عن كل فاعل ومفعول به

خط الحياة منعرج ومتموج، ما إن استقام فاعلم أنه الموت لا محالة.. لكي نحيا لا بد من السقوط والوقوف ونفض الغبار وإكمال الطريق نحو الهدف.. منعرج إن تسبب في سقوطنا مرة فلن ينجح في ذلك مرة أخرى؛ لأننا ببساطة أصبحنا على دراية به وسنتجاوزه.

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/13 الساعة 01:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/13 الساعة 01:41 بتوقيت غرينتش

عن تلك الابتسامات المصطنعة في صور باهتة لأشخاص لم يتبقَّ لهم من البهجة سوى شطر التبسم "فاقدي الحب".. عن السعادة الوهمية التي أصبحنا نحاول أن نعيشها رغم أنها من صنع خيالنا فقط، سببها المتعة المنعدمة التي غادرتنا بعدما أصابتنا الشيخوخة المبكرة نتيجة الشقاء.. عن زمن أصبح فيه كل شيء لا يشبه أصله.. عن ذاك النور المنطفئ في عيون تورمت من كثرة السهر انتظاراً لمعجزة تغير طيات الواقع..

عن نظرات الألم والخيبة وفقدان الأمل تخيم على محيا الشاردين في شرفة غرفهم، يعدّون ساعات الغياب لتجدهم عائدين إلى فراش نومهم خائبين، لمدمني الظلام المختبئين من ضجيج العالم هروباً من كلام الناس؛ فهم لم يسلموا من ثرثراتهم نتيجة أخطاء ارتكبوها.. للمتعَبين من قسوة الحياة التي لم تهدِهم من ملذاتها جزءاً يشفي جروحهم.. لسيئي الحظ كلما حاولوا فشلوا حتى أيقنوا أنهم للنحس عنوان.. لكل من لم يجد سنداً وقت الشدة، سقط ولم تُمد له يد العون وتُرك في نصف الطريق فالتوت ركبتاه منبطحتين إلى الأرض انصداماً.

لكل تلك الأشياء التي اندثرت، والعلاقات التي خربت وانتهت لأتفه الأسباب ولم نكن نتخيل يوماً أننا سنكمل من دونها.. لرسائل لم تصل كُتبت ومُسحت آلاف المرات لكنها لم تُرسل؛ لأن للنفس كبرياء.. للأشخاص الذين وعدوا وأخلفوا وتخلوا ومضوا فكانوا السبب في تأرجح القلوب المنفطرة بين مد وجزر خيبة الحب.. للكرامات التي دُهست من عديمي الضمير، ولكل من ضحى واجتهد وحاول وكافح، لكنه خُذل.

لتلك الأشياء التي انتهت قبل البدء لمجرد أن أحد الطرفين رأى في ذهابه مصلحة له فتغلبت عليه أنانيته، للنظرات المتبادلة بين اثنين يفصلهما شبر، لكن القدر كان أقوى من رغباتهم.. عن كل مقصود لم يُفهم وعن كل مفهوم لم يُستفسر عنه..

عن تلك النفس التي أنهكناها بالتبريرات والحجج والأعذار، فكنا السبب في قتلها آلاف المرات؛ ملأنا صدورنا حبوراً من كذبات جعلناها ستاراً للحظات مسروقة؛ ظناً منا أنها سترافقنا طوال المشوار، لكنها سرعان ما انقلبت إلى ذكريات مخجلة.

كل الآهات التي صرخنا بها من شدة ظلم الحياة التي لم تُنعم علينا بمن أحببناهم ورمتنا في أحضان غير تلك التي ألفناها وتأملنا بها المستقبل وربطنا وجودها بسعادتنا حتى فقدنا وجودنا بغيابها.

عن أيادٍ هجرت بعدما اعتادت التشابك فأُتبِعت بقبلة وجْن دافئة بنكهةِ نهاية على شاطئ بحر هائج كأنه يعلن إغلاق الكتاب، قد حان لترتطم اليد على الفم، قامعة تلك الشهقة التي تتخلل البكاء..

عن السقوط والخذلان والهجران.. عن الفشل والخيبات والاستسلام والعيش من دون هدف..
عن كل فاعل وعن كل مفعول به..
عني وعنك وعنكم وعنهم.. لا تيأسوا؛ فدنيانا فانية.

خط الحياة منعرج ومتموج، ما إن استقام فاعلم أنه الموت لا محالة.. لكي نحيا لا بد من السقوط والوقوف ونفض الغبار وإكمال الطريق نحو الهدف.. منعرج إن تسبب في سقوطنا مرة فلن ينجح في ذلك مرة أخرى؛ لأننا ببساطة أصبحنا على دراية به وسنتجاوزه.

ما دامت قلوبنا تنبض فنحن ما زلنا على قيد الحياة، لم نحطَّم ولم نهلَك بعدُ حتى نستسلم للأهات، فرغم أن طريقنا الطويل معبَّد بالألم فإن الشمس تشرق بخيوط ذهبية كل صباح ومن دون ملل، خصصت لكل منا خيطاً ليسد شقوقنا وينهي حزننا فنجدنا بين المبتهجين يوماً ما.

لم نُخلق لنتعس ونندب حظنا العاثر، ولم نُخلق لنبقى طويلاً حتى نمضي حياتنا في التحسر على ما مضى، خُلقنا لنجرِّب ونُمتحن ولنموت يوماً، أيامنا معدودة شئنا أم أبينا.. ولو علمنا أن نهايتنا غداً لهرعنا لتحقيق ما نأمله ولما أطفأنا وهج الأمل؛ بل سنبني به جسراً فوق نهر من اليأس حتى نعبر..

من ذهبَ فلترافقْه السلامة، في النهاية خُلقنا مفترقين ولسنا مجبَرين على البقاء..
من سبَّب لنا ألماً فسيؤلَم؛ لأن لكل منا حصته من الدموع. تختلف الأسباب فقط.. فلِم الانسياق وراء الانتقام! ومثلما قُدر وكُتب علينا أن ننكسر من مخلوق سيُجبر خاطرنا من مخلوق غيره.. هكذا سُنة الحياة.

انتظار مارس/آذار، أبريل/نيسان، مايو/أيار ويونيو/حزيران، أن يكونوا أفضل مما مضى، هي صور تليق للفيسبوك فقط.. نحن من الواجب أن نصنع منا الأفضل حتى نستقبل الفصول بما يليق بها، فإن غاب الأمس فهناك اليوم، وإن كان اليوم راحلاً فلنطمح إلى غد مشرق؛ لأنه لا جدوى من جعل النفس رهينة للمآسي فالأسود لا يليق دائماً.. الأسود خانق ولون لثياب العزاء وللعزاء مهلة فقط.. هناك ألوان أخرى تجعلك في أثناء التمسك بها رساماً ماهراً يخطط لوحات خاصة بيومه.

ابتهجوا؛ فالربيع على الأبواب وقد اشتاق إلى محياكم وإلى ارتسام ابتسامتكم، فإن لم تتمكنوا من التغلب على أحزانكم وفقدتم الرغبة في إشعال شمعة تضيء ظلمتكم، فارتدوا ستراتكم وتوجهوا لأقرب مستشفى.. فزيارة واحدة تكفي لتغيير حالكم.. فما دمتم على قيد الحياة واقفين فلا هموم تشفع لكم ولا عذر يُلتمس لكم لتعبس وجوهكم..

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد