بعد اغتيال شقيق الديكتاتور الكوري ومحاولة استهداف الملك سلمان.. ماليزيا تدفع ثمن كرمها.. هكذا يتخذها الإرهابيون مقراً لشبكاتهم

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/15 الساعة 12:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/15 الساعة 12:51 بتوقيت غرينتش

لطالما أدت سياسة الحدود المفتوحة لماليزيا إلى إضفاء سمعة سيئة عليها باعتبارها محطة للمتآمرين المخططين لهجمات إرهابية في الخارج.

والآن، يشعر الكثيرون بالقلق من أنَّ مؤامرتي إرهاب كبيرتين في الأراضي الماليزية تُظهران أنَّ البلد، ذي الأغلبية المسلمة، أصبح على نحوٍ متزايد مضيفاً للصراعات القاتلة للشعوب الأخرى.

هاتان المؤامرتان وقعتا في شهر فبراير/شباط 2017، عندما قُتِلَ الأخ غير الشقيق للديكتاتور الكوري الشمالي، كيم جونغ-أون، بغاز XV السام، وهي العملية التي تُلقي الشرطة الماليزية فيها باللائمة على فريق من القتلة الكوريين.

أما المؤامرة الثانية، فهي محاولة الهجوم على وفد العاهل السعودي الملك سلمان الذي كان يزور البلاد، الأسبوع الماضي، بسيارة مفخخة، وهي المحاولة المنسوبة إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).

وتأتي المؤامرتان بعد أول هجوم ناجح لـ"داعش" في ماليزيا العام الماضي 2016، والقبض على العشرات بتهم متصلة بالإرهاب في أعقاب ذلك.

وقال روحان جوناراتنا، أستاذ الدراسات الأمنية بجامعة نانيانغ التقنية في سنغافورة: "في الماضي، لم يستهدف الإرهابيون ماليزيا، لكنَّ التهديد تغيَّر اليوم. لقد أصبحت البلاد هدفاً مهماً للغاية".

وقال رئيس الشرطة الماليزية، خالد أبو بكر، لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، إنَّ السلطات قد رفعت من مستوى التأهب منذ المحاولتين السابقتين في شهر فبراير 2017، لكنَّ "الناس أحرار في الذهاب والتحرك بحسب روتين حياتهم".

تحذيرات من السفر

وقال موقع وزارة الخارجية: "إنَّ ماليزيا تدين كل أفعال، وطرق، وممارسات الإرهاب والجرائم العابرة للقوميات".

وقال المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية، بعد أن أصدرت أستراليا وبريطانيا تحذيرات من السفر إلى ماليزيا العام الماضي، إنه "ليس هناك ما يدعو للخوف".

وطلبت ماليزيا لاحقاً من هذين البلدين أن يخفضا من مستويات الخطر التي وضعاها لماليزيا. ولكن بريطانيا قد حافظت على تحذيرها كما هو، بينما خفَّفَت أستراليا من لغتها بشكل طفيف العام الحالي 2017، لكنها تركت "مستوى النصيحة" على حاله.

أشعلت هذه الأحداث، وغيرها، الجدل داخل الحكومة الماليزية حول سياسة الباب المفتوح الخاصة بها. لقد حافظت البلاد على سياسة حدودية هادئة عقوداً؛ بغرض مساعدتها على أن تكون محوراً للتجارة والسفر بين شرق آسيا والشرق الأوسط، ومن شأنها أن تنافس سنغافورة وتايلاند. واليوم تعد السياحة ثاني أكبر مصدر للعملات الأجنبية بعد البضائع المُصدَّرة.

وتعد ماليزيا واحدةً من أكثر البلاد ترحاباً؛ إذ تسمح بالدخول بلا تأشيرة، أو بتأشيرة فور الوصول لـ164 دولة وإقليماً، وذلك بحسب موقع أرتون كابيتال الكندي، وذلك مقارنة بالولايات المتحدة التي تسمح بهذا لـ43 دولة، وفرنسا لـ91 دولة.

عندما قَيَّدت الكثير من الدولة الغربية السفر من بعض دول الشرق الأوسط بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، سهَّلت ماليزيا من امتيازات السفر للمنطقة، ما سمح بجذب ملايين الزائرين الجدد، وذلك رغم زيادة ماليزيا للاحتياطات الأمنية.

وحتى وقت قريب، كان حتى مواطنو كوريا الشمالية يتمتعون بالسفر دون تأشيرة لماليزيا، وهي ميزة لا يقدمها سوى عدد قليل من البلاد، من ضمن ذلك هايتي وبيلاروسيا.

اقتراح تمييزي ضد العرب

وقوبلت مقترحات تعديل سياسة الباب المفتوح ببعض الاعتراضات؛ إذ اقترح مجلس الأمن القومي الماليزي، وهو هيئة تابعة للحكومة، إعادة متطلبات التأشيرة للكثير من دول الشرق الأوسط، مستشهداً بالحاجة لتحكم أكبر بعد تنفيذ هجوم منسوب لـ"داعش". وسرعان ما رفضت حكومة رئيس الوزراء، نجيب رزاق، هذا المقترح، واصفةً إياه بأنه اقتراحٌ تمييزي، ومعقد دبلوماسياً، ومضرّ بالاقتصاد.

حافظت ماليزيا بشكل كبير على استراتيجيتها للباب المفتوح عبر سنوات، حتى في الوقت الذي ضيقت فيه الخناق على الهجرة غير الشرعية.

وقالت الحكومة في شهر يناير/كانون الثاني 2017، إنها احتجزت 150 ألف مهاجر غير شرعي بعد جهودٍ استمرت سنوات.

وقامت في شهر ديسمبر/كانون الأول 2016 بتقييد تأشيرات الطلاب؛ خوفاً من انخراط بعضهم في أنشطة إرهابية. وفي شهر فبراير 2017، ألغت امتيازات التأشيرة لكوريا الشمالية.

عامل جذب للمجرمين

ويقول محللون إنَّ سياسة الحدود المفتوحة تلك كانت، لعقودٍ من الزمن، عامل جذب للمجرمين العابرين للقوميات والمنفيين السياسيين، فوفرت محوراً للتنقل، وبنية تحتية جيدة، وأمناً، حسب قولهم.

ويقول المسؤولون الأميركيون إنَّ هجمات 11 سبتمبر2001 ، وتفجير المدمرة الأميركية كول في خليج عدن، كان قد خُطِّطَ لهما جزئياً من قِبل عناصر "القاعدة" في العاصمة الماليزية كوالامبور. بينما قال تقرير لجنة 11/9 إنَّ المقاتلين المتصلين بأسامة بن لادن رأوا في ماليزيا مكاناً نموذجياً لاسترداد المقاتلين الجرحى لعافيتهم.

وكان الزعيم الروحي لفرع القاعدة في جنوب شرق آسيا، الإندونيسي أبو بكر بشير، ورضوان عصام الدين المعروف بالحنبلي، والذي كان يوماً ما أكثر المطلوبين الإرهابيين بجنوب شرقي آسيا، قد عاشا كلاهما بماليزيا في الثمانينات والتسعينات. وأُدِينَ بشير وسُجِنَ بإندونيسيا. أما عصام الدين، فهو محتجزٌ في غوانتانامو. وكذلك، أنشأ قادة حركة انفصالية إندونيسية بإقليم أتشيه قاعدة لهم في ماليزيا.

ودعا أحد الزوار المعتادين الآخرين لماليزيا، ويُدعى ذاكر نايك، وهو داعية مسلم هندي، جميع المسلمين إلى أن يصبحوا إرهابيين، ومدح بن لادن، وطالب بتوقيع عقوبة الموت على المثلية الجنسية.

وكانت الحكومة الهندية قد حظرت، العام الماضي 2016، مؤسسة ذاكر 5 أعوامح بسبب خطبه الهدَّامة وأيديولوجيته الداعية للانقسام، حسب قولها، ونفى ذاكر أن يكون قد دعم الإرهاب.

وقال جيمس تشين، مدير معهد آسيا بجامعة تسمانيا الأسترالية، في مقالٍ حديثٍ له: "طالما استمرت ماليزيا في السماح للمنفيين السياسيين، الذين لا يزالون نشطين، بالعيش على أراضيها ، فإنَّ العنف السياسي، الذي لا علاقة لماليزيا به، سوف يحدث على الأراضي الماليزية. إنَّ حادث قتل كيم ليس الأول، ولن يكون الأخير".

ولم تستجب وزارة الخارجية الماليزية لطلباتٍ بالتعليق، حسب تقرير وول ستريت جورنال.

إرهاب متعدد الجنسيات

وتوضح محاولة استهداف الوفد السعودي الورطة التي تعانيها ماليزيا.

فقد اعتقلت الشرطة 7 رجال من اليمن، وإندونيسيا، وماليزيا، ودولة من شرق آسيا لم تفصح عنها، متورطين في التخطيط للهجمات.

وقالت إنَّ رجلاً واحداً له روابط بجماعة إرهابية إقليمية تستخدم ماليزيا نقطة عبور و"ومخبأً".

وذكرت الشرطة أن هذا الرجل قد دخل البلاد عام 2011 بتأشيرة دراسية مزيفة وسجل في جامعة عامة، وأنَّ الرجال اليمنيين الأربعة ساعدوا مجموعة على تزوير وثائق السفر. وقالت السلطات إنَّ بعض أولئك الرجال كانوا يتلقون أوامر من شخص ماليزي انضم إلى "داعش" في سوريا عام 2015؛ بغية شن هجمات بماليزيا.

وقال أحمد سوكارسونو، المحلل بمجموعة يوراسيا في واشنطن، والمختصة بتقديم الاستشارات في المخاطر: "ماليزيا مكان لبناء الشبكات المحلية والدولية من كل الأنواع، وحيث تُزرع البذور ببطء وثبات بسبب جوها الهادئ وغير المبالي. وطالما استمر الماليزيون في الاسترخاء، والهدوء والتصرف بشكلٍ طبيعي، فسوف يكون بإمكان أصحاب الأفكار المتطرفة الاتصال مع الآخرين ممن يشبهونهم".

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Wall Street Journal الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

تحميل المزيد