لماذا عليك متابعة الانتخابات الهولندية؟ فوز اليمين يُنذر بأيام صعبة للمسلمين بأوروبا وهذه فرص نجاحهم

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/15 الساعة 08:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/15 الساعة 08:18 بتوقيت غرينتش

تُراقَب الانتخاباتُ في هولندا عن كثبٍ للغاية في أنحاء أوروبا وخارجها، باعتبارها تُمثِّل مؤشراً رئيسياً عمَّا إذا كانت الحواجز القديمة القوية في وجه اليمين المُتطرِّف لا تزال قائمة في القارة التي تحتفظ بذكرياتٍ أليمة من الفاشية، لكنَّها كذلك القارة التي تضم عدداً متزايداً من القادة القوميين الطامحين.

والانتخابات الهولندية هي الأولى ضمن عديدٍ من الانتخابات الأوروبية الحاسمة هذا العام، وستعقبها انتخاباتٌ في فرنسا، وألمانيا، وربما إيطاليا. وكان القاسم المشترك في الحملات الانتخابية هو الهجمات على الاتحاد الأوروبي لإضعافه سيادة دوله، وفتحه الحدود أمام المهاجرين، وتركه الدول عُرضةً للإرهاب.

الشكل الخاطئ من الشعبوية


وقال مارك روته، رئيس الوزراء الهولندي، وزعيم حزب الشعب للحرية والديمقراطية اليميني، عن الانتخابات الهولندية: "إنَّ هذه الانتخابات هي بمثابة الدور ربع النهائي في محاولة منع فوز الشكل الخاطئ من الشعبوية".

وقال: "سيكون الدور نصف النهائي في فرنسا، في أبريل/نيسان ومايو/أيار المقبلين، وفي سبتمبر/أيلول، سنكون بصدد الدور النهائي في ألمانيا"، وفق تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.

وفي كل مكانٍ تقريباً صعدت الشعبوية في ظل دعواتٍ لوقف الهجرة، من أجل تأمين وحماية الثقافات المحلية. والسؤال الآن هو ما إذا كان الشعبويون سيحافظون على زخمهم، أم سيُضعِف التردُّد الذي وُجِد حديثاً بين الناخبين من شوكتهم.

وحتى مع تراجع أحزاب الوسط في كل مكانٍ تقريباً، يرى بعض المُحلِّلين إشاراتٍ جديدة في القلق من جانب الناخبين المُحتجَّين والمناوئين للنخبة، والذين أسهموا في الصعود الأخير للسياسيين الشعبويين، وذلك بالنظر إلى حالة عدم اليقين والصراع الذي أظهرته الأسابيع الأولى لإدارة ترامب، والتصويت البريطاني لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي (أو ما يُعرَف بـ"بريكست") العام الماضي 2016.

مدى تأثير ترامب


وقال هايو فونكه، أستاذ العلوم السياسة في جامعة برلين الحرة، إنَّه قد لاحظ على مدار الأسابيع القليلة الماضية إشاراتٍ مبكرة لردة فعلٍ قوية مناوئة للشعبوية.

فعلي سبيل المثال، في ألمانيا، تراجع حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المُتطرِّف في استطلاعات الرأي. وقال فونكه إنَّه يعتقد أنَّ الناخبين في أوروبا ينظرون إلى البريكست ورئاسة ترامب ليس باعتبارهما مصدري إلهام، بل بقلقٍ عميق.

وقال: "لا يُوجَد تأثير لترامب. لم يحدث شيء". وفي اللحظة الراهنة بالنسبة للأحزاب الشعبوية، قال فونكه: "أرى جموداً، أو تراجعاً".

وأشار فونكه إلى أنَّه في هولندا، عانى غيرت فيلدرز، أحد أكثر السياسيين الأوروبيين شراسةً في معاداة المسلمين، من أجل تحسين موقفه خلال الأسابيع الأخيرة، بعدما صعد قبل ذلك بسرعةٍ في استطلاعات الرأي.

وقال: "هناك مخاوف من أن يخرج الأمر عن السيطرة فيما يتعلَّق بالتصويت لفيلدرز، لكنّي أشك في أنَّ ذلك سيجري على هذا النحو".

وقال مُحلِّلون آخرون إنَّه حتى في حال لم ينتصر الشعبويون من أمثال فيلدرز، فإنَّ ملفاتهم الشخصية البارزة وحضورهم المؤجِّج في أغلب الأحيان قد نقل الكثير من النقاش السياسي إلى حلبة اليمين المُتطرِّف. وقد انتصروا في كثيرٍ من جوانب النِّزال بالفعل.

وقال بيرت باكير، أستاذ الاتصال بجامعة أمستردام: "منذ دخول غيرت فيلدرز إلى الساحة السياسية، لم يكن لديه أي مكتب، لكنَّه حاز نفوذاً".

وغالباً ما تُركِّز النقاشات في هولندا الآن على فرض قيود على المهاجرين، وسياسات الهُوية، والقومية.

ويُؤكِّد الأساتذة، والقائمون على استطلاعات الرأي، وغيرهم ممن يراقبون الانتخابات عن كثب، على أنَّ اليمين المُتطرِّف، في هولندا على الأقل، لن يفوز أو يسيطر على الحكومة، أو حتى يكون قريباً من ذلك، لأسبابٍ ليس أقلها أنَّ الأحزاب اليمينية الأخرى تعهَّدت علناً بعدم العمل مع فيلدرز في ائتلافٍ حكومي.

لكنَّ ذلك لم يمنعهم من تبنّي نسخةٍ مُعتدِلةٍ إلى حدٍّ ما من مواقف اليمين المُتطرِّف في كثيرٍ من القضايا. الأمر الذي يُمثِّل إحدى نتائج هيمنة رؤى اليمين المُتطرِّف على النقاشات، مُنحِّيةً الرؤى والقضايا الأخرى.

إلى أين تتجه الأمور؟


وقال ياسبر مويس، أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الحرة بأمستردام، الذي يدرس الشعبوية: "حتى في حال لم تفُز تلك الأحزاب أو تشارك في الحكومة فعلاً، فإنَّ كل شيء يتَّجه نحو موقفٍ أكثر معاداة للهجرة، وأكثر تأييداً للقومية، لمحاولة الفوز بأصوات الناخبين الذين يُمثِّلون الطرف الخاسر في العولمة".

وقال: "يصبح التركيز مُنصبَّاً على الهجرة وطالبي اللجوء من ناحية، وعلى القيم والعادات من ناحيةٍ أخرى، لكن لا يُقال الكثير حول التنمية الاقتصادية أو التوظيف، ويُعَد هذا جزءاً من قصة نجاح اليمين الشعبوي: فقد كانوا قادرين على أن يجعلوا من الصعوبة بمكان الحديث عن موضوعاتٍ أخرى".

وفي أحسن الظروف، سيحصد فيلدرز، الذي يتزعَّم حزب الحرية، نحو 15% من الأصوات. وحتى في حال جُمِعت أصواته مع الأصوات التي يحصل عليها باقي الأحزاب اليمينية المُتطرِّفة والمناهضة للسياسات التقليدية، فلن يتجاوز العدد الإجمالي المُحتَمَل 30 مقعداً، أو 20% من مقاعد البرلمان البالغة 150 مقعداً.

ومع ذلك، يُروِّج حزب النداء المسيحي الديمقراطي لنهجٍ يُطابق في مُحافظتِه تجاه المهاجرين نهج فيلدرز، وهو النهج المُختلِف عن ذلك النهج المُعتدِل الذي كان يتبعه قبل بضع سنوات. ويبدو من المُرجَّح الآن أن يفوز الحزب بعدد مقاعد يساوي عدد المقاعد التي سيفوز بها فيلدرز، وإذا ما أُضيفت مقاعد اليمين المعتدل إلى هذا، فستحوز أحزاب اليمين المُتطرِّفة واليمينية المُعتدِلة الأغلبية في البرلمان.

وحتى إذا كان اليمين قد هيمن على الحملات الانتخابية، فإنَّ الحقيقة هي أنَّ هولندا مُنقسِمة بعمق، وتتراجع أحزابها المعتدلة في مشهدٍ سياسي مُمزَّق على نحوٍ متزايد.

ويُوجد 28 حزباً مشاركاً في الانتخابات. وسيحصل ما بين 10-12 حزباً فقط على أصوات كافية تُمكِّنها من الفوز بمقعدٍ في البرلمان. ومن المُرجَّح أن يكون هناك 4 أو 5 أحزاب في الائتلاف الحكومي، لا يُعرَف هُويتها بعد، لكنَّها ستضم أحزاباً يمينية ويسارية.

نذير لأوروبا


ومن أجل ذلك يقول بعض المراقبين المحنكين للسياسة الأوروبية إنَّ انجراف الهولنديين ناحية اليمين ربما يكون أهم من حيث كونه نذيراً لاتجاه عام في أوروبا أكثر من كونه مهماً لتأثيره العملي.

ويشعر بعض المحللين بقلق أكبر بكثير حول الانتخابات الفرنسية، لأنَّ زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف، والمرشحة في الانتخابات الرئاسية، ماري لو بان، لديها كتلة من الناخبين أكثر صلابة يقفون وراءها.

وقال فونك، من الجامعة الحرة ببرلين: "إنَّ الجبهة المؤيدة للوبان متماسكة للغاية، وهذا هو ما يميزها عن باقي الشعبويين".

وقد تكون إيطاليا مُقلِقةً أكثر حتى من فرنسا، إذ بإمكان حزب النجوم الخمسة الشعبوي، والعصبة الشمالية، الفوز لو أقيمت الانتخابات، التي سوف يكون جزء منها استفتاءً على استمرار إيطاليا في استخدام اليورو. قد يؤدي هذا الأمر إلى فقدان ثقة المستثمرين الأجانب وهروب رأس المال من القارة.

وقال فونك: "قد تكون إيطاليا صاحبة الحالة الأسوأ لأنها لو أجبرت بالانتخابات على إجراء استفتاء اليورو، فسوف يكون هناك خطر أكبر".

تحميل المزيد