إلى أين ستتجه مصر؟ هل سترتفع الأسعار أم ستنخفض؟ هل هذا هو الوقت المناسب للشراء؟ هل الدولار الحل الأمثل للاستثمار الآن؟
لكي نجيب على هذه الأسئلة يجب علينا أولاً أن نراجع اتجاه الدولار الفترة المقبلة، وعليه سنتبع الخطوات التالية لتحليل موقف الدولار:
– تحليل تاريخ الجنيه أمام الدولار خلال الـ٣٠ سنة الماضية.
– تحليل تاريخ الجنيه أمام الدولار خلال الـ٣٠ سنة الماضية.
– تحليل أداء الجنيه كمؤشرات فنية.
– تحليل الوضع الاقتصادي الحالي وتدوين بعض الملاحظات.
– وأخيراً نظرة شمولية على المتغيرات بالنظام السياسي المصري والتحليلات السابقة واستخلاص نتيجة.
1- تاريخ الجنيه أمام الدولار:
صورة 1 شارت للجنيه أمام الدولار من عام 89 إلى 2017، بالرغم من أن الارتفاع يظهر بشكل رهيب وعنيف، ولكنه نسبياً ليس كبيراً أبداً، وإنما فعلياً يكرر نفسه.. كيف؟
بنهاية الثمانينات كان الدولار يدور حول 1.5 جم، وببداية التسعينات تم تخفيض الجنيه إلى 3.25 تقريباً، صعد بنسبة 100%، ثم مررنا بفترة استقرار نسبي حول 3.5 لمدة 10 سنوات تقريباً، عام 2001 بدأت موجة أخرى من التخفيض وصلت بالدولار إلى 6.5 جم، تقريباً صعد بنسبة 100% أيضاً، واستقر كذلك 10 سنوات تقريباً حول 6.5 جم، وتم جمع احتياطي نقدي قوي 40 ملياراً تقريباً حتى 2010 قبل الثورة كان العجز قد تضخم، وكان التخفيض مطلوباً، وقابله رفض سياسي لعدم استقرار الأوضاع بالبلاد (كانت تلك الفترة أفضل فترة للاقتصاد المصري) ومجرد تخفيض 20 – 30% كان سيؤدي الغرض، ونثبت بعدها مرة أخرى لمدة 5 سنوات، ولكن مع الثورة زادت المرتبات، وتأجلت الأزمة مع حكومات لا تضع الاقتصاد ضمن أولوياتها.
في عام 2012 بدأت موجة أخرى من التخفيض (أقل من اللازم لكبح جماح الشعب وتجنب غضبه)، وكان تأخير التخفيض مدعوماً بمنح متكررة من الخليج واحتياطي قوي جمع خلال استقرار الدولار، نتيجة تأخر التخفيض ظهرت السوق السوداء وبدأت المضاربة وفجوات السعر بين الرسمي والأسود تكبر، والمشكلة الأكبر أن الشعب بدأ يفقد الثقة في الجنيه، ويحول مدخراته لملاذ آمِن (الدولار)، والمنح أيضا توقفت.. خلق ذلك ضغطاً رهيباً، والنتيجة تخفيض 200% إلى 20 جنيهاً، ومن رحمة الله بنا أننا اتخذنا بعض الإجراءات الصعبة دعمتنا قليلاً.
السؤال هنا: هل حدث بمصر فعلياً ما يقفز بالدولار 200%؟ هل سوء الإدارة الاقتصادية وتوقف المنح وانخفاض الاحتياطي يفعل ذلك؟ أم أنه عارض مؤقت نتيجة المضاربة، وأننا كابرنا وصبرنا على أنفسنا حتى كدنا نفلس بالفعل؟
التاريخ بيقول إنه عارض مؤقت، وإننا سنصعد 100% من 6.5 إلى 13 تقريباً وسنستقر عندها لفترة.. وكل بيوت الخبرة كانت تتوقع ذلك.
وهل سيستقر كذلك بالفعل أم سيتغير الوضع؟
السيناريو الأول (12 – 14) استقرار
٢- المؤشرات الفنية:
الصورة 2 لشارت الجنيه المصري أمام الدولار خلال فترة التعويم، يكفي القول إن الدولار مؤشراته الشهرية كلها تقول إنه صاعد، وقد أوجدت السوق لنفسها بعض النقاط السعرية عند:
– 13 (مقاومة السوق الموازية قبل التعويم وسعر الفتح عند التعويم).
– 18 (أعلى سعر قبل التعويم).
– 20 (أعلى سعر تقريباً سوق سودا ورسمي).
– 16 (نقطة الفجوة اللي ارتد من عندها الجنيه أول مرة بعد التعويم ودعمته خلال الفترة الحالية عند نزوله الآن).
الدولار تحرر بـ13 جم وصعد إلى 18، وهبط تدريجياً إلى 16، حيث ظهرت السوق الموازية.. صعد المركزي بالدولار مرة واحدة إلى 18؛ ليوقف السوق الموازية، وصلنا 19 و20، وهنا ظهرت قوة بيعية قوية نزلت بالدولار مرة أخرى.. احترم دعم 18 قليلاً ثم كسر حد الفجوة العلوي، وهبط حتى حد الفجوة السفلي وظهرت السوق السوداء مرة أخرى فارتد السعر منه.
السيناريو الثاني
المؤشرات الشهرية على المدى البعيد ترجح الصعود، والمؤشرات الأسبوعية ترجح الاستقرار.
وفنياً ارتداده من 16 يعطي علامة صعود قوية إلى 18 ويكسرها، يصعد إلى 20 ثم 23، وبنكياً كسر 16 يهبط به لدعم 14.5 و13.
3- ملاحظات على الوضع الاقتصادي
الدولة:
– حاولت تقنين الاستيراد وخفض التكليف وفشلت.
– اقترضت من صندوق النقد وألزمت نفسها بشروط صعبة.
– تحاول -وأنا أكرر تحاول فقط- أن تخلق مناخاً جاذباً للاستثمار عن طريق محاربة الفساد والبيروقراطية وإعادة طرح قانون الاستثمار.
– تأخذ خطوات جيدة لحماية أصولها ومكتسباتها مثل رفضها إرساء العاصمة الجديدة على داماك أو الشركات الصينية لإصرارها على التمويل من البنوك المصرية.
البنك المركزي:
– رفع الفائدة لـ16%، وأصدر شهادات مؤقتة بفائدة 20% على الجنيه ليغري الناس للعودة إليه.
– موفق في تحريك السعر السوقي عن طريق تحريك أسعار البنوك الوطنية (من وراء الستار على الأقل الآن).
السوق:
– الأسعار قفزت خارج نطاق قدرة المستهلكين، وخلقت حالة تصحيح في ميزانية كل بيت، وبدأت الأولويات تفرض نفسها.
– كساد تام في حركة بيع السلع المعمرة (سيارات، أجهزة منزلية..).
– انخفاض في حجم الطلب على السلع الأساسية الغالية أيضا مثل اللحوم.
– خلق ذلك فائضاً كبيراً عند المستوردين، وقلل الطلب على الاستيراد والعملة جداً جداً.
– السفر للخارج أيضا أصبح باهظاً جداً ورفاهية كبيرة.
الأفراد:
– الاستقرار النسبي لسعر الصرف والضعف النسبي للسوق السوداء وتفنن المركزي في الهبوط التدريجي بالدولار والأخبار الإيجابية المتتالية أعادت الحياة والثقة نسبياً إلى الجنيه عند الأفراد.
– بدأ الأفراد يشعرون بأن الأسوأ قد مر والقادم أفضل.
– ما زال الأفراد ممتنعين عن شراء السلع المتوسطة المعمرة (سيارات، وأجهزة) لارتفاع سعرها، وحتى مع الإغراءات المتتالية بتخفيض الأسعار (البيكانتو من 240 ألف جم إلى 180 ألف جم) ما زال الطلب قليلاً.
ما السعر العادل إذا؟
– السعر العادل هو الذي يدفع سوق المستهلكين للعمل والاستقرار، اسأل نفسك عزيزي القارئ إذا كنت تريد سيارة بيكانتو؟ كم تقدر ثمناً؟ أو تلفزيون إل جي 32″ هل تقديرك لثمنه هو 5500 جم كسعره الآن أم أقل؟
– أنا أرى أن سعر البيكانتو الذي ستبدأ حركة الشراء الفعلية به هو 160٠ ألف جم، وكلما قل عن ذلك سيهرع المشترون ويزيد الطلب، وكلما ارتفع سيقل المشترون وينخفض الطلب، يكافئ تقريبا 12 – 13 جم.
– ولكن المركزي (وأظنه يجيد ويحسن التفكير استراتيجياً الآن) يريد تغيير ثقافة الاستهلاك لدينا؛ لنتحول إلى منتجين، وبدلاً من أن يكون الدولار رخيصاً فيشجعنا للاستيراد، نريده باهظاً فيشجعنا للتصدير، ويشجع رجال الأعمال الأجانب للاستثمار في مصر بالجنيه الرخيص.
السيناريو الثالث:
أتوقع أن يحاول "المركزي" المحافظة على الجنيه في قيمة أقل من قيمته الحقيقية بـ15% تقريباً (حول 14 – 16) بدلاً من (12- 13)؛ ليضغط على المستوردين ويشجع المستثمرين والمصدرين ويحارب السوق السوداء.
4- النظرة الشاملة مع مراعاة التغيرات الاقتصادية والسياسية:
التاريخ يرجح الاستقرار حول 13، والسوق يرجح 14 – 16، والتحليل الفني بيقول صاعد بكسر 18.
وبمراجعة النظام السياسي والإدارة الاقتصادية نجدها مستمرة كما كانت تماماً منذ الثمانينات، حاولنا إبان الثورة ولم تنجح في خلق بديل، وعدنا لنفس النظام القديم ولكن بسياسة سعر صرف حر وليس ثابتاً.
الخلاصة -وهذا رأيي الشخصي- يفترض استقرار العملية السياسية، فالسيناريوهات الثلاثة السابقة ستحدث.. نعم.. الثلاثة.
الارتداد الجاري مع تأثير التحليل الفني والمضاربة والطلب على الريال للعمرة سيصعد بالدولار بالسوق السوداء إلى قرب الـ18 جم، والسعر الرسمي سيصعد وراءه؛ كي لا يسمح للسوق السوداء بقيادة السوق.. في رأيي لن يكسر الـ19 أبداً في القريب؛ كي لا يفقد الأفراد الثقة مرة أخرى في الجنيه، ولأن الطلب سيضعف للغاية بهذه الأسعار لضعف الاستهلاك.
بعدها الدولار سيبدأ الهدوء والهبوط، وسيحاول المركزي الحفاظ عليه مستقراً 15% فوق السعر العادل حول (14 – 16)، وهو السعر الذي قدرة أغلب رجال الإعمال وبيوت الخبرة.
وستستقر السوق الموازية والصرافة أعلى بنسبة (3 – 10%) من البنوك حتى نصل لنقطة كفاية تسمح للبنوك ببيع الدولار دون قيود.
ولكن هل سيحافظ على السعر لمدة 10 سنوات؟
لا.. كان ذلك قبل التحرير، السعر الآن متحرك وسيظل يصعد بما يعادل متوسط 100% كل 10 سنين (بما أن سياستنا وحكومتنا الاقتصادية لم تتغير عن آخر 30 عاماً)
مما يعني أن الدولار سنة 2027 سيكون بـ33 جم تقريباً.. يمكنك عزيزي القارئ تقدير سعر الدولار كل عام مع متوسط زيادة سنوية 4 -7% حسب أدائنا الاقتصادي ونوضح ذلك بشارت 3.
2017 ==> 14 – 18
2018 ==> 17 – 21
2019 ==> 20 – 23
2027 ==> 32 -33
وبالطبع سيتخلل ذلك تذبذبات عنيفة نتيجة العرض والطلب المتغير في المواسم كالارتفاع بالعمرة وقبل رمضان.. وتتباطأ وتيرة الصعود وربما تتراجع مع تحسن معدلات السياحة والاستثمار، وكلما زاد احتياطي المركزي يعطي ثقلاً للدولة، ويكبح جماح الحركات العنيفة (وإن كان لا يتدخل به رسمياً).
استمرار الرئيس بفترة أخرى سيدفع الأمور للاستقرار ويتحقق هذا السيناريو.
أما عدم نجاحه فسيخلق حالة قلق وضبابية سياسية من المستقبل ستصعد بالدولار بشدة ولو مؤقتاً حتى تتضح الصورة.
ويعود السؤال: هل نشتري الآن أم أن الأسعار ستنخفض مرة أخرى؟
الأسعار أظنها ستستقر مكافئة للدولار بين 14 و18 هذا العام، ولن تحدث قفزات عنيفة مرة أخرى.
ولكن المفترض أن يشتري الإنسان ما يحتاجه فقط، بالسعر الذي يراه هو مناسباً لإمكانياته، لو تستطيع شراء البيكانتو بـ250 جم قم بشرائها، ولو تراها غالية انتظرها لتصل للسعر الذي تراه مناسباً، وإن لم تصل اشترِ ما هو مناسب لإمكانياتك، لا تضع اهتمامك على شراء الصفقة الرابحة، بل ضع اهتمامك على شراء ما تحتاجه، فقيمة أموالك لن تتغير بصورة عنيفة مرة أخرى، الأسوأ قد مر، قنن استهلاكك، واشترِ ما تحتاجه فقط.. والله أعلم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.