رسالة لـ21 شاعراً عربياً

لنكن أصدقاء، في متاهات هذا الوجود الكئيب، ‎أصدقاء بشر أصدقاء ينادون أين المفر؟ ويصيحون في نبرة ذابله ويموتون في وحدة قاتلة أصدقاء جياع، حفاة، عراة..

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/15 الساعة 01:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/15 الساعة 01:35 بتوقيت غرينتش

هذه الرسالة لـ21 شاعراً، كاتباً من قرون سابقة، إلى قرننا هذا.. لم أكتب منها كلمة واحدة، نص الرسالة:
"سجل أنا عربي
أسير مع الجميع وخطوتي وحدي، ميّت لم يمت كما يعرف الناس ولكن يموت في كلّ آن، بكى بعضي على بعضي معي، لأني غريب!
أتذكر أيامي معك، كمن يرى الأشياء عبر نافذة قطار مسرع، نائية وجميلة، والقبض عليها مستحيل، من وقت إلى آخر، ضجّ بي صبري، وأقلقني، مُقامي، فمضيت للمعنى، سأبقى تجاذبني الأمنيات إلى الأفق السرمديّ البعيد وأحلم وأحلم لا أستفيق إلا لأحلم حلماً جديداً!
ماذا لو كنّا في الواقع مجرد شخصيات ثانوية، لا تتحمل أدنى حبكة؟
نرقص نحب، نخون، نمسك الأعمار من الوسط، وننصب الكمائن: الجغرافيا بدل التاريخ، وفجأة نجد أنفسنا مكبلين بالسلاسل. في العمل دفنت رأسي بين قصاصات وكالات الأنباء…
من الأفضل أن نضاعف فناجين القهوة!
أنا مستهام، عاشقٌ من زمان المحبين ضيّعني العشق ضيّعت عنوانه في زحام، زمن الشرك، واليأس والجاهلية، والوأد والانقسام، فزمان المحبين ولَّى، وجاء زمان الفجاجة، والنثر! ألا ليت الإنسان ينسجم مع نفسه دائماً..
عقل الإنسان وقلبه قد يعيشان لحظات تبدو قصيرة، عابرة، لكنها تعادل سنوات ضوئية.
لا بد أن يحنو عليَّ الزمان وأن تلاقيني بفيض الحنان، عينان سوداوان، وحشيتان! أحِنُّ بكلِّ جارحةٍ إليك، لِحدِّ أكادُ أن أبكي عليك! أحنُّ لمقلتَيك، وصدِّقيني أذوبُ عليك في نظَّارتَيك! كأنّي لا أحسُّهُما بعمقٍ إذا حوَّلتها عن مقلتيك! أحنُّ إلى يديك.. أُحسُّ قلبي يغادرُني ليسكنَ في يدَيك، كيف يمكن أن نجعل لمسة اليد كلمة واحدة!
كأنني وحدك في الترقب، كأنك وحدي في الغياب
كم أنت قاسٍ أيها العالم، نصيبك في حياتك من حبيب، نصيبك في منامك من خيال.
سئمت تكاليف الحياة!!
لنكن أصدقاء، في متاهات هذا الوجود الكئيب، ‎أصدقاء بشر أصدقاء ينادون أين المفر؟ ويصيحون في نبرة ذابله ويموتون في وحدة قاتلة أصدقاء جياع، حفاة، عراة..
يتقاتلون وأنت تبكي، يتصالحون وأنت تضحك، يتقاربون وأنت تنأى، يتوحّدون وأنت وحدك.
خذ بكفي وغنني يا رفيقي.
كم يسعد الجمال قلباً ويشقي من قلوب شعرية وعقول!
اللوائح كثيرة، كثيرة، كثيرة… ليتني لا أعرف القراءة! لتجاهلتها تماماً، تماماً ودونما خجل.
كل حب يكون معه طلب لا يعول عليه، كل شوق يسكن باللقاء لا يعول عليه!".
انتهت الرسالة!

الفكرة هي أن الشعر لغة، والجمال صوت هذه اللغة، بدأت الرسالة مع محمود درويش وأنهيتها مع ابن عربي، بينهما هذه الأسماء: سعدي يوسف، البردوني، ابن زهر الأندلسي، بدر شاكر السياب، غادة السمان، محمد الثبيتي، نازك الملائكة، عبدالإله الصالحي، سيد أحمد الحردلو، محمد مهدي الجواهري، عبد الرحمن منيف، عمر أبو ريشة، عبد الرزاق عبد الواحد، علي المقري، سوزان عليوان، المتنبي، زهير بن أبي سلمى، عبد الكريم الرازحي، أبو القاسم الشابي. (بين هذه الأسماء شعراء وروائيون وأدباء، احتفالاً بهم الكل هنا شاعر).

