حديثنا اليوم عن غائب طال انتظاره، عن دواء حان وقت تجرعه، حديثنا عن سر التقدم والازدهار، سر النمو والازدياد، حديثنا عن البركة وأسباب التماسها في حياتنا وكيفية الحصول عليها.
التماس البركة في مثل هذه الأوقات لهو العلاج النافع لجميع مشاكلنا التي نحياها الآن، التماس البركة هو الاستقرار في زمان الارتباك والتخبط، التماس البركة هو السير على خُطى النبي عليه الصلاة والسلام؛ لنرى كيف استطاع -صلى الله عليه وسلم- أن يبني أمة في ثلاث وعشرين سنة وسط هذا المحيط الضخم من الجاهليات، كيف استطاع عليه الصلاة والسلام أن يبني أمة عقمت الأرحام أن تلد مثلها، إنها البركة في أفضل صورها وأعلاها.
البركة هي تكاثر الخير ونماؤه واستمراره، ومصدر البركة الذي تلتمس منه واحد ألا وهو الله سبحانه وتعالى الذي تبارك، أي: كثرت بركاته وتزايد خيره؛ لذلك قال الله سبحانه: "تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً"، و"تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير"، و"فتبارك الله أحسن الخالقين".
وقد علَّمنا النبي -عليه الصلاة والسلام- أن نلتمس البركة من الله، وأن نسأله إياها، كما ثبت ذلك عنه عليه الصلاة والسلام، كما عند مسلم، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أنه -عليه الصلاة والسلام- إذا أتى الثمر أتى به، فيقول: "اللهم بارك لنا في مدينتنا، وفي ثمارنا، وفي مدِّنا، وفي صاعنا بركة مع بركة".
فمن أراد أن تحل عليه البركة، وأن يكون مباركاً، فعليه أن يبحث عن أسباب تحصيل البركة التي من أهمها:
الارتباط الوثيق بالقرآن؛ فقد قال الله -عز وجل- وهو يصف كتابه الكريم: "كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب"، "وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون".
ومعنى مبارك، أي: كثير المنافع والفوائد، ووصفه الله بالبركة؛ لأنه يبارك مَن اتبعه وعمل به.
ومنها أيضاً تقوى الله -عز وجل- والتوكل عليه، كما قال عز وجل: "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون"، "ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب".
ومنها الاجتماع على الطعام والتسمية لما رواه أبو داود في سننه، أن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- قالوا: "يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع، قال: فلعلكم تفترقون؟ قالوا: نعم. قال: فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه".
ومن أسباب تحصيل البركة أيضاً الصدق في التعامل، وهو أمر يكاد يكون عزيزاً هذه الأيام، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما، من حديث حكيم بن حزام رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما".
ومن أسباب البركة البكور في طلب الرزق، وذلك لما أخرجه البخاري عن صخر الغامدي، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "اللهم بارك لأمتي في بكورها".
كما يعتبر السلام على الأهل أيضاً من أسباب تحصيل البركة؛ لما رواه الترمذي في سننه أن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم يكون بركة عليك وعلى أهل بيتك".
ونختم هذه الأسباب بصلة الرحم التي تعتبر من أعظم أسباب تحصيل البركة، وهي الشعيرة التي فرط فيها كثير من الناس لأجل الدنيا وكسبها، فقد ثبت في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه عليه الصلاة والسلام قال: "مَن أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه".
وبسط الرزق معناه توسيعه وتكثيره والبركة فيه.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.