أظهرت استطلاعات الرأي أن حزب الحرية الهولندي الذي يقوده خيرت فيلدرز سيحل في المرتبة الثانية في الانتخابات، ولكن ماذا سيحدث لو فاز هذا الحزب بأغلبية الأصوات؟
قبل أيام قليلة من الانتخابات البرلمانية التي ستشهدها هولندا يوم الأربعاء القادم، تنظر دول أوروبا الغربية بأكملها إلى عدو الوحدة الأوروبية خيرت فيلدرز، خاصة أن حزبه حقق تقدماً مذهلاً في استطلاعات الرأي الشهرية، وفقاً لما ذكرت صحيفة فرنكفورته ألغيماينه.
والجدير بالذكر أن هذا الحزب يقبع الآن في المركز الثاني بفارق ضئيل عن حزب الشعب للحرية والديمقراطية، وهو حزب ليبرالي يقود الحكومة الحالية التي يترأسها مارك روته. فما الذي سيحدث في حال لم يفز حزب مارك روته بالانتخابات يوم الأربعاء؟
ربما لن يتغير الكثير، لأنه أولاً وقبل كل شيء تجمع أغلب الأحزاب المتنافسة على رفض وضع يدها في يد خيرت فيلدرز. من جهة أخرى، أي بعد الانتخابات، سيأخذ الحزب الفائز بالأغلبية بزمام الأمور، حيث إنه في العادة يقوم بتشكيل الائتلاف الحكومي.
في المقابل، قد يتم التغاضي عن هذه التقاليد في هذه المرة؛ لأنها في الواقع مجرد تقاليد سياسية وليست ملزمة قانونياً، وقد حدثت فعلاً بعض الاستثناءات المشابهة في الماضي.
من الغريب أن السلطات التشريعية في هولندا لم تقدم إلى الآن أية معلومات واضحة حول هذه الفرضية، إلا أنها أشارت إلى إحدى الدراسات التي أصدرها "مركز التاريخ البرلماني" في جامعة رادبود في مدينة نيخميغن، التي تحمل عنوان "تشكيل الحكومة في 50 خطوة"، حيث تعدّ هذه الدراسة مرجعا رسمياً، خاصة أنها تمت المصادقة عليها من قبل الحكومة والمجلس الاستشاري التابع للدولة.
وتقول هذه الدراسة إنه "من المتعارف عليه خلال تشكيل الحكومة بعد الانتخابات، أن الحزب الذي يحصد أكبر عدد من الأصوات هو الذي يقوم بالمبادرة. وخلال الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية، كانت هذه هي القاعدة المعمول بها، باستثناء مناسبات قليلة في سنتي 1967 و1972. ففي انتخابات هذه السنوات، لم يقم الحزب الذي يتحصل على الأغلبية بتعيين الشخص المكلف بالتحاور مع الأحزاب من أجل تكوين ائتلاف حكومي".
ومن جهتهم، يختلف السياسيون والمحامون حول طريقة التعامل مع هذه المسألة، وما ينص عليه القانون في هذا الصدد. ففي الدستور الهولندي لم يتم تحديد إجراءات التكليف بتشكيل الحكومة بشكل واضح، حيث تقول كارلا فان بالن، مديرة مركز التاريخ البرلماني، والمشاركة في الدراسة المشار إليها سابقاً، إنه لا توجد آليات منصوص عليها بشكل واضح تضمن لطرف معين أحقية أخذ المبادرة.
في المقابل، تتوقع هذه الباحثة أن خيرت فيلدرز سيفوز بأغلبية الأصوات وسيحل في المرتبة الأولى يوم الأربعاء، وبالتالي سيطالب بالحق في تعيينه لقيادة مشاورات تشكيل الحكومة. وفي حال تم حرمانه من ذلك، فإنه سينتقد النظام الديمقراطي في هولندا، ولذلك ترجح الباحثة أنه سيتم الالتزام بالتقاليد والأعراف المعمول بها.
ولكن يبقى التحدي الذي سيظهر هنا هو مدى قدرة فيلدرز على إقامة تحالفات وإقناع أحزاب أخرى بالانضمام إليه، إذ إن أغلب منافسيه استبعدوا أي تحالف معه، ولذلك من غير المستبعد أن يفشل في تشكيل الحكومة وسيتم بعد فترة من الزمن سحب حق المبادرة منه وإعطاؤه لحزب آخر.
مجتمع منقسم إلى مجموعات إيديولوجية متصلبة
في كل الأحوال، فإن حزب الحرية الذي يقوده خيرت فيلدرز لن يفوز على الأرجح في هذه الانتخابات، حيث أظهرت آخر استطلاعات للرأي أنه سيحل في المرتبة الثانية بنسبة أصوات تبلغ 13%، أي 3% أقل من حزب الشعب للحرية والديمقراطية الذي يقود الحكومة الحالية.
كما أن خمسة أحزاب ستحصل على نتائج متقاربة تتراوح بين 8 و12% من الأصوات، وبالتالي فإنه من المؤكد أن عملية تشكيل تحالف حكومي ستكون معقدة وصعبة جداً، وسيتطلّب الأمر ما لا يقل عن أربعة أحزاب لبلوغ النصاب في البرلمان.
في الماضي، كانت هناك أحزاب معينة تحصل على نتائج ثابتة ومستقرة على المدى الطويل؛ لأن المجتمع الهولندي كان مكوناً من مجموعات إيديولوجية صلبة وثابتة، تتكون أساسا من البروتستانت الكالفينيين، والكاثوليك، والاشتراكيين الديمقراطيين، وكذلك الليبراليين.
كما كانت هذه المجموعات الإيديولوجية تنتخب أحزابها بنسب معروفة ومتوقعة. ولكن في السنوات الأخيرة، تغير المشهد كثيراً في هولندا وأصبحت الأمور أكثر تعقيداً.
ولكن إلى حدود أواخر التسعينات، كانت الأحزاب الشعبية هي المسيطرة، كما هو الحال في ألمانيا، حيث كان الحزب المسيحي الديمقراطي، والحزب الاشتراكي الديمقراطي هما المهيمنان، وكان الليبراليون يحلون في المرتبة الثالثة.
ومنذ سنة 2010، قام رئيس الوزراء الحالي مارك روته بإعادة الحياة إلى حزب الشعب للحرية والديمقراطية، وجعل منه الحزب الأقوى في البلاد، مستفيداً من انهيار حزب النداء الديمقراطي المسيحي.
وقد شغل روته منصب رئيس الوزراء لعدة سنوات، خلفاً لرئيس الوزراء السابق يان بيتر بالكانندي. كما اعتمد روته وحزب الشعب والحرية والديمقراطية سياسة اقتصاد السوق الليبرالية، وحدّ من تدخل الدولة ومن سياسات الرعاية الاجتماعية.
وقد دعمه في هذا التوجّه حزب العمل الهولندي الذي يفترض أنه يعتمد نهجاً اشتراكياً، وهو ما أضر به كثيراً، حيث انخفضت نسبة التأييد الشعبي له إلى 8% خلال استطلاعات الرأي الأخيرة، ما دفع هذا الحزب في كانون الأول/ديسمبر الماضي إلى تغيير قياداته المرشحة في القائمات الانتخابية. ومن جهته، أعلن نائب رئيسه لودفيك أسخر أنه سيزيد التركيز على دعم القوى العاملة.
صعود حزب الخضر اليساري بقيادة المغربي جيسي كلافر
لوقت طويل، اعتقد كثيرون أن الانتخابات المقبلة ستكون بمثابة مواجهة ثنائية بين مارك روته وخيرت فيلدرز على الرغم من أن الفرق بينهما وبين بقية الأحزاب، تضاءل كثيراً في الفترة الأخيرة.
فقد استعاد حزب النداء المسيحي الديمقراطي إشعاعه بقيادة زعيمه سيبراند فان بومه، الذي تبنى شعارات محافظة، في تغيّر يعتقد كثيرون أن سببه تأثير فيلدرز على المشهد السياسي الهولندي.
والجدير بالذكر أن هذا الحزب يدعو في برنامجه إلى إلزام الأطفال في المدارس بترديد النشيد الوطني الهولندي، وإجبار الشباب على القيام بخدمات عسكرية أو اجتماعية.
وقد باتت مسألة "القيم والمعايير الهولندية" في قلب النقاش الانتخابي، بسبب الأزمة التي يعيشها المجتمع. أما فيما يخص الاقتصاد، فإن المواقف اختلفت، إلا أن الأحزاب اليسارية في مجملها تدعو إلى نظام جديد يدافع عن مصالح العمال ويحترم المحيط، ويناهض ثقافة الاستهلاك التي أصبحت سائدة.
من جانب آخر، حقق حزب الخضر اليساري تقدماً ملحوظاً، بفضل جيسي كلافر الزعيم الشاب الذي يتمتع بكاريزما، والذي ينحدر من أب مغربي، بعدما حقق شعبية كبيرة خلال الحملة الانتخابية.
وقد وسع هذا الحزب من علاقاته وتحالفاته نحو اليمين ونحو اليسار، وأظهر استعداداً ومرونة فيما يتعلق بإقامة التحالفات الحكومية بعد الانتخابات.
علاوة على ذلك، من المرجح أن تسجل أحزاب غير تقليدية حضورها خلال الانتخابات، على غرار حزب ديني يدافع عن تقاليد قديمة في هولندا، حيث يعمل على استقطاب ما تبقى من المواطنين المتدينين في المجتمع الهولندي الذي بات على درجة كبيرة من العلمانية. فضلاً عن ذلك، يوجد حزب "50+" الذي يوجه خطابه للمسنين وحزب آخر مهمته الدفاع عن الحيوانات، بالإضافة إلى حركة جديدة تدعى "التفكير" التي يقودها الزعيم الصدامي توناهان كوزو، والتي تعد العدو اللدود لحزب الحرية الذي يقوده فيلدرز والذي يعادي المهاجرين والمسلمين.
وتجدر الإشارة إلى أن حزب التفكير الهولندي يندد بالتمييز العنصري الذي يعاني منه الأجانب في كل مكان حتى المستشفيات، وقد أعلن زعيمه كوزو في أحد الخطابات أن لديه أدلة واضحة على أن كبار السن والمرضى ذوي الأصول الأجنبية يتم حرمانهم من العناية اللازمة في المستشفيات وتركهم يموتون بشكل غير أخلاقي.
هذا الموضوع مترجم عن صحيفة Fanffurter Allgemeine Wirtschaft الألمانية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.