البداية كانت وأنا أقرأ لسعدي يوسف "أسير مع الجميع وخطوتي وحدي" ووجدتها تستدعي "سجل أنا عربي" لمحمود درويش، ووجدت نفسي أبحث في كل ما بين يدي من دواوين وأوراق أجمع منها ما يبني هذه الرسالة، الانتقال من شاعر لآخر ومن كاتب لآخر لم يكن سهلاً، لكن للفكرة عقل إنساني تكوينه يتشابه وقلب نبضه لا يختلف إلا بأصحابه، لكنه يتفق على يمينه ويساره وتدفق الدم منه وإليه.

الشعر قبل أن يكون أدباً هو لغة، لغة يفهمها من يكتب ويقرأ ومن لا يجيد الكتابة والقراءة، الشعر صوت صاحبه ولم يخضع أبداً لقوانين الورقة البيضاء والقلم، لا يمكن قراءة الشعر أبداً بل هو صوت حين تجده أمامك قد تجد بعض ذاتك.

البحث اليوم عن شاعر هو البحث عن إنسان يسبق شعوره بالجمال رؤيته له، الشاعر يلتفت للعالم حوله ليلتفت العالم له في نفس اللحظة، ولو كانت اللحظة له وحده.
في الرسالة التي بنيتها كنت أشعر بقلبي يقفز فرحاً بين سطر وآخر وبين شاعر وآخر أرسلتها لبعض صداقاتي؛ لأن الشعر لا بد له من عين تحبك لتقرأه. وجدت نفسي أقرأ لأنني أريد الكتابة، وأكتب ما قرأته دون إضافة؛ لأنني لا أظنني سأعبث بكل هذه الكلمات أكثر مما فعلت، هو عبث قد يبعث الروح في كتابتي أكثر ويزيدني قرباً من كل ما قرأت.

العودة للشعر مهمة يومية، وأذكر أنني قد قرأت لغوتة ما معناه أنه على الإنسان يومياً النظر للوحة جميلة والاستماع لموسيقى جميلة وقراءة نص جميل، وربما النطق بما ينقل جماله الداخلي.. أو كما قال غوتة، وهو ما أفعله يومياً منذ وجد الشعر مكانه في قلبي، كنت وما زلت أعود يومياً لدواوين جمعتها عبر السنين لأبي نواس، لبدر شاكر السياب، نصوص غادة السمان وترجمات للشعر الإنكليزي ومجموعة ييتس الكاملة… سونيتات شكسبير وما زالت رقم 110 هي الأقرب لعقلي وقلبي:

الشعر مهم للحياة اليومية كما هو مهم للذاكرة ولا يمكن تجاوز هذه الأهمية أبداً ونوبل للآداب هذه السنة، على الرغم من كل الجدل الذي أحيط بتسلمها من قبل بوب ديلان، فهي قد أكدت أن التجديد في الشعر هو جزء من هويته الأدبية، وهو الأمر الذي يضم الشعر للفنون الأخرى، وإن كان هو البداية لأنه الأقرب ليد الإنسان ولا ينتظر روتيناً يومياً ولا حتى يبحث عن مساحة قد تضيق به يوماً.

القلب يركض دون بوصلة أحياناً لكنه يصل، إلى ما يدفع نبضه للاقتراب من السماء تسارعاً أو الصمت حتى يجد الإنسان يده تقترب منه لتجد أن نبضه استحال همساً، وهنا أجد نفسي أمام رسالة مثل هذه لأعود للعالم بهدوء يرسم بوصلة أجد نفسي أتبع هذه البوصلة لعلي أصل، فأقترب مرة أخرى من حياتي اليومية ومن الكتابة التي غالباً ما يبدأها حديث شاعر، ديوانه الذي توسد أرفف مكتبتي أو نصه الذي وجد لنفسه مكاناً في هاتفي الذكي! (هاتف ذكي: يسمح لكل ما تبحث عنه أن يكون بين يديك وإشارة الاتصال روحه).

ربما انتهت هذه الرسالة التي لم أبدل منها حرفاً واحداً مع علمي ببعض الحدية التي لن تسمح بأي مرونة للانتقال من سطر لآخر، إلا أن الجمال أقوى من أي قاعدة، وأول قاعدة تحضر هنا أن الشاعر هو من يحق له ما لا يحق لغيره.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد