من أخطائه؛ لأنه نشيط وكثير الوقوع في المشكلات، وعلى الآباء أن يكونوا قادة يتمتعون بشخصية قوية وحزم بعيداً عن التردد والضعف؛ لأن هذا الطفل يتبع القائد الواثق من نفسه ويتمنى أن يكون مثله.

ومن المفيد أيضاً تكليف الطفل النشيط دائماً بمهام حركية في البيت والمدرسة لتفريغ طاقاته بشكل إيجابي وتسليمه دور القيادة في بعض الأنشطة.

4- الطفل الحركي الفوضوي وهو يحتاج الإلهاء والتوجيه
وهو مغامر، يحب الإثارة ويتمتع بخيال واسع، مرح واجتماعي، ويكوّن صداقات بسهولة، لكن تجده يقاوم التركيز، فتجده يغضب إذا طلبت منه ارتداء المعطف أو الحذاء مثلاً، أو القيام بأي مهمة تتطلب منهم التركيز. وهو ينتقل بين الأنشطة والألعاب بسرعة وبدون إتمام المهام، ويترك المكان وراءه فوضوياً، وكثيراً ما يتشتت انتباهه، فقد يكون مشغولاً في تركيب المكعبات، وما إن يسمع صوتاً مفاجئاً من التلفاز، حتى يترك ما يقوم به ويفقد تركيزه.

ومن المفيد استغلال صفة التشتت بصورة إيجابية، فعندما يرفض الطفل إنهاء واجباته المدرسية مثلاً، فإنه من المفيد أن تشتته وتروي له قصة قصيرة أو تغني له، وعندما ينسجم معها، توجهه مرة أخرى؛ ليعود إلى مهامه، فالقصص الخيالية والأغاني مفيدة جداً لهذا الطفل.

وكما أن الأطفال مختلفون في النوع والطباع فإنهم أيضا يختلفون في أنماط شخصياتهم فتجد منهم:
1- النمط البصري
وهو يتحدث بسرعة ولديه قدرة على القراءة السريعة، ويشاهدك ليسمعك جيداً، وتكون ألفاظه (أرى – أنظر – أرني – أتخيل – ألاحظ – أتصور)، وهذا للتواصل معه يجب أن يكون عن طريق البصر، وهذا النمط يكون صاحب رؤية وتطلع للمستقبل.

2- النمط السمعي
وهو يتذكر بسهولة التعليمات الشفهية، ولديه الحكمة والمنطقية في ترتيب أفكاره، وينفذ الأعمال المجدولة بدقة، وتكون ألفاظه (قالوا – سمعت – قل لي – هل سمعت)، وللتواصل معه استخدم عبارات (أقول لك – سمعت – هل تسمع معي..)، وللتواصل معه وصّل له المعلومات عن طريق الأذن، استخدم نبرة صوت متوسطة، وراعِ المعلومات والتفاصيل.

3- النمط الحسي
وهو يتحدث بنبرة هادئة، يحب التفاصيل، وقراراته بناء على أحاسيسه، كما أنه صامت معظم الأحيان، وتكون ألفاظه (أحس – أشعر – أتمنى – ألمس..) وهو يتأثر بأي إشارة من زملائه، وللتواصل معه استخدم عبارات (أرجو أن تشعر – هل تحس بكذا – أشعر بك..)، وللتواصل معه وصّل له المعلومات التي تصف شيئاً محسوساً أو ملموساً، تحرّ أن يكون في وضع مريح سواء في جلسته أو وقوفه معك، استخدم نبرة صوت منخفضة، وراعِ المشاعر والقيم.

وحسب د. جراي فهناك ثمانية أنواع من الذكاءات (الدراسي، العاطفي، الجسماني، الإبداعي، الفني، الحسي، البديهي، والفطري)، ولقد ولد كل طفل بتوزيع متفرد لنسب هذه الأنواع، ويمكن تحفيز كل نوع ليصل لدرجة أعلى من النمو عن طريق إمداده بالدعم والرعاية المناسبين.

ولكي نُجمل كل ما سبق؛ يمكننا القول بأن كل طفل عبارة عن توليفة مختلفة من الطباع والخصائص والقدرات التي تتحكم في سلوكيات الطفل، وتجعل استجابته لبعض الطرق بشكل أفضل من استجابته للطرق الأخرى، وهذا ما يجعل من كل طفل عالماً مستقلاً بذاته.

من هنا يجب أن يكون الآباء واعين بالاختلافات الممكنة والتداخلات بين كل هذه العوامل وغيرها، فإن ذلك يجعله كوالد مستعداً لفهم وقبول واحتواء هذه الاختلافات في أطفاله.

إن الأطفال بحاجة إلى رسالة واضحة بأنه لا بأس في أن يكونوا مختلفين، وأن ذلك شيء متوقع، ونحن لن نجبركم على قالب محدد، إننا نفهمكم، ونقدّر احتياجاتكم.

وبهذه الأفكار الموسَّعة يصبح من الأسهل إدراك أنه لا يوجد طفل أفضل من الآخر، ولا توجد أية طريقة لجعل أحدهم أفضل من الآخر، لكنها تجعلنا أكثر دعماً وتقديراً لمواهب وقدرات أطفالنا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد