أصبت بالعمى فتحولت حياتي.. الآن أعمل في مجال الكوميديا

لكنَّ فقداني للنظر لم يكن مجرد تجربة غيَّرت حياتي، فخلال تلك السنة، حدث عدد من الأشياء التي شكَّلت مَن أكون، وإدراكي للحياة اليومَ، وجعلتني أدرك ما الذي يُهم حقاً.

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/16 الساعة 03:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/16 الساعة 03:24 بتوقيت غرينتش

كنت أعاني من مشكلة طبية في عيني منذ كنت في الثالثة من عمري، وحين صرتُ مراهقة فقدت القدرة على الرؤية بعيني اليسرى، وحافظت على رؤية عيني اليمنى بمساعدة أطباء بارعين وكميات كبيرة من قطرات العين والجراحة، لكن في عام 2008، قرَّرَت تلك العين أنَّ القدرة على الرؤية شيء يخُص الخاسرين، وتوقفت عن الرؤية ما يقرب من عام كامل، ثم استعدت قدرتي على الرؤية بمساعدة الأطباء العباقرة في مستشفى "Moorfields Eye"، لكني قد أفقدها ثانية في أي وقت.

وكما هو واضح، غيَّرت إصابتي بالعمى حياتي كلها، فقد كان عليَّ التكيف بدنياً وشعورياً مع أسلوب حياة جديد تماماً، وكان عليَّ أن أجتاز صدمة خسارة إحدى أهم حواسِّي، وكان شعوري مثل شعور من مات أحد المقربين له، وتحوَّلتُ من كوني فتاة شجاعة في الحادية والعشرين من عمرها، تقفز في أنحاء لندن، وليس لديها أي فكرة عمن كانت أو عما كانت تفعل، إلى امرأة كالطفلة، معزولة، لم تستطِع، أو لم تُرد حتى أن تتكيف مع إصابتها الجديدة بالعمى.

لم أكن سعيدة، وقد احتجت وقتاً طويلاً لكي أتصالح مع الأمر، كنت قبلها أحتفل في مدينة سوهو وأواعد رجلاً DJ مثيراً (الشخص الذي يتولى اختيار وتقديم الأغاني والألحان المسجلة مسبقاً في الحفلات)، دون أن يقلقني أي شيء في العالم، ثم فجأة تغير كل شيء.

لكنَّ فقداني للنظر لم يكن مجرد تجربة غيَّرت حياتي، فخلال تلك السنة، حدث عدد من الأشياء التي شكَّلت مَن أكون، وإدراكي للحياة اليومَ، وجعلتني أدرك ما الذي يُهم حقاً.

الصبر

لعدة شهور، لم أعرف ما نوع الرؤية التي كنت سأستعيدها، أو إن كنت سأستعيد أي رؤية أصلاً، كان عليَّ أن أنتظر الأطباء وهم يُجربون ويختبرون الأدوية والمنشطات، ثم الجراحات، كنت أنتظر، وأنتظر، ولا يحدث شيء.

لا تكفي كلمة إحباط للتعبير عما شعرت به، لقد كان عذاباً، وللأسف، لم تقدر حيلي القديمة، المتمثلة في أن أدبَّ بقدمي على الأرض أو أن أملأ المكان بالصراخ، لم تقدر على مساعدتي، وتعلمت أخيراً أنَّ عليَّ أن أصبر صبراً تاماً وصادقاً، كان ذلك اختبار تحمّل، وقد غيَّرني وغيَّر أسلوبي في حياتي اليومية، لم تعد تضايقني الأشياء الصغيرة؛ إذ أكون سعيدة حين أقف في طابور مكتب البريد، أو حين أستقل الحافلة إذا تأخر قطار الأنفاق، لا تفهموني فهماً خاطئاً، فما زالت أشياء كثيرة تضايقني، لكنها لا تضايقني بذات القدر الذي اعتدت عليه قبل إصابتي بالعمى، ولم يعد رأي الآخرين فيَّ يهمني بالقدر ذاته، واكتشفت أنَّ بعض الأشياء تستحق الانتظار حقاً.

العرفان

بصدفة غير متوقعة، جعلني العمى أدرك كم أنا محظوظة، وأنا صغيرة كنت فتاة مزعجة تدب بقدميها على الأرض وتملأ المكان بالصراخ، ومعظم سنوات حياتي وأنا أصغر سناً، كنت وقحة وعنيدة، وكنت أظن أنَّ بإمكاني فعل أي شيء أريده، لم يتغير هذا كثيراً، لكن حين استعدت بصري غمرني شعور جديد بالعرفان. أولاً، للأطباء الذين ساعدوني على استعادة بعض من قدرتي على الرؤية، كيف يمكنك أن تشكر شخصاً على فعل شيء ظننته من قبل مستحيلاً؟ ما زلت لا أعرف.

ثانياً، لأبويَّ، أنا لا شيء بدونهما، وكل شيء بسببهما، بالتأكيد كنت أحبهما وأقدِّرهمت وأنا أصغر سناً، ولطالما كنا قريبين من بعضنا البعض، لكن ليس بذات القدر الذي نحن عليه الآن، فهما لم يعتنيا بي بدنياً فقط، بل وشعورياً، وساعداني على التحمل، كنت سأستسلم تلك السنة لولاهما، ولهذا سأظل ممتنة لهما للأبد، لقد خلق هذا بيننا رابطاً منيعاً.

الكوميديا

أدرك تماماً أنَّ العمى ليس أمراً مضحكاً، لكن استمعوا لما سأقول: أنا أعمل في مجال الكوميديا؛ لأنني أُصبت بالعمى، وأيضاً لأنني مضحكة، لكني لا أحتاج أن أقول هذا! عملاً بنصيحة صديقي فيليكس، حوَّلت السنة التي أُصبت فيها بالعمى إلى عرض كوميدي، وقد نجح هذا العرض، وأثناء ذلك بدأت مسيرتي في الستاند أب كوميدي.

لا تفهموني فهماً خاطئاً، حين أجلس في غرفة الانتظار بمستشفى "Moorfields" ثلاث ساعات، منتظرةً مصير عيني، فإنني أحياناً أتمنى أن يكون لي عينان عاديتان، وألَّا أعمل في مجال الكوميديا، لكن ها نحن أولاء؛ لذا فلأستفد قدر ما أستطيع من هذا الموقف السيئ، وأخرج منه ببعض الضحكات.

وقد بدأت أكتب في مدونات، ومدونات فيديو، وأساعد في نشر الوعي، وأفعل مختلف الأشياء للعديد من المنظمات الخيرية لصالح الأكفاء وذوي الاحتياجات الخاصة، كان هذا شرفاً كبيراً لي، لكنَّ الأهم من ذلك أنَّ التجربة علمتني أن أحاول إيجاد الضحكة في قلب المأساة، ليس لأنَّ هذا بالضرورة سوف يغير الأشياء، لكنه يساعدك خلال الطريق حين تصعُب الأمور.

الحتمية

سأضطر للخضوع للمزيد من العمليات الجراحية، وعلى الرغم من جهود الأطباء، من المحتمل أن أفقد بصري مجدداً، حين بدأت أتصالح مع حتمية هذا الأمر، كانت هذه أكبر تجربة غيرت حياتي. أن تختبر أكبر مخاوفك وتعلم أنه ليس بعيداً أبداً، يجعلك هذا تفيق من غفلتك، ومع ذلك، ليس من الضروري أن يكون هذا أمراً سلبياً، فقد جعلني أستيقظ، وأتوقف عن الشكوى والتذمر، وأنجز ما يجب إنجازه، أريد أن أنجز أعمالاً وأستمتع بوقتي قدر ما أستطيع بمساعدة بصري؛ لأنَّ الحقيقة هي أنني لن أستطيع أن أحيا الحياة ذاتها إذا أصبت بالعمى مجدداً.

في رأيي، لا تقتصر التجربة الحياتية على حادث ما، وإنما تشمل أيضاً آثار هذا الحادث، وكيف تغيِّرك الأيام والأسابيع والشهور التالية، وتغيِّر الأسلوب الذي تحيا به. من أبسط الأعمال الروتينية اليومية إلى الأحداث الكبيرة، تلك التجارب هي التي تشكِّل هويتنا. وسواء أكانت تلك التجارب جيدة أم سيئة، فمن المهم للغاية أن نستفيد منها بقدر ما نستطيع.

– هذه التدوينة مترجمة عن النسخة البريطانية لهافينغتون بوست، للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد