امرأة.. بكل فخامة الكلمة

‏‎الجميل أن أغلب ما كان وما زال يغنَّى به هو موضوع المرأة، نصف المجتمع الذي هضمت حقوقه، وتم الحجر على أفكاره، ‏‎غير أن ما استمعت إليه لم يكن بالضرورة سارياً، حتى إنه أحياناً كان كلاماً للتشدق به، ولافتة للتسويق ليس إلا

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/15 الساعة 01:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/15 الساعة 01:45 بتوقيت غرينتش

منذ أن وعيت وأنا أستمع إلى الكثير من المفردات والمرادفات، تارة تصف العدل، وتارة تخبرنا عن الحق، والمساواة، والكثير من قاموس مدينة أفلاطون الفاضلة.

‏‎الجميل أن أغلب ما كان وما زال يغنَّى به هو موضوع المرأة، نصف المجتمع الذي هضمت حقوقه، وتم الحجر على أفكاره، ‏‎غير أن ما استمعت إليه لم يكن بالضرورة سارياً، حتى إنه أحياناً كان كلاماً للتشدق به، ولافتة للتسويق ليس إلا.

سطوري المبعثرة هذه ليست للتعميم ولا تستطيع البوح بكل ما يؤرق تفكير النساء.. إنها بعضٌ من كل وقليل من كثير.

كلماتي عتاب من القلب لأخي الرجل الذي نسي أن هذه المرأة هي أُمُّ أحدهم، وأخت لآخر، وابنة يحبها أبوها كما يحب هو ابنتَه على الأقل.

نحن يا صديقي لا نقهقه عبثاً، ولا نثرثر لنزعجك، ولا نجتمع لينصت لنا إبليس، ولا نخفي الكيد لبعضنا.
نحن يا صديقي، نضحك ببراءة، ونمسح دموع بعضنا، ونثرثر لنصبح أصفى، ونحكي ونحكي لكي لا تموت قلوبنا.

كلماتي رسالة إلى عزيزتي المرأة التي ألِفت دور الضحية المسكينة، تريد أن تصرخ غير أنها أضعف من أن تفعل، وإلى عزيزاتي من اللواتي قررن الالتزام بمواقع الهجوم على كل مذكر، يُصررن على أن الظلم مذكر والحرية أنثى، إلى هؤلاء أذكرهن أن زوجة الأب القاسية جعلت من سندريلا خادمة، فكان الفرجُ أميراً رجلاً.

لا تستطيع أي امرأة ألا تفرح بتخصيص يوم لها في السنة، صغيرة كانت أم كبيرة، سيدة كانت أو آنسة، في أقصى الغرب كانت أماً في أقاصي الشرق.

لكن، كلنا نعلم تماماً أن هناك من لا يشملهن هذا اليوم، وأنهن أبعد ما يكون عن نيل ربع الحقوق الفطرية التي سنها الله في كونه، قد يكن سعيدات لأنهن لم يتعرفن بعد على الحياة الأخرى أو أنهن راضيات بما يعشن، غير أن هناك العديد منهن يصرخن لكن الآذان صماء عنهن وما أكثرهن.

لست هنا للخوض في كل حالة، فحتى كتاب لن يسع لسرد المظالم، بل سأمر مروراً سريعاً لأُسمِع أصواتاً لا طالما ظلت في الهامش ولا حياة لمن تنادي.

طالما سمعنا ونسمع في كل فرصة عن العقلية الذكورية التي يكاد يُنسب إليها كل مظالم المرأة، من إقصاء لها إلى محاولة جعلها المطيعة الصامتة.
وفي كل مناسبة للتحدث عن المرأة لا تكاد تسمع غير حقها في الخروج والدخول واتخاذ القرار واختيار اللباس وقيادة المجتمع وخصوصاً المساواة!
وصراحة أنا امرأة غير أني لا أُعجَب كثيراً بهذا الوصف، أنا لا أريد أن أكون رجلاً، أنا أريد أن أكون امرأة بكل فخامة الكلمة.

أنا لا أريد أن أكون حريصة حد الافتراس أنظر للرجل كعدو، كما لا أطيق أن أتلقى استهزاء وانتقاصاً من أي كان.
أنا أؤمن بأن لكل مقام مقالاً، وبأن لا أحد يساوي أحداً.. فضل الله بعضنا على بعض، فالمرأة كائن هرموني بنقاط قوة لا يقدر عليها رجل، وللرجل مواضع قوة لا تصلها المرأة.. ببساطة نحن لا نساوي بعضاً.

نحن لا نعاني من الذكورية فقط، نحن نعاني من مجتمع معاق بجنسيه، ولهذه العاهة أسباب تكاد تكون تاريخية محضة، حين كان الظلم والقمع شعار أصحاب الكلمة المُطاعة فما كان للأفراد إلا إفراغ حنقهم على من هم أضعف منهم، تماماً كما في السلسلة الغذائية.. حينها كانت المرأة الحلقة الأضعف في السلسلة!

مجتمع بنسائه ورجاله يُبرر للرجل آثامه وأخطاءه، ويحاسب المرأة ويصفها بأبشع الصفات لِذات السبب!
نحن حقاً لا نساوي بعضاً، ولسنا أبداً نسخاً عن بعضنا.. غير أن ربي فوق سبع سماوات قد ساوى بيننا في الجزاء والعقاب، فقد قال سبحانه: "المؤمنين والمؤمنات" و"المنافقين والمنافقات".

فكيف بذوي العقيدة السليمة أن يبرروا للرجل ويُنكلوا بالمرأة؟! أعذروني فعقلي لا يستوعب.

المرأة لا تريد مساواة كما يتخيلها البعض، تدافُع في المصاعد وتسابق في الطرقات، وتدخين للسجائر من الشرفات، المرأة تريد أن تعامل بعدل، وتُحاسب بمنطق الخطأ وتجازَى بمنطق الصلاح، وليس بمنطق ذكر وأنثى.. ببساطة هي تريد أن تختار لنفسها حياة ترضيها وليس لترضيكم.

هي لا تحتاج منك إذناً لقيادة عربة، بقدر ما تحتاج منك احتراماً لها ولقيادتها حين تشاركها ذات الطريق، وأن تكف عن احتقارها فقط لأنها امرأة بقولك باستهزاء: "ماذا ننتظر من سياقة النساء".. فيا عزيزي أذكرك أن أغلب الحوادث يقوم بها الرجال، فلا تحقرنها.

هي لا يجب أن تلقى الأحكام الجاهزة على لبسها ولا أن تُقبل إلى عمل من أجل شكلها، وهنا سأقول بضع كلمات تثقل على صدري عن حق من حقوق السيدات الذي هُضم في وسط النضالات، وهو حقها في الحجاب..
‏‎ نعم عن حق من حقوقها أتكلم، عن حقها في أن تكون ناجحة بشكلها الذي تحب أن تكون عليه، عن حقها في الإيمان بما أمرت به، عن حقها في التفكير والتميز ولو تحت حجاب لم يكن يوماً عائقاً لطموحها في الوصول للأعالي.

‏‎إذا كنا نسابق الزمن من أجل خلاص المرأة من قيود المجتمع والعادات، فيجب أن ننتبه أن هناك من يريد الخلاص من الأحكام الجاهزة.

‏‎المحجبة لم تكن يوماً حالة شاذة، ولم تكن يوماً عنصراً دخيلاً.. وعبر كل تلك القرون لم يكن غطاء الرأس تخلفاً، ولم يمنع عالمات من البروز.. ولا سيدات من الحكم.

‏‎المحتجبة امرأة كالنساء.. تمتلك شكل الأنثى.. وحنان الأنثى.. وقوة المرأة..
‏‎المحتجبة إنسانة كالجميع.. تستمتع بالحياة كما تريد.. تحب تجاوز عقدة المظهر لتثبت نفسها بغير الجسد.

‏‎للمتحجّبة قرارات وقناعات، هي أدرى بحيثياتها، فلا هي مضطرة للتبرير في كل حين أنها متحررة وتواكب العصر، ولا هي مضطرة للانتظار وراء قريناتها لنيل فرصة إثبات الذات.
‏‎المتحجبة ليست مضطرة دائماً لتوضيح أن ما تحت غطاء رأسها عقل يعمل على الأقل كسائر البشر؛ لكسب فرصة عمل.
‏‎إذا كنا أصحاب حق، نحمل همَّ النساء، نزين الشعارات، ونخلق للحق والإنصاف مفردات، فلنكن صادقين مع حقوق غيرنا مهما اختلفنا.. ‏‎فالمحتجبة لن تخلع حجابها لإرضاءِ أحد.

وفي ختام فضفضتي، تحية صادقة إلى أب أحب ابنته ورباها وعلمها وجعلها سيدة واثقة لا تنحني ولا تفترس.
تحية خالصة إلى كل رجل جعل من أخته، وأمه أو زوجته إنسانة سعيدة لا تعاني قهراً ولا تتلقى عنفاً ولا تضطر إلى أن تعيش عمراً صعباً فقط لأن الآخرين أرادوا.

سلام لكل السيدات اللواتي يكافحن بعرق جبينهن ويجاهدن بأقلامهن، ويتعبن لتربية أبنائهن.
سلام لكل امرأة نفضت عنها غبار الضحية وقامت من تربتها لتكون كما تريد، فحتى وزنها الزائد تقوم بإنقاصه لأجل نفسها فقط.. امرأة قامت لتفرض كيانها كمربية أجيال.. وما أعظمها من وظيفة!

صلاة وسلام على نبينا محمد الذي جعل أحسن الناس خيرهم لأهله، وقال في آخر خطبة له: "استوصوا بالنساء خيرا"، كثير منهن يقلن الآن: "لم يفعلوا يا رسول الله".

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